الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أبطال أهملهم التاريخ.. عبد الرحمن فهمي فتوة الغلابة في ثورة 1919

صدى البلد

بذكائه وعقله المدبر حير الإنجليز، ودهاؤه جعلهم يحومون حول أنفسهم بحثا عن الشخص المجهول الذي يشعل فتيل المقاومة الشعبية، ذلك الرجل الذي قاد وجمع الشعب بزعامة سعد زغلول، الذي قاد أول ثورة وطنية في تاريخ مصر الحديث شارك فيها جموع الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني.

عبد الرحمن فهمي، العقل المدبر والجندي المجهول وراء ثورة 1919، الذي طواه التاريخ بين صفحاته، عقليته الحربية وخبرته خلال عمله ياورا لوزير الحربية، وتنقل بين منصب مدير مديرية الجيزة، ثم وكالة الأوقاف المصرية، حتى أحاله الخديوي عباس للمعاش عام 1913 لرفض فهمي رغبة الخديوي في الاستيلاء على إحدى الأراضي، أظهر وطنيته ورفضه للاحتلال الإنجليزي لمصر.

وُلد في القاهرة عام 1870 م وتخرج في المدرسة الحربية عام 1888م، وشارك في حملة الجيش المصري إلى السودان عام 1898م، وأصبحت له علاقات قوية بالحركة الوطنية السودانية تدعمت بعد ثورة 1919م المصرية.

وفي الفيلا 104، خطط ودبر ووزع الأدوار، فتعرف على سعد زغلول وعرف مبتغاه، فلجأ إلى إقامة تنظيمات سرية لمقاومة الاحتلال الإنجليزي، استغل خبرته العسكرية ثم قام بإنشاء وقيادة أخطر جهاز سري لحزب الوفد الذي شكله سعد زغلول، فكان فهمي العميل السري في الثورة والعقل المدبر، ولا يقتصر دوره على قيادة الجهاز السري بمعنى مجرد نقل التكليفات أو التعليمات إلى الجنود السريين على الأرض بين مجتمعات الطلبة والعمال والشرطيين وغيرهم من الفئات التي أسهمت في الثورة، وإنما كان رئيس جهاز استخبارات ينقل كل همسة وحكاية وحدث لسعد زغلول وأعضاء الوفد وهم في منفاهم الأول في مالطة والثاني في سيشل.

كلف عبد الرحمن فهمي أتباعه بتوزيع المنشورات، وكلف البعض باغتيال جنود الاحتلال أو إرهاب الوزراء المصريين المتعاونين مع الإنجليز في الوقت ذاته، كان يرسل جواسيسه وعيونه في كل مكان لرصد تحركات الإنجليز، وكان معنيا بحكم انتمائه للعسكرية المصرية بالمعلومات الأمنية عن الساسة والإنجليز وكبار موظفيهم في مصر، وكان يتتبع أخبار الساسة والسرايا والفئات المختلفة من المُجتمع.

عمل عبد الرحمن فهمي في أكثر من جهة، دون أن يلفت الأنظار إليه، وبعد نفي سعد زغلول إلى مالطة وسيشل، لم يتوقف نشاطه، فلجأ إلى الحبر السري لإرسال الخطابات إليه عن طريق أحد المراسيل الشباب الذي عرف عنه فساده وطيشه، فكان بمثابة الآلة التي تحرك الثورة في اتجاه معين، فبخبرته وحنكته علم تحركات الضباط الإنجليز ونظم عمليات اغتيالهم، كما كان يجمع التبرعات لتنظيم الثورة وإنفاقها على العمليات السرية للحزب.

وفي عام 1920، قبض على عبد الرحمن فهمي ولكنه كان قد تخلص من كل المعلومات والوثائق التي تدينه، ولم يكن هناك أي دليل ضده، وتم الحكم عليه بالإعدام وبعد ذلك تم تخفيف الحكم إلى الحبس مدى الحياة.

وفي عام 1924 مع تشكيل سعد زغلول لحكومته الوفدية تم إطلاق سراحه، وأنشأ نقابات عمالية وطنية مصرية جديدة عام 1924م كما أصدر مجلتين عُماليتين تنطقان باسم حزب الوفد، كما نجح في إصدار جريدة الأخبار برئاسة أمين بيك الرافعي، وكان رئيس لأول اتحاد عام يضم النقابات العمالية عرف باسم "الاتحاد العام لنقابات وادى النيل" فى 15 مارس 1924.

شعر فهمي بالإحباط بعد خروجه من السجن، وابتعد قليلا عن الساحة السياسية بسبب الانقسام في صفوف التنظيم الذي أنشأه، حتى رحل عن عالمنا عام 1945 عن عمر ناهز 75 عاما، تاركا وراءه تاريخا من النضال والكفاح الوطني ضد الاحتلال البريطاني.