الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عندما تسقط أعمدة المعارضة


المعارضة فى النظم الديمقراطية، تمثل الجناح الثانى لنظام الحكم، وتمثل له دعما، وتعزيزا فى الأداء، وهو الأمر الذى فطنت إليه الأنظمة الديمقراطية فى العالم، التى آمنت بالتعددية الحزبية، واتخذتها نظاما أساسيا للحكم، فكان ذلك سببا لتقدمها ونيل ثقة شعوبها.

وآمن الرئيس الراحل أنور السادات، بالمبدأ وأقام التجربة الحزبية الحديثة، بعد منتصف سبعينيات القرن الماضى، وتحديدا عام 1977، حينما قام بتحويل المنابر السياسية إلى أحزاب، وظهرت الأحزاب الكبرى الثلاثة وهى : الأحرار الاشتراكيين، ليكون ممثلا اليمين، وحزب مصر العربى الاشتراكى، الذى كان ممثلا للوسط، وحزب التجمع ممثلا لليسار.

وتم اسناد رئاسة تلك الأحزاب إلى سياسيين كبار، وضباط أحرار، فكانت زعامتهم لها سببا فى أن تلعب تلك الأحزاب دورا مهما فى الحياة السياسية عملت على إثرائها، ليس بسبب الممارسة السياسية فحسب، لكن أيضا بالدور الذى لعبته من خلال الصحف، التى يحق للحزب إصدارها كى تكون معبرة عن لسان حاله، فكانت صحيفة "الأحرار" أول صحيفة معارضة، بمثابة الدفعة القوية للصحافة المصرية آنذاك، حتى أنها أصبحت الأكثر توزيعا، حتى وصل إلى ما يربو 300 ألف نسخة يوميا.

كانت "الأحرار" انعكاسا لحركة الشارع، وفى ذات الوقت لنبض الوطن، فأحدث الحزب الناطقة بلسانه، توازنا فى الحياه السياسية، بجانب الأحزاب الأخرى، التى تأخرت فى إصدار صحفها مقارنة بحزب الأحرار الاشتراكيين.
ومع مرور الوقت، وانتقال الأحزاب من الزعامة إلى الرئاسة، دبت الانشقاقات، وعرفت الصراعات إليها طريقا، فتخلت عن دورها التاريخى، ودخلت مرحلة بعيدة عن السياسة، هى أقرب لتحقيق المصالح الاقتصادية الخاصة.

استمرت المشاكل التى تعانى منها الأحزاب، حتى سقطت من الناحية العملية، ولم يعد لها وجود حقيقي، الأمر الذى دفع بالبعض للتفكير فى إنشاء أحزاب جديدة، وتحديدا بعد الأحداث التى شهدتها بلادى مصر عام 2011، حتى فاق العدد 105 أحزاب الآن، ليس من بينها حزب نشيط، أو له قاعدة شعبية كبيرة، وكان الهدف من تلك الأحزاب الجديدة، المتاجرة الاقتصادية، سواء بالحفاظ على مصالح أصحابها، وأغلبهم من رجال الأعمال، أو للاستفادة من صحفها بشكل أو بآخر.

لم يعد على الساحة الآن سوى حزب "الوفد"، الذى يحظى إلى حد كبير بقوة مالية، ساعدته على الاستمرار فى الساحة، فضلا عن تاريخه العريق، الذى مكنه من مواصلة المسيرة، رغم أنه أحد الأحزاب التى قامت بحكم إدارى وليس بقرار رئاسى، كما فى الأحزاب الثلاثة الأولى، غير أن الوفد شكل العمود الرابع للمعارضة المصرية.

ومع سقوط أعمدة المعارضة الثلاثة، لن يستطيع "الوفد" الاستمرار كثيرا، رغم حالة الحراك السياسى التى يتعرض لها، وانتقال السلطة فيه بشكل ديمقراطى، غير أن السمة الغالبة فيه، هى الصراعات ما بين الحرس القديم، والعناصر الجديدة، الأمر الذى ينذر بعدم استمراره على نفس القوة.

قد يكون من اللافت للنظر أن الحزب يحظى بدعم القيادة السياسية، التى تدخلت، وبشكل مباشر لانهاء النزاعات التى تعرض لها الحزب، باعتباره الممثل الحقيقى للمعارضة فى الشارع السياسى.

غير أنه، وفى تقديرنا، ان "الوفد" وحده لا يكفى لعودة نظام المعارضة، وأنه لن يكون مثالا للتعددية الحزبية الحقيقية، فلا يوجد له منافس على الساحة، وفى الوقت ذاته، لم تعد فكرة "ديكور الديمقراطية" مقبولة، كما كانت تريد بعض الأنظمة الحاكمة السابقة.

عندما تسقط أعمدة المعارضة، إذن، فان ذلك يشكل خطورة على مستقبل الديمقراطية فى بلادى مصر، وأن عودة النظام الحزبى الحقيقى، يعد ضرورة من منظور سياسى واجتماعى، وأيضا اقتصادى، وهو ما يعنى، فى تقديرنا أيضا، ضرورة تدخل القيادة السياسية، وبشكل جاد، لإحياء التجربة الحزبية، بما يتطلبه من علاج لأزمات الأحزاب التى أصبحت فى عداد المفقودة، وفى الأصل منها "الأحرار الاشتراكيين" وعودة صحيفته بشكل شرعى، كذلك التدخل للحفاظ على حزبى "التجمع" و"الوفد" حتى تستقيم تجربة الديمقراطية، شكلا وموضوعا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط