الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفتاوى الضالة تهدد تجديد الخطاب الديني.. رئيس علماء طاجيكستان: سلاح يستخدم ضد الإسلام وتخرب المجتمعات.. قاض شرعي باليونان: حب الشهرة من أسباب ظهورها.. ومفتي الفلبين: كتب التراث بريئة من الإرهاب

الفتاوى الضالة
الفتاوى الضالة

رئيس علماء جمهورية طاجيكستان:
الفتاوى الشاذة سلاح يستخدم ضد الإسلام وتتسبب في خراب المجتمعات وتفتيتها
الآراء الضالة كانت موجودة قبل الإسلام وستظل إلى آخر الزمان
مفتي اليونان:
قلة التدين وحب الشهرة والجهل بالضوابط الشرعية من أسباب الفتاوى الضالة
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل:
ضبط الفتوى مهم لاستقرار المجتمعات.. وتجديد الخطاب لا يكون بتغيير الثوابت
داعية ليبي:
الخطاب الديني لا ينحصر فقط على قضايا الفكر.. والأخلاق جزء لا يتجزأ من القضية
مفتي الفلبين:
كتب التراث لا تدعو إلى الإرهاب أو التطرف
رئيس الأعلى للشؤون الإسلامية بالكاميرون:
تجديد الخطاب أمر مشترك بين طوائف المجتمع كله

انتشرت الأحاديث في الآونة الأخيرة وخاصة في الخطاب الإعلامي بل وعقدت الندوات والمؤتمرات عن «تجديد الخطاب الديني» وذلك كوسيلة لمناهضة الإرهاب وحماية الشباب وضمان عدم انزلاقه نحو الجماعات المتطرفة التي استفحل أمرها أخيرًا، وبين الحين والآخر يتفاجأ الجميع بفتاوى ضالة تهدد تجديد الخطاب الديني وتشوه صورة عالم الدين.

ودخل كل المتخصصين، وغير المتخصصين، في الموضوع «تجديد الخطاب الديني» ليدلي بدلوه دون تحديد معنى العبارة «تجديد الخطاب الديني». ماذا يعني «تجديد»؟، وهل التجديد يلغي التراث الإسلامي، وما أسباب ظهور الفتاوى المتطرفة؟، «صدى البلد» يستطلع آراء العلماء في قضية التجديد وكيفية تنفيذها على أرض الواقع.

وقال الشيخ عمر معلم جبريينج، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالكاميرون، إن تجديد الخطاب الديني لا يتحقق إلا بعد الانتصار على الأفكار الباطلة والإرهاب بكل أنواعه، فالتجديد لا يتأتي إلا عن طريق جهود العلماء الأجلاء والمفكرين الذين يعملون في هذا المجال وسيحقق الجميع النتائج المرجوة التي تعود بالنفع العام ليس على المسلمين فقط، وإنما للإنسانية كلها.

وأضاف الشيخ عمر معلم، أن تجديد الخطاب الديني يبدأ من عند العلماء منذ المرحلة الابتدائية وحتى الدراسات العليا، سواء في المنازل أو المساجد، وهذا الجهد لا يقوم به رجل واحد بل لابد من اشتراك طوائف المجتمع كلها، لأن الحالة التي وصل إليها الخطاب الديني سببها غياب المفهوم الصحيح للدين الإسلامي عن الجمهور.

ورأى أنه لا مانع من مراجعة كتب التراث وتنقيتها، وأطالب المعلمين بمتابعة كتب التراث والتأكد من نشر ثقافة السلام الدين الوسطي السمح الذي يدعو إلى التعايش ونبذ العنف والتطرف

التراث بريء من الإرهاب:


وأكد الشيخ عبد الواحد علي انجو، مفتي عام الفلبين، أن التراث هو الإرث الفكري والثقافي الذي وصل إلينا على مرِّ العصور وما زال داخل الحضارة السائدة، فهو موروث وفي نفس الوقت حاضر على عديد من المستويات.

وشدد على أن كتب التراث لا تدعو إلى الإرهاب أو التطرف، وتنقيح كتب التراث الفقهية القديمة يكون بأن يقرأها العلماء جيدًا ثم يلخصونها في كتاب واحد مُسهل وميسر ليتواكب مع تطورات العصر الذي نعيشه.

ولفت إلى أنه تكمن أهمية التراث في المقام الأول بأنه هو الذي يعطي لشعب من الشعوب هويته الخاصة التي تميزه عن الشعوب الأخرى، والتي بدورها تضع هذا الشعب في مصاف الشعوب التاريخية التي لها تاريخ عريق تحتفي به.

ونوه بأن العلماء والفقهاء في كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف‏، فنحن في الفلبين نحتاج إلى تطوير في الخطاب الديني والدعوة إلى الإسلام ويكون ذلك اعتمادًا على الكتاب والسنة، وينبغي على المجتهد أن تكون له القدرة على النظر في النص وطريقة فهمه، وملاءمته مع الواقع والوصل بينهما.

التجديد وقضايا الأخلاق:

اعتبر الداعية الإسلامي الليبي السيد أحمد الطلحي، أن قضية الأخلاق هي أهم قضايا الخطاب الديني، ولا ينحصر الخطاب الديني على قضايا الفكر فقط فالأخلاق جزء لا يتجزأ من القضية، لكن أن نضع أخطاء الشباب على شماعة سن المراهقة خطأ، ولا يمكن أن نجعل كل الأخطاء شماعة خاصة التربية والأخلاق أو تلفظ بعض الشباب بألفاظ بذيئة في المجتمع.. الصحابة رضوان الله عليهم، كانت أعمارهم في الـ15 والـ16، وكانوا قادة جيوش.

وألمح إلى أن معالجة هذه القضية مع الشباب تكون عن طريق إثراء الساحة الثقافية وهو باب عظيم ولو فتح هذا الباب وسيكون الكل على كل قلب رجل واحد، وهو باب القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ترك لنا القرآن الكريم والسنة النبوية، وعددًا كبيرًا من الأحاديث، منها ألفا حديث نبوي تتحدث عن الحلال والحرام والأحكام، و58 ألف حديث عن الأخلاق، وكانت الأخلاق في بيت النبي صلى الله عليه وسلم في سيدنا الحسن والحسين، والسيدة فاطمة وسيدنا علي بن أبي طالب، مشيرًا إلى أن أغلب الأحداث التي وقعت في زمانهم تحدث اليوم.

التجديد لا يعني تغيير الأحكام


ذكر الدكتور لؤي بن عبدالله آل هاشم عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل، أن ضبط الفتوى مهم لاستقرار المجتمعات، بشرط أن تكون صادرة عن العلماء، فهم أولى، مشيرًا إلى أنه عندما تصدر فتوى من غير المختصين يكون هناك إشكال وخطأ كبير.

واستطرد: أن الفتوى ليست عابرة، وكل مكان له حكمه ووضعه المختلف، وما يصلحه للفتوى في مصر يختلف عن البوسنة والهرسك ومناطق أخرى، لافتًا إلى أن تجديد الخطاب الديني وسيلة مطلوبة فليس التجديد تغيير الأحكام لكن كيف نصل الدين إلى عقول الناس، لابد أن يتقوى طالب العلم بالقراءة من التراث.

أسباب ظهور الفتاوى الشاذة:

بيّن الشيخ حافظ جمالي مجو، المفتي والقاضي الشرعي لمدينة كوموتيني بشمال اليونان، إن هناك عدة عوامل مسئولة عن ذلك أولها وأهمها "قلة التدين"، وهي بلوى ابتُلي بها كثير من أشباه العلماء، ومعهم قِلَّة من العلماء، فقلَّت تقواهم لله عز وجل، واجترأوا على مخالفته، فحوَّروا النصوص، مضيعين العبادات ومغلِّبين العادات المخالفة للشرع بدعوى أن الدين يسر، وأنه صالح لكل زمان ومكان، كما لم يتورعوا في تبَنِّي الآراء الشاذة والأقوال الضعيفة، التي وجدت لها مريديها من العامة الذين زيَّنت لهم أنفسهم زخرفها، فتقبلوها ودافعوا عنها بدعوى أنها صادرة من علماء اجتهدوا في فهم الواقع المعاصر وحاجات المسلم فيه، وفي هذا النوع من اللامبالاة والتساهل في دين الله يقول الإمام النووي: "يحرم التساهل في الفتوى، ومن عُرِف به حَرُم استفتاؤه".

وأكمل: كما دفعهم على ذلك حب الشهرة والظهور، حيث صار مَن لا فقه له، ولا علم يرفعه بين الناس ويجعله من الخاصة، يختصر الطريق إلى القمة بسياسة خالف تعرف، فيشذ في فتاويه بحيث يثيرُ فضولَ العامة فيتتبَّعون أقواله، وغضبَ الخاصة فيردون عليه، فتشهد الساحة موجة من الفتاوى والفتاوى المضادة، ويحقق المتعالم مراده من خلال الظهور على الفضائيات، وعلى المواقع الإلكترونية مثل "يوتيوب" و"إنستجرام" و"فيسبوك" و"تويتر".

وواصل: وكذلك الجهل بالضوابط الشرعية للفتوى، واعتماد التأويل والتحريف، فالأصل فيمن يتصدر للفتوى أن يكون أهلًا لها بأن تتوفر فيه الشروط التي لا يكاد كتاب فقهي يخلو منها، لكن الملاحَظ على الواقع أن بعض تجار الفتوى برعوا في التأويل والتحريف بقدر ما فشلوا بالتقيُّد بالقيود الشرعية للمفتي، وفهموا النصوص على غير وجهها، إما اتباعًا لشهوة، أو إرضاءً لنزوة، أو حبًّا لدنيا، أو تقليدًا أعمى للآخرين، أو خوفًا من أصحاب السلطة.

وحذر من اتباع الهوى يعد من المزالق الخطرة على المفتي وبخاصة أهواء الرؤساء وأصحاب السلطة، الذين تُرجَى هداياهم، ويهاب جانبهم، فيسايرهم أشباه العلماء مسارعين إلى تزييف الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه، في حين يتعين على المفتي إقامة المستفتي على الجادة القويمة فلا يميل به جهة تشدد غال، ولا يجنح به جهة ترخيص جافٍ.

دور الفتوى في استقرار المجتمعات:

أفاد الشيخ سيد المكرم عبد القادر زاده، مفتي ورئيس علماء جمهورية طاجيكستان، بأن الفتاوى الصحيحة تلعب دورًا محوريًا في استقرار المجتمعات، حيث إن التطور الإسلامي، بل وسعادة البشرية كلها تكون دائمًا مع الفتوى الصحيحة واستقرار الدولة، حيث تتيح تلك الفتاوى ما يحتاج إليه الإنسان من "الأمن"، خاصة وقد تسارع هذا العصر بدرجة كبيرة، وتقدم بدرجة أكبر، صار معها الإنسان مهددًا بالضياع والفتنة.

وألمح إلى أن الأمن التي تحققه الفتوى الصحيحة يشمل المادي حيث تؤمنه في نفسه وممتلكاته وعرضه وماله، فضلًا عن الأمن الروحي ويتمثل في الاطمئنان على الفكر والعقيدة والانتماء إلى الجماعة والسكون فيها والولاء إليها دون غيرها، ومن ثم فتماسك المجتمع والتحام فئاته وأطيافه، إنما هو حاجة أساسية للفرد ذاته، وللمجتمع أجمع، وهو ما يتحقق بالفتوى الصحيحة، فحيثما توجد يكون تطور الإسلام والمجتمع وتكون سعادة الفرد.

التجرؤ على الفتوى:

وأبان سيد المكرم، بأن المفتي هو المرشد الموجه لعموم الناس وهو أقرب إليهم من الحاكم والفقيه والعالم والقاضي في مسألة التربية، لاحتكاكه المباشر بقضاياهم وهمومهم ومشاكلهم، ومايتعرضون له من شُبَهٍ وصعوبات، وهو القادر على توجيه الخلق وعصمتهم من الفتن، وإشاعة أجواء الأمن والأمان في حياتهم، وصيانة عقائدهم وشعائر دينهم، ومن ثم فإنه أحد أهم عناصر المجتمع المنوط بها حفظ أمن الناس الروحي والفكري والديني.

وأوضح: ذلك لأن الأديان هي القادرة على تغير السلوك الإنساني وتحقيق التوازن والانضباط فيه؛ لأنها تباشر القلوب والأفئدة وتخاطب الأرواح والعقول في آن واحد، وقد تعلمنا أنه على قدر المسئولية يكون الجزاء، فلكم أن تتخيلوا مقدار جُرم أولئك الذين يتجرأون على الفتوى من غير المتخصصين، والتي تتوقف على قدر تأثيرهم في الناس.

سوابق تاريخية:

ونبه على أن الفتاوى الشاذة كانت موجودة قبل الإسلام وستظل إلى آخر الزمان، ولكن ينبغي على العلماء والإدارات الرسمية التضافر معًا من أجل مواجهة هذه الفتاوى المتطرفة، بما لديهم من معرفة سليمة وواعية للسُنة من مصادرها الصحيحة، والوقوف على أنواعها، وعلمهم بصحيحها من ضعيفها، وكيفية وصولها وقوة دلالتها من عدمه بعلم السند والمتن، فهم من يعرف الأحاديث المتواترة والمشهورة، والآحاد، وما إذا كانت من السُنة القولية أو الفعلية أو التقريرية.

واستنتج: بالتالي هم من يملكون الفهم الصحيح لها، فأولئك العلماء وتلك المؤسسات المعنية بالإفتاء، ينبغي أن تتلاحم في مواجهة تلك الفتاوى الضالة المُضللة وأصحابها من غير المتخصصين، وتقف لهم بالعلم والحجة والسند الصحيح، حتي تحجم خطرها على الإسلام والمسلمين، وتحولها إلى ماضي كما سبق في العصور القديمة.

كيف تعامل المسلمون الأوائل مع الفتاوى الضالة

نوه بأنه منذ بداية الإسلام، كان هناك دائمًا مركز للفتوى والتشاور، ولم ترتبط مجالس الشورى في الفتوى في العصور القديمة مع ظهور الفتاوى الشاذة أو الضالة، وإنما كانت من قبيل اتباع سُنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأوامر الله سبحانه وتعالى، القائل في كتابه الكريم: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَاعَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» الآية 159 من سورة الشورى، من هنا فإذا أردنا للعالم الإسلامي والعرب بأن يستقر ويتطور، لابد أن يكون هناك مركزًا للفتوى ويتم التنسيق بين إدارات الإفتاء للتشاورفيما بينها.

تأثير الفتاوى الضالة: 

واختتم: أن الفتاوى الشاذة هي انحراف عن الدين، تتسبب في خراب المجتمعات وتفتيتها، فإذا نظرنا إلى العالم العربي خصوصًا بما فيه من فتن وخراب وقتل وظلم، وجميعها من صنع فتاوى ضالة ومُضللة، فحينها ندرك مدى خطورة تلك الفتاوى، التي تصب في حساب العدو، لتجعل القوة المعادية للمسلمين والعرب هي الرابح الوحيد فيما يحدث، ويمكن القول إن القوة المعادية للإسلام نجحت في النيل من المسلمين في بلادهم وبأيديهم، عندما اتخذت من الفتاوى الشاذة سلاحًا هاجمت به الإسلام، بيد أولئك الذين تصدروا الفتوى من غير المتخصصين وبدون علم أو دراية كافية.