الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيت إيجار !!


عندما كنت أدرس فى الجامعة الأمريكية منذ عدة سنوات وعلى مدار ثلاث سنوات فى علم قواعد اللغة الانجليزية التقيت به ، شاب وسيم لأقصى درجات الوسامة متواضع بشكل يتناقض مع ما حظى به من جمال ربانى زاده الجمال الخلقى ، والغريب انه كان منبوذا من المصريين بصفة عامة ومن بعض العرب والشوام بصفة خاصة ويقابل هذا السلوك إعجاب من كل الأوروبيين سواء الدارسين أو المدرسين. 


وبما أننى كنت فى هذه المرحلة العمرية مقبلة على العلم والتعلم والتعامل مع كل البشر على أساس الإنسانية ولا يعنينى أى توصيف وتصنيف آخر فعليه تعمقت صداقتى بذلك الشاب وصرنا لا نفترق وان اختلفنا فى المناقشات والمحاضرات لدرجة ملفتة للنظر جعلت الكل لايستطيع ان يوصف طبيعة هذه العلاقة . 


كان صديقى هذا غير كل من عرفت على مدار دراستى التى بدأتها فى جامعة القاهرة واستكملت تقنينها والاضافة على علومى اللغوية فى هذه القلعة الاى كانت حينها ميسرة وليس كما هى عليه الان ، كنت ادرس علم قواعد اللغة الانجليزية او ما يطلق عليه (جراما) اختصارا وهو ايضا وقد كان متفوقا نابها وكنت احاول ان اصبح مثله واسعى لذلك سعيا دؤوبا ، وفى يوم قال لى اعلمك كل ما تسعين له مقابل ان تعلمينى العربية صحيحة واللهجة المصرية بصفة خاصة . 


كان العرض مغرى فهو نابغة فى الانجليزية ملم بقواعدها ويحظى بتقديرات لاتنزل عن الامتياز فى كل الكورسات وايضا لديه لكنة فى النطق غربية صافية تبهر من يستمع اليها واليه ، وبكثير من الغرور قلت له انا لست بحاجة لان اجود فانا متفوقة وانت تفوقنى بدرجة فانا احظى بتقدير جيد جدا وانت امتياز وانا لست بحاجة لهذا التقدير لاننى اتعلم من اجل العلم وتعليم اولادى فى المستقبل اما انت فلك اهداف وظيفية او غيرها يجعلك تجرى من اجل تحقيق هذه التقديرات .. 


وفور انتهائى من هذه الجملة كنت اضع يدى على قلبى ان وافق وسحب عرضه ولكنه فاجأنى وقال لى فكرى لغاية موعد الكورس القادم وقررى وتركنى وذهب . وحمدت الله انه لم يرد على كلامى حينها وبالطبع كنت متخذة قرارى بالموافقة وحينما جاء موعذ الحصة القادمة من الكورس وقبل ان يسألنى قلت له بما انك فى بلدنا واحنا شعب مضياف بالفطرة ومبيكسفش حد فأنا موافقة ،، مد يده لى مصافحا متعهدا باتمام مااتفقنا عليه وقد كان ، لن انسى ابدا طريقته فى الالقاء والاقناع واسلوبه العالى فى التعامل والتأدب الذى جعلنى اجزل له العطاء واسابق الزمن بتسليحه بأكبر قدر من المفردات المصرية بصفة خاصة وعلوم اللغة العربية بصفة عامة وللحق اذكر انه كان تلميذا نجيبا بعكسى تماما فقد ارهقته ارهاقا تاما زادنى دلالا صبره وتحمله المبالغ فيه .. 


مضت سنوات الدراسة الثلاث المقررة لهذا الكورس ونلت درجة علمية فائقة وهو ايضا جعلت من كل الدفعة تبارك لى ولكنها لاتبارك له ولاحظت طوال السنوات الدراسية ان اصدقائى يبتعدون عنى وتعاملهم معى بالكاد منذ ان تعرفت على صديقى هذا والغريب اننى لم اهتم ولاادرى لماذا ربما لاننى كنت اتعامل معه كما قلت من منظور انسانى وهم اقصد اصدقاء الكورس يتعاملون معه من منظور عرقى ودينى .. 


قبل أن أنهى علاقتى بالجامعة الامريكية اتفقنا أن نجلس ونتبادل أرقامنا لنتواصل والكل أخذ يتبادل الارقام مع ملاحظة رفض العديد من الاصدقاء او تملصهم من مبادلة ارقامهم بصديقنا ديفيد. 


وتركنا الكل وبقيت انا وهو ليبادرنى بالسؤال لماذا واظبتى على صداقتكى معى بعكس اصدقاءك ؟ ولم افهم المغزى فأعاد السؤال بصيغة اخرى وقال مع اننى يهودى لماذا استمرت صداقتك معى ؟ فقلت له لاننى اتعامل مع البشر من خلال مظلة اعم وهى انسانيتهم لا علاقة لى بدينهم واشرت الى السماء وقلت فى هذا السماء رب سيحاسب الناس على مدى التزامهم وعلى تدينهم من عدمه اما انا فلى السلوك فقط لان الدين علاقة بين العبد وربه .. 


توطدت علاقتى بديفيد واستمرت حتى هذه اللحظة وان تباعدنا وتباعدت لقاءاتنا ان لم تكن محيت ولم يتبقى منها سوى برثيات فى المناسبات استقبلها منه  مع انى للاسف كنت مقصرة فى حقه كل التقصير . ديفيد كان صاحب عبارة ان اليهود عايشين فى بيت ايجار وعندما سألته عن معناها قال لى نحن قوم مشرذمون ويصعب ان نتفق مع بعضنا ومن اجل هذا تحرص اسرائيل ان تأجج الصراع العربى العربى لانه اذا تم اتفاق بين العرب واستقروا ووقعوا اتفاق سلام معنا وقامت دولة فلسطين فاننا كيهود سنأكل  بعضنا بعضا فنحن صنوف ومستويات وغنى وفقير وعظيم وحقير ومنا من جاء من دول عظمى وآخرين من دول نعابرها كيهود حقيرة وبالتالى فنظرة كل منا للاخر مختلفة ومتباينة وعليه فكل الحكومات تأتى وهى على قناعة رفض اى اتفاق سلام يقضى بقيام دولة فلسطين ونحن نعلم اننا لسنا اصحاب ارض ولامكان ولكننا اصحاب نفوذ مترامٍ بعلاقاتنا كيهود عددنا لا يزيد عن عشرة ملايين فى جميع انحاء العالم ولكننا نملك الاقتصاد والاعلام والسياسة العالمية كلها..استطيع ان اؤكد لى ان هذه ستكون هى الطريقة التى ستتعامل بها كل الحكومات اليهودية حتى يغير الله خلقه. 


وصمت وملامحه حزينة وقال لى هل تعلمى اننا كيهود لا نسعى لامتلاك ارض ابدا نفضل الايجار وليس التمليك هل تدرى لماذا نعيش فى بيت ايجار لاننا تخاف المستقبل الذى سيجردنا من كل مااكتسبناه وسنعود الى المربع صفر الذى يقول اننا لابد أن نعيش فى بيت ايجار ،، هل تدرين يا صديقتى اننا داخليا ممزقين من هذا الموروث ولكننا نعيش بما تفعلوه انتم لنا بطريقتكم التى تزيدنا قوة وتوفر علينا كل شىء كل ما نفعله هو التأجيج فقط . وصمت ولم أستطع ان ارد عليه ولكننى وجدت فى نفسى عزوف عن تكملة مشوار الصداقة معه ولكنه حريص على ان يهاتفنى ويراسلنى وينهى ويبدأ حواره بوصف نفسه وذويه بجملة واحدة سواء مفرده او جمع صاحب البيت الايجار ..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط