الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حركة السترات الصفراء تستلهم تراث ثورة الفلاحين البريطانيين.. الانتفاضات بدون قيادة سمة العصر الحديث.. وسائل التواصل الاجتماعي تلعب الدور الأكبر في إشعال الاحتجاجات.. والمؤسسات الأوروبية في مأزق

احتجاجات السترات
احتجاجات السترات الصفراء

  • انتفاضة "سوينج" البريطانية في القرن 19 ألهمت حركة السترات الصفراء
  • ثورة المزارعين البريطانيين عام 1830 دشنت حركة إصلاحات سياسية
  • احتجاجات العصر الحديث تعبير عن مظالم اقتصادية دون أجندة سياسية

انتشرت حركة ذوي السترات الصفراء بسرعة كبيرة فور ظهورها احتجاجًا على قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برفع أسعار الوقود، وفوجئ العالم كله بإصرارهم، وأصبحت تلك الحركة تهديدا وجوديا لمشروع الرئيس الفرنسي ماكرون السياسي.

وسلطت صحيفة "واشنطن بوست" الضوء على دور وسائل الإعلام الاجتماعية في مساعدة تلك الاحتجاجات على النمو والانتشار، حيث تسمح للأفراد بالتنسيق للنزول في أماكن مختلفة ومتفرقة، ما يجعل عمل الشرطة في الحفاظ على النظام وتفريق المتظاهرين صعبًا.

وأضافت الصحيفة أن دور وسائل الإعلام في إحداث اضطرابات جماعية خلال التاريخ الحديث كان واضحًا للغاية، حيث كان لها الفضل في انتشار أحداث واضطرابات الربيع العربي وأعمال الشغب في لندن عام 2011.

وأوضحت أن تلك الحركات الجماهرية ليست جديدة، فليست تلك أول مرة نشهد فيها حركات احتجاجية بدون قيادة، تضم أناسًا من جميع مناحي الحياة وبأولويات مختلفة.

والدليل على ذلك هو ما حدث في إنجلترا في القرن التاسع عشر من أعمال شغب من قبل المزارعين الفقراء، والتي أطلق عليها أعمال شغب "سوينج".

واندلعت أعمال شغب "سوينج"، المعروفة أيضًا باسم الانتفاضة الزراعية الإنجليزية الكبرى عام 1830، وانتشرت في جميع أنحاء مناطق زراعة الحبوب في جنوب وشرق إنجلترا، احتجاجًا على الميكنة الزراعية وغيرها من الظروف القاسية التي يعاني منها المزارعون الفقراء.

وطالب المزارعون بإجراء بعض التغييرات اقتصادية، كزيادة الأجور والمكافآت، واستمرت تلك الاضطرابات لمدة 40 أسبوعًا.

وخلال تلك الاحتجاجات، خرب مثيرو الشغب ممتلكات أصحاب الأراضي المحليين، ما أدى إلى تدمير العديد من الآلات الزراعية الجديدة.

وتمكنت الشرطة من إعدام العديد من المشاركين وسجن البعض الآخر وترحيل البقية، ومع ذلك، أدت أعمال الشغب إلى إصدار "قانون الإصلاح"، الذي أدخل تغييرات واسعة النطاق على النظام الانتخابي في إنجلترا، حيث تضمن ذلك القانون توسيع القاعدة الانتخابية وإلغاء وصول الأغنياء إلى البرلمان بالتزكية بفضل أوضاعهم الاجتماعية.

كما يعود الفضل لتلك الاحتجاجات في تأسيس حركة من الطبقة العاملة للإصلاح السياسي في بريطانيا، والتي أطلق عليها "الميثاقية" «Chartism».

ولفتت الصحيفة إلى أن كلا من حركة السترات الصفراء واحتجاجات سوينج قد نشأتا بسبب المظالم الاجتماعية العميقة التي تواجهها الطبقات الفقيرة.

وكان الفقر المدقع والمحاصيل السيئة والتغيير التكنولوجي الذي أدى إلى عدم الحاجة للمزارعين في العمل بالحقول واستبدالهم بالآلات، هي العوامل الرئيسية لاندلاع أعمال شغب "سوينج".

أما بالنسبة للسترات الصفراء، فإن ضريبة الوقود المرتفعة التي اقترحها ماكرون، كانت بالنسبة للفرنسيين إشارة إلى أن السياسة الاقتصادية الرسمية لا تهتم كثيرا بالناس العاديين من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وإنما تهتم فقط بالأثرياء.

ومثلما نشبت أعمال الشغب في فترة من الاضطرابات السياسية في أوروبا، فإن السترات الصفراء تتظاهر في الوقت الذي يصوّت فيه العديد من الأوروبيين لأحزاب اليمين المتطرف، غاضبين من أن بلدانهم ومؤسساتهم تغض الطرف عنهم.

وذكرت الصحيفة السمات التي تشترك فيها كل من حركة السترات الصفراء واحتجاجات سوينج، وهي أن كلتيهما انتفاضة لامركزية دون أي قيادة واضحة، وفي كلتيهما، حاولت الشرطة دون جدوى تفريق المتظاهرين.

وفي أعمال شغب سوينج، حاول المتطرفون تحويل الحركة إلى حركة ثورية، أما من بين ذوي السترات الصفراء، حاولت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني مارين لوبان استخدام الاحتجاجات من أجل تعزيز أجندتها السياسية.

وفي كلتا الحالتين، كان لدى المتظاهرين مجموعة متنوعة من المظالم المحددة دون وجود جدول أعمال سياسي متماسك.

ومثل احتجاجات السترات الصفراء، انتشرت أعمال الشغب في سوينج في البداية لأن السلطات لم تفهم تمامًا مدى الاضطرابات، لذلك كان هناك القليل من القمع في البداية. وبالمثل، في فرنسا، يبدو أن ماكرون قد قلل من شأن المظالم ضد حكومته.

وعلى الرغم من أن الكثيرين اشتبهوا في أن أعمال الشغب في سوينج كانت جزءًا من مؤامرة وطنية، إلا أن المؤرخين لم يتمكنوا من كشف أي دليل على ذلك.

ويبدو أن أعمال الشغب في سوينج قد انتشرت بشكل عفوي من خلال الكلام الشفوي بين العمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضًا والذين تفاعلوا محليًا.

كذلك أوضحت الصحيفة أوجة الاختلاف بين السترات الصفراء واحتجاجات "سوينج"، فحكم القانون اليوم أكثر تماسكًا، والشرطة كبيرة وقوية ومجهزة جيدًا، ما يمكنها من تقييد أي حركة، وهو أمر لم يكن موجودًا في انجلترا عام 1830، حيس ساعد الانتشار الواسع للشرطة والمركبات المسلحة في فرنسا خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى جانب عدد كبير من الاعتقالات، على السيطرة على الاضطرابات.

وكذلك المؤسسات السياسية الفرنسية الحالية قد تشكلت للاستماع إلى الفقراء والمحرومين أكثر بكثير مما كانت المؤسسات الإنجليزية في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، حيث لم تكن الغالبية العظمى من مثيري الشغب في سوينج يتمتعون بالحق في التصويت ولا يمكنهم القراءة أو الكتابة، ومع ذلك، أدت انتفاضتهم إلى تغييرات منحتهم حقوقا سياسية كاملة لكن ليس بالسرعة التي تتم بها التغييرات اليوم.

والآن من خلال التشابه بين حركة السترات الصفراء الفرنسية وحركة سوينج الإنجليزية، يمكننا التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك في فرنسا.

وكما حدث في فرنسا في نهاية هذا الأسبوع، اشتد قمع حركة "سوينج" بمجرد أن أدركت الحكومة البريطانية مدى الاضطراب، وبأن ذلك قد يؤدي إلى ثورة.

هذا، جنبا إلى جنب مع استنفاد الأهداف المحتملة وتوفير الحكومة للمزارعيين الوظائف الزراعية في الربيع والصيف، انتهت أعمال الشغب في أوائل 1831.

ولكن في الوقت الذي كانت فيه الثورة تعكر صفو أوروبا، دفع المشاغبون القادة البريطانيين إلى إصلاح المؤسسات السياسية في البلاد لتجنب المزيد من الاضطرابات.

والآن، تجتاح الحماسة الثورية أوروبا مرة أخرى، حيث إن احتجاجات السترات الصفراء ليست سوى دليل آخر على أنه مع تحول الاقتصاد العالمي، تواجه المؤسسات الفرنسية والأوروبية ضغوطًا كبيرة للتكيف.