الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: مصروف البيت‎

صدى البلد

يعد اقتسام الأجر من أكبر المشكلات التى تقابل الزوجة العاملة، فلا أبالغ عندما أقول إن مناصفة أجرها قد يكون سببًا في طلاقها، فدخل الزوجة بمثابة الشرارة التى تشعل في البيت كل الحرائق، فمن عندها يبدأ المشاحنات بين الزوجين، وثمة أزواج لديهم القدرة علي إقناع ذاتها أولا قبل إقناع الآخرين أن السبب الكامن وراء تلك المشاجرات: هو غياب الزوجة عن البيت أغلب الوقت بسبب عملها. وهناك نوع آخر يعلق ضائقته المالية علي شماعة رفض الزوجة في المشاركة بجزء من راتبها لتعينه به علي أعباء الحياة.

أما من منظور الزوجة ،فهي تؤمن أن راتبها حق من حقوقها الذي لا يحق للزوج أن يعتدي عليه بأي شكل من الأشكال ،فمهما تعرض إلي أزمات مادية عليه أن يحل مشاكله بنفسه، وألا يفكر في الاستعانة براتبها، لأنها تعتنق مذهب أن ذمتها المالية أمر خاص يحميها من غدر الزمن و أهوال الحياة، فهو بمثابة أمان يحجب عنها الشعور بالحاجة، ويعفيها من حرج السؤال والطلب.

 تدور كل هذه الأفكار في رأسها بينما يدور في رأس الرجل أفكار أخري وهي: أنها ترغب في تحقيق استقلالها المادي حتى تنفصل عنه وقتما تشاء، فشعوره بقدرتها علي الاستغناء عنه يكاد يكون سيقتله، بينما تترجم الزوجة تلك التصرفات بالطمع والاستغلال لها.

ويبدأ كلاهما الصراع، فكل واحد منهما يحاول أن يضعف من الآخر ويقلل من شأنه، لاسيما إذا كانت مكانة الزوجة الوظيفة أعلي من مكانة الرجل، فحجم المشاكل يتفاقم ويزداد الطين بلة. كلاهما ينظر إلى الزواج من منظور مادي بحت يخلو من التفاهم والاحتواء، ولا نستطيع أن ننحاز لطرف علي الآخر، فالإثنان مخطئان، ويجهلان بأمور كثيرة عن الزواج.

الزواج ليس راتبي آخر الشهر، ولا مناقصة يتسابق أحدهما ليفوز بها علي الآخر، إنما شراكة قوامها المودة والرحمة ، كيف يمكن أن نحول الميثاق الغليظ إلي اتفاق مادي؟! ،فالزواج ليس حسابات وماديات، إنما مشاركة في أمور الحياة كافة، دعم يوجهه أحدهما وقتما يحتاج إليه الآخر، ومساندة في وقت الضيق، وقوة تنتقل من أحدهما في أوقات ضعف الطرف الآخر.

الحياة الزوجية ليست حلبة يتصارع علي أرضها الزوجان، فيسدد أحدهما لكمات إلي الآخر، بينما يحاول الثانى طرحه أرضه غارقا بدمائه قبل إعلان الجولة الأخيرة. فالمشكلة الحقيقة تكمن في الزوجين وليس بالمال، فالرجولة تقتضي أن يدق الرجل أبواب الرزق جميعها وأن يأخذ بالأسباب دون أن يلتفت إلي دخل زوجته ، و أن يعتبرها من تعداد ربات البيوت ويحاول حل مشاكله بعيدًا عنها. وكذلك الزوجة الأصلية يتوجب عليها أن تقف بجانبه في الشدائد، فمعدنها الحقيقي يظهر عند الصعاب،ولذلك عليها دائمًا أن تقدم الدعم المعنوي قبل المادي له، وأن تسلك دروب المتاعب معه حتى نهايته.هذان هما الشخصان اللذان يستحقان بعضهما البعض عن جدارة واستحقاق.

هذا الرجل وتلك المرأة لم يتشكلا عبثًا زوجين صالحين إنما هما بذور ارتوت بماء التربية النقية، وترعرعا علي الأصل الطيب، مما نتج عنه نتاج يعرف معنى الرجولة و يعي مفهوم القوامة، وكذلك بالنسبة للمرأة التى نشأت علي تقديس الحياة الزوجية واحترام زوجها. 

علي النقيض تماما نجد الأم التى تدفع ابنها لمقايضة زوجته: إما ترك العمل بغية التفرغ للأولاد، أو تتخلي عن نصف راتبها مقابل عدد الساعات التى تغيبها عن البيت، عندما يتسلل نظام المساومات بين شقوق الخلاف فهذا سيفضي في النهاية إلي الخراب عاجلا أم آجلا، فمهما حاول الطرفان من تخدير العلاقة من أجل بقائها أطول فترة ممكنة حتمًا سيأتى اليوم الذي تتصدع فيه الجدران وينهدم فيه السقف. 

والأم التى تلقن ابنتها يوميًا دوسا عن ألاعيب الرجال وتسرد لها الخيانات حتى لا تفرط في وظيفتها وأن تغلق خزانتها بألف مفتاح حتى تبقي بعيدة عن أعين زوجها، فهي أم تجهل أسس الزواج، وتدفع بابنتها -دون أن تدري - أن تنضم إلي صفوف المطلقات جراء تلك النصائح المسمومة، فقد تغافلت عن أن ابنتها قد تكون أكثر حظًا عندما تحظى بزوج يكون لها المكسب الحقيقي الذي يعادل أضعاف مكسبها الورقي، وقد يكون رزقها بالأولاد أفضل بكثير من الرزق المادي . وما الزواج الحديث إلا امتداد للبيت الكبير الذي يتربي فيه الزوجان، وصورة مصغرة تعكس عن تربية كليهما ، والصفات التى تشكل شخصية كل واحد منهما...كل إناء ينضح بما هو فيه.