الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإفتاء: بناء الكنائس جائز شرعا ومعظمها شيّد في عصر الصحابة

صدى البلد

أكدت دار الإفتاء المصرية، أنه يجوز للمسيحيين فى الديار المصرية، وفقًا للشريعة الإسلامية بناءُ الكنائس فى ظل الدولة الإسلامية، إذا احتاجوا إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم الإسلام على البقاء عليها، وذلك وفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك.

ونبهت دار الإفتاء، على أنه لم يَرِدْ فى الشرع الحنيف المنعُ من ذلك فى شيء من النصوص الصحيحة الصريحة، وأنه طبقًا لذلك جرى العمل عبر العصور المختلفة، ووفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك الأمر.

وأشارت دار الإفتاء، إلى أنها أكدت سلفًا فى معرض ردها على سؤال حول مشروعية بناء الكنائس للمسيحيين فى مصر، أنه لا يخفى أن سماح الدولة الإسلامية لمواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس ودور العبادة والقيام على ذلك يعد هو المصلحة الراجحة والرأى الصائب التى دلت عليه عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأكدها عمل المسلمين عبر العصور والأمصار، وأيدتها المقاصد الكلية ومرامي الشريعة هذا بالإضافة إلى المتغيرات العالمية والدولية والإقليمية والمحلية، وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذى أقره النبى صلى الله عليه وسلم فى معاهدة المدينة المنورة، ومبدأ المعاملة بالمثل بين الدول.

- لا مانع شرعا
رأى الدكتور مجدي عاشور المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، أنه يجوز للمسيحيين فى الديار المصرية بناءُ الكنائس فى ظل الدولة الإسلامية، إذا احتاجوا إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم الإسلام على البقاء عليها.

- ظروف خاصة للتحريم
وأضاف «عاشور» أن بعض العلماء أفتوا قديمًا بعدم بناء الكنائس في البلاد المسلمة، وآخرون على الإباحة، موضحًا أن من أفتوا بمَنع البناء فكان ذلك في وقت وظروف محددين، لأن الإسلام كان يواجه اضطهادًا وحربًا من غير المسلمين حين أصدرت تلك الفتوى، مشيرًا إلى أننا نعيش الآن بأمان تحت مظلة المواطنة «مسلم ومسيحي».

وألمح مستشار المفتي، إلى أن من له الحق الشرعي في الفصل بين الفتاوى المختلفة والترجيح هو الحاكم والمتمثل في القضاء والدولة، وقد أصدرت اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة فى ذلك؛ بالسماح للأقباط ببناء دور العبادة.

وشدد على أن التجربة المصرية في التعايش فريدة من نوعها، منوهًا بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوصى بأهل مصر -أقباطها ومسلميها- خيرًا، ونبه على عدم إرغام الأقباط على الدخول في الإسلام، كما في الحديث الصحيح الذي "أخرجه الحاكم (2/553) عن كعب بن مالك مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورَحِمًا».

- صلاة نصارى نجران في المسجد:

واستدل بأنه إذا كان النبى -صلى الله عليه وسلم- قد أقرَّ فى عام الوفود وفد نصارى نجران على الصلاة فى مسجده الشريف، والمسجد هو بيت الله المختص بالمسلمين، فإنه يجوز -مِن باب أَوْلَى- بناءُ الكنائس ودور العبادة التى يؤدون فيها عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم المسلمون على البقاء عليها إذا احتاجوا لذلك.

أقوال لها سياقاتها التاريخية:

وأفاد مستشار المفتي بأن ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث «إنشاء» الكنائس فى بلاد المسلمين: هى أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التى اتخذت طابعًا دينيًّا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، ما دعا فقهاء المسلمين إلى تبنى الأقوال التى تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى.

واختتم: «ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضى تغير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال» ونحن الآن نعيش في سلم والعقيدة استقرت في نفوس المسلمين فلا مانع من بناء الأقباط كنائس».

- الخلافة الإسلامية وبناء الكنائس:
ونوه الدكتور مجدي عاشور بأن الصحابة عند الفتح الإسلامي لمصر لم يهدموا الكنائس، لافتًا إلى أن معظم الكنائس المصرية بنيّت في الخلافة الإسلامية، مستندًا إلى قول عالِمى الديار المصرية: الإمام والمحدث والفقيه أبو الحارث الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة، حيث أكدا أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا فى الإسلام، وأشارا على والى مصر فى زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى بإعادة بناء الكنائس التى هدمها مَن كان قبله، وجعلا ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر فى زمنهما بلا مدافعة.

وقال إن المؤرخين أكدوا أنه قد بُنِيت فى مصر عدة كنائس فى القرن الأول الهجرى، مثل كنيسة «مارى مرقص» بالإسكندرية ما بين عامى 39 و56 هجرية، وفى ولاية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامى 47 و68 هجرية بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط فى حارة الروم، كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة «حلوان» ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين كما يذكر المؤرخ المقريزى أمثلة عديدة لكنائس أهل الكتاب، مؤكدًا أن جميع كنائس القاهرة المذكورة محدَثة (أى تم إنشاؤها) فى الإسلام بلا خلاف.