الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صرخة الخالة فضة في الأربعينات أمام الأميرالاي "الخُط ولدي".. نوستالجيا

مقتل خط الصعيد
مقتل خط الصعيد

وفاة ابن أمام أمه، مشهد قصير متكرر.. بين الحياة اليومية وسيناريوهات السينما والتلفزيون، وفي الأربعينات سُطرت واحدة من أبشع هذه المشاهد، حين قُتل - محمد منصور - صوب عين أمه الخاله فضة التي وقفت لدقائق صامدة لا تستطيع النطق، حتي جمعت شتاتها وحبست دموعها وبقلبا حجرا قالت للأميرالاي عباس بك عسكر حكمدار أسيوط، معرفوش أرموه بعيد عني.

حكاية صغيرة من أبطال كثيرة.. ضمت بين طياتها أشخاص قتلوا وقطارات سُطو عليها وسيناريو ثأر، وتصدر بطولتها نجل منصور ذو الشعر الكثيف، بالسيديري الصعيدي والتقشيطة، وشاله وجلبابه، حكاية صرخة على جثمان خُط الصعيد.

محمد منصور.. حامل اللقب التاريخي المعهود - خُط الصعيد - واحدا من اشهر سفاحي مصر في الأربعينات بل في تاريخها، ولد في بداية القرن الماضي في عام 1907 مع أربع أشقاء له، لم يعرف ابًا له ولكنه تربي وترعرع في حضن أمه - الخالة فضة - إلى أن دارت أحداث أسطورة الصعيد.

قرية درنكة.. إحدي قري مركز أسيوط بالصعيد، التي شهدت ظهور السفاح بعد مقتل - طوسون - أحد أفراد عائلة "حميد"، ووضع محمد علي قائمة المطلوبين للأخذ بالثأر منه، وماكان علي نجل منصور سوى اللجوء إلى  الرمال الصحراء، الاختباء في الجبال، حتي علم بمقتل أثنين من أشقائه في واقعة الثأر.

صال الشاب الصعيدي وجال في الجبال بين المطاريد والخارجين عن القانون، حتي ذاع سيطه واستطاع أن يكون قائدا هماما للإجرام، سطو وسرقة وقتل، إتجار في المخدرات والسلاح، نُشر الرعب في غضون تلك الفترة في قلوب الأهالي حتي امتدت الأخبار للصعيد بل في ربوع المحروسة بظهور - خُط الصعيد - محب الدماء ومتحدي الشرطة، بقتل العشرات والسطو علي القطارات وسرقة المحلات.

ذيع في الناحية والأخرى حينها روايات وقصصا عن السفاح، وكانت أحدهما حين تقابل مع عمدة من - بيت أبو ليفة - وجلس بجواره وأشعل له سيجارته، وأرسل له في اليوم الثاني خطابا يعلمه بأنه من اشعل سيجارته بالأمس، وظلت الأخبار والأساطير تُذاع عن خُط الصعيد لبث الرعب في القلوب.

كان يخرج نهارا متعطشا للإجرام، ومن بين جرائمه وايامه كانت إيقافه لأحد القطارات قبل توجه لمحافظة أسوان، ولم يترك شخصا بالقطار إلا وسرقه، وعاد من جريمته ليقتل 9 جنود إنجليز اعترضوا على ما فعله بالقطار.

ويذكر أن الملك فاروق في احتفاله سنة 1974، كان يصافح الشاعر عزيز باشا أباظة - مدير مديرية أسيوط حينها - وبادره بعباره تخص فهمه في الشعر، حين سأله قائلا "قولي ياعزيز باشا، هو الحظ بنقطة فوق الخاء ولا نقطة فوق الطاء"، وكانت كلامته تحمل معني الحظ الذي يلازم الخُط في ظاهرها، ولكن باطنها كان يحمل فشل المديرية في القضاء علي الأسطورة الإجرامية.

فدية 100 جنيه كانت كفيلة للإيقاع بأسطورة الصعيد.. في 1947 خطف منصور طفلا وطلب من اسرته فدية 100 جنيه، وعندما علمت الشرطة بالأمر، طلبت منهم ان يسايرو الخُط، وحين وصل لاستلام المبلغ وتسليم الطفل وجد شقيقي المخطوف غير حاملين المبلغ، وعلم بالمؤامرة فساقهم إلي حقل ذرة، في الوقت الذي كان عمدة القرية قد أعد مجموعة من المسلحين لحصار - منصور - ودارت معركة قُتل فيها الخُط بإحدي وعشرون طلقة.

حضر مأمور المركز وحملوا جثمان الخُط وتوجهوا به ووضعوه أمامه أعين والدته - الخالة فضة - فكان المشهد المأسوي للأم المكلومة، حين شيدت جدارا عازلا بينها وبين حزنها ودموعها وقالت ليس أبني.. ابعدوا هذه الجثة عني، فأرتفع صوت المأمور - استدعوا الطبيب الشرعي - فأنهمرت السيدة في البكاء صارخة "دا ولدي"، وجثت علي ركبتيها بجلبابها الصعيدي الاسود تنوح - ياأزرق العينين يامحِمد.. يا أشقر ياولدي - وانتهت بنواحها أسطورة خُط الصعيد.


-