حكاية 3 بوابات باقية من تاريخ القاهرة.. بناها أمير الجيوش وتميزت بالضخامة

قال د.محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة، ومساعد وزير الآثار السابق، إن المدن في العصور الوسطى كانت تحصن بأسوار لصد المغيرين عليها.
وعندما أنشأ جوهر الصقلى القاهرة عام 359 هـ/ 969م،حرص على أن يقيم حولها سورًا مربعا سميكًا من الطوب اللبن طول ضلعه 1200 متر وتواجه أضلاعه الجهات الأصلية وكان سمكه يزيد على المترين،وفتح فيه الأبواب الضخمة.
جاء ذلك في كتابه "الجيش والأسطول المصري في العصر الإسلامي "، الصادر عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر الإسكندرية، ومنحته عنه جامعة المنصورة جائزتها التشجيعية، والذي تضمن مزيدا من الأسرار عن الأسوار والبوابات الدفاعية لمدينة القاهرة عبر التاريخ.
وتابع عبد اللطيف في كتابه: "وبعد مضى حوالى قرن من تأسيس القاهرة فى عام 480 هـ/ 1087م، رأى أمير الجيوش بدر الجمالى وكان يومئذ وزيرًا للخليفة المستنصر إعادة بناء سور جوهر الصقلي، والذى تداعى معظمه وقد بنى الجمالى سوره أيضًا باللبن أما الأبواب فكانت من الحجارة".
وكان سور القاهرة الفاطمى يتضمن العديد من الأبواب بقى منها من عهد بدر الجمالى ثلاثة هى باب النصر وباب الفتوح فى الشمال وباب زويلة فى الجنوب.
باب الفتوح :
وباب الفتوح بنى سنة 480 هـ/ 1087م وكان موضعه عندما أسسه جوهر الصقلى قريبًا من بداية حارة بين السيارج، وحينما جدد بدر الجمالى سور القاهرة أنشا هذا الباب "باب الفتوح" فى موضعه الحالى وربط بينه وبين باب النصر بسور ، ويوصل بينهما بطرق وسردايب على ظهر السور وفى جوفه بإحكام وعقود متنوعة.
ويتكون هذا الباب من برجين مستديرين يتوسطهما المدخل،ويوجد فى جانبى البرجين طاقتان كبيرتان تدور حول فتحتيهما حلية مكونة من أسطوانات صغيرة،وهو نوع من الزخارف انتشر فيما بعد فى تحلية دوائر العقود.
ويوجد فى أعلى المدخل كوابيل على هيئة كبش بقرنين وهو نموذج من الكوابيل لا مثيل له فى العمارة الإسلامية بمصر،ويتميز أيضًا باب الفتوح بالأسلوب الدفاعى مثل باب النصر، والمتمثل فى الفتحات الخاصة برمى وصب المواد الحارقة على الأعداء المهاجمين للباب بشكل معمارى لا يخلو من البراعة.
باب النصر:
يتصل باب النصر بباب الفتوح بطريقين أحدهما من فوق السور، والآخر من تحت السور وهو ممر معقود على جانبيه فتحات المزاغل والحجرات المعقودة، وهى فى حالة متقنة تزودنا بفكرة واضحة عن نظام الحصون المصرية فى العصر الفاطمى وعلى وجه التحديد مع نهاية القرن 5 هـ/ 11م.
أما باب النصر كان أول باب أقامه الأمير بدر الجمالى وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمى فى الأسوار الجديدة ، وقد بدأ البناء فيه فى سنة 480 هـ/ 1087م كما هو مسجل فى نقش كتابى منحوت على الحجر نصه"بدئ بعمله فى محرم سنة ثمانين وأربعمائة".
وهذا الباب من أظرف وأنفس الأبنية الحربية الباقية بمصر الإسلامية، فالواجهة تتكون من بدنتين مربعتين وهما مستطيلتا القاعدة وبارزتان خارج البوابة وخارج الأسوار، كما نقش عليهما فى الحجر أشكال تمثل بعض آلات الحرب من سيوف وتروس تزودنا بفكرة عن أشكال الآلات الحربية وقتذاك.
ويتوسط البنيتين باب مرتفع شاهق به فتحة من أعلاه، كما تصب منها المواد الحارقة على من يحاول اقتحام الباب من المهاجمين، ويعلوها شريط كتابى من الكتابات يحيط بالبدنتين وبالباب ، تضمنت اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء وفوقه إفريز آخر تعلوه فتحات المزاغل.
وتجدر الإشارة إلى أن الباب المؤدى لداخله حديث العهد وربما يعود إلى عهد الاحتلال الفرنسى لمصر، أما الباب الأصلى فهو فى الركن الجنوبى الشرقى وهو مسدود البناء.
وينقسم ارتفاع كل من البنيتين وهو حوالى 22 مترًا إلى ثلاثة طوابق، يتراجع كل منها تراجعًا خفيفًا عن الطابق الذى يدنوه، وتتوسط واجهة الطابق الثانى سرر وجامات زخرفية بارزة منحوتة،أما الباب نفسه فيعلوه عقد نصف دائرى منفوخ محصور داخل إطار زخرفى مستطيل،وأقام الفرنسيون أبنية بأعلى الباب كما كتبوا أسماء كبار القواد على تلك الأبواب.
باب زويلة:
باب زويلة هو أحد أبواب القاهرة، وكان موضعه عندما أسس القائد الفاطمى جوهر الصقلى مدينة القاهرة عند زاوية "سام بن نوح" وسبيل العقادين القائم على رأس حارة الروم، ثم بناه فى مكانه الحالى الأمير بدر الجمالى وزير الخليفة الفاطمى المستنصر بالله سنة 484 هـ/ 1091م.
ويعتبر هذا الباب أحد أبواب ثلاثة فقط بقيت من أبواب مدينة القاهرة الفاطمية وسُمى هكذا نسبة إلى قبيلة زويلة من قبائل البربر التى جاءت مع جيش جوهر الصقلى من الغرب.
وباب زويلة يشبه إلى حد كبير باب الفتوح،ويتكون من بوابة عظيمة معقودة عرضها حوالى (4.82) متر، وعلى جانبيها برجان عظيمان مقوسان عند القاعدة وأكثر استدارة من برجى باب الفتوح، ويشغل الباب مساحة مربعة تقريبًا طول كل ضلع من أضلاعها حوالى 20 مترًا،ويشتمل على ممر مسقوف بقبة ترتكز على أربعة مثلثات كروية.
ويوجد أيضًا بباب زويلة نفس الفتحات الخاصة بصب ورمى المواد الحارقة على الأعداء المهاجمين للباب،وتجدر الإشارة إلى أنه فى سنة 882 هـ/ 1477م أمر الأمير "يشبك من مهدى" بتعلية هذه البوابة وإصلاحها،هذا علاوة على أن البرجين يعلوهما حاليًا مئذنتا مسجد الملك المؤيد شيخ الملاصق لباب زويلة.
وشهدت هذه البوابة أحداثا عظيمة فى التاريخ العسكرى المصرى، ومن أبرزها إعدام رسل المغول عليها والذين قدموا إلى مصر برسائل التهديد والوعيد، فأمر السلطان قطز بقتلهم وتعليقهم على باب زويلة، وانتهى الأمر بانتصار الجيش المصرى على التتار فى معركة عين جالوت سنة 658 هـ/ 1260م.