الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء حيدر يكتب .. الإخوان المسلمين وتقسيم السودان لدويلات

صدى البلد



ما أشبه اليوم بالبارحة .... السودانيون أنصار جماعة "الإخوان المسلمين" الذين حملوا على الأعناق زعيم الجماعة ، حسن الترابي، في عام 1986 ، عقب الإطاحة بحكم الرئيس، جعفر النميري ، يعيدون الآن نفس المشهد الذي جرى منذ أكثر من ربع قرن من الزمان بحمل زعيم الجماعة الحالي عوض الله حسن على الأعناق في أعقاب الإطاحة بحكم الرئيس عمر حسن البشير....و المثير للدهشة ، أن هذا الحماس من جانب الإخوان في حمل زعيمهم الجديد ، يأتي بعد أن أسفرت تجربة هيمنة الجماعة على الحكم في السودان تحت قيادة زعيمهم السابق، الترابي ، عن تقسيم السودان في عام، 2011، لدولتين ليفقد بذلك السودان جنوبه الغني بثرواته البترولية .

فهل يخضع السودان لحكم الإخوان من جديد ، في حال فوزهم بالإنتخابات ، عقب المرحلة الإنتقالية، التي سيقودها الجيش السوداني ليسفر حكمهم عن تقسيم جديد للسودان في شرق البلاد و غربها ؟ الإجابة نعم سيتم تفتيت، و تمزيق، و تقسيم جديد للسودان بكل تأكيد، في حال وصل الإخوان لحكم السودان بعد 24 شهرا من الآن مثلما أسفرت سيطرتهم على الحكم في السابق عن إنفصال الجنوب السوداني. و سأشرح بالتفصيل كيف سيحدث ذلك لكن بعد أن نعرف كيف أصبحت السودان دولة تحمل إسم السودان الحالي .

يحتل السودان موقعا إستراتيجيا هاما، في مجال ربط المصالح العربية ، بالمصالح الإفريقية ، فهو واحد من أهم الدول العربية التي تلعب دور همزة الوصل بين العرب و الإفارقة ..ففي الوقت الذي يقتسم فيه السودان حدودا مشتركة مع دولتين عربيتين هما ، مصر من الشمال ، و ليبيا من الغرب، فهو يرتبط في نفس الوقت بحدود مشتركة مع خمس دول إفريقية هي تشاد ، و إفريقيا الوسطى من الغرب، و دولة جنوب السودان من الجنوب ، و إثيوبيا، و أريتريا من الشرق

و كان السودان يتربع على رأس قائمة الدول الإفريقية الأكبر من حيث المساحة، بنحو 4ر2 مليون كيلو متر مربع ، و ذلك قبل إنفصال دولة جنوب السودان البالغ مساحتها 620 ألف كيلو متر مربع ، لتتراجع مساحة السودان الى المرتبة الثانية بعد الجزائر بمساحة قدرها 8ر1 مليون كيلو متر مربع .


و كان السودان الحالي، يتكون قبل الفتح الإسلامي ، من عدة ممالك في القرن العاشر الميلادي . و بعد الفتح الإسلامي للسودان، تشكل أيضا على أرض السودان عدة ممالك إسلامية ، مثل مملكة الفونج و عاصمتها سنار، و مملكة الفور في الغرب و عاصمتها الفاشر، و مملكة تقلى في جبال النوبة، و مملكة المسبعات في كردفان، و مملكة الداجو ومقر حكمها في الغرب الأقصى، و مملكة البجا و عاصمتها هجر في الشرق .

و حمل السودان إسمه الحالي بمساحته الشاسعة خضوعا لإستراتيجية حاكم مصر ، محمد علي باشا ، القائمة على سيطرة جيش مصر على دول الشرق الأوسط و إفريقيا ، خاصة بعد أن نجح في ضم بلاد الحجاز ( السعودية حاليا ) و العديد من دول حوض النيل و كان على وشك ضم تركيا لمصر . و كان الجيش المصري قد نجح في سنة 1821 بقيادة القائد العسكري ، إبراهيم باشا، الإبن الأكبر لمحمد علي في ضم السودان لمصر بدأ من المناطق الإستوائية جنوبا ، و مرورا بإقليمي كردفان و دارفور غربا ، و أنتهاء بالمدن التي تطل على سواحل البحر الأحمر شرقا . و لم تنتهي الوحدة المصرية السودانية القائمة على معادلة ، شعب واحد و أرض واحدة ، إلا في عام ، 1956 ، عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر، عن إنفصال السودان عن مصر، من داخل البرلمان السوداني .

و عودة للمخاطر المتوقع أن تحدق بالسودان في حال سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على السلطة في أعقاب المرحلة الإنتقالية ، ينبغي أولا التذكير، بأن السودان يأتي على رأس الدول التي تستهدفها إستراتيجية "الشرق الأوسط الجديد "، و " الفوضى الخلاقة " ، القائمة على تقسيم الدول العربية الكبرى ، في القامة و المساحة ، إلى دويلات صغرى ، متحاربة ، على أسس دينية، و مذهبية، و عرقية، و قبائلية .

و تعتبر مرحلة إنفصال جنوب السودان بمثابة المرحلة الأولى في مخطط تفتيت السودان . و يرجع سبب إنفصال الجنوب إلى خضوع الرئيس المخلوع ، عمر البشير، خلال النصف الأول من حكمه، إلى سياسة زعيم الإخوان آنذاك ، حسن الترابي ، الذي أصر على تطبيق الشريعة الإسلامية في جنوب السودان الذي تسكنه أغلبية مسيحية، في وقت لم تول فيه حكومة عمر البشير في الشمال السوداني، أي إهتمام بتنمية الجنوب ، الذي ظل يعاني من الفقر ، و الجهل، و المرض ، رغم ثرواته البترولية . و إنتهز زعماء الجنوب هذا الإهمال الشمالي، بدعم من أمريكا و أوروبا ، ليحصلوا على الإنفصال بمقتضى إستفتاء شعبي جرى في سنة 2011 .

و تجلت خسة ، و نذالة ، و عمالة ، جماعة الإخوان المسلمين السودانية في موقف زعيمهم ، حسن الترابي ، فعبد أن دفع عمر البشير دفعا نحو سياسة أدت لإنفصال جنوب السودان، إتهم الترابي البشير بأنه مسئول عن المجازر الجماعية التي جرت في إقليم دارفور، الواقع غرب السودان ، بل و طالبه بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية . ولم يصدق عمر البشير نفسه بعد أن إتهمه الترابي بمثل هذا الإتهام الخطير رغم أنه كان مهندس السياسة التي تسببت في إثارة النزعات الإنفصالية التي جرت في الأركان الأربعة للسودان فبادر بإعتقال الترابي في 2009 .



ويعد مخطط فصل إقليم دارفور عن السودان ، بمثابة ثاني خطوة في مؤامرة تقسيم ، و تفتيت، و تمزيق السودان الى كيانات صغيرة ، و يتوقع أن يكون إقليم "كردفان" ضحية التقسيم في مرحلة لاحقة، و ربما يعقب كردفان تجريد السودان أيضا من الجزء الشرقي للبلاد الذي يشهد هو أيضا مطالب إنفصالية .

و كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في، 2009، مذكرة إعتقال بحق الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، لمحاكمته بتهمة إرتكاب جرائم حرب ، و أرتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بحق شعب إقليم دارفور . و يختلف النزاع في دارفور عن النزاع في جنوب السودان، فبينما كان النزاع في جنوب السودان يتسم بالصبغة الدينية على أساس أن الجنوب معظمه من المسيحيين، فإن النزاع في دافور ليس نزاعا دينيا بل نزاع عرقي ، و قبائلي ، بين القبائل العربية و معظمها من البدو من رعاة الغنم و الماشية ، و بين القبائل الزنجية الإفريقية، التي تعيش على الزراعة رغم أن الجانبين يعتنقان الدين الإسلامي و المذهب السني . و كانت مجموعتان متمردتان زنجيتان هما حركة" تحرير السودان" ، و "حركة العدل و المساواة" ، قد شنتا عملية تمرد ضد الحكومة السودانية ، و طالبتا بإنفصال إقليم دارفور ، بزعم إضطهاد الحكومة السودانية لسكان الإقليم من الأفارقة السود الى حد وصل الإتهام بالإضطها الى درجة الإتهام بممارسة إستعباد العرب للأفارقة السود . و يتهم السود في دارفور الحكومة السودانية بالتملص من التورط في النزاع في دارفور من خلال تسليح ميليشا " الجنجويد " التي تتشكل من القبائل العربية في حربها ضد حركتي تحرير السودان، و حركة العدل و المساواة . و تقدر المحكمة الجنائية الدولية، ضحايا النزاع في إقليم دارفور ، بأكثر من 300 ألف قتيل ، لدرجة أن وزير خارجية الولايات المتحدة السابق ، كولن باول ، وصف ما يحدث في دارفور في سنة 2003 بأنه تطهير عرقي، و جريمة ضد الإنسانية لشعب دارفور . و لكن لماذا يتم إستهداف إقليم دارفور؟ السبب كالعادة ، هو إمتلاك إقليم دارفور لثروات بترولية كبيرة ، لم يتم إستغلالها حتى اليوم ، و هي بالقطع مطمع للوبي البترول، و لشركات البترول العالمية . كما يتمتع إقليم دارفور بثروات زراعية متنوعة نظرا لخصوبة أراضيه ، ووفرة مياهه خاصة في المناطق القريبة من دولة تشاد، و جمهورية إفريقيا الوسطى، و دولة جنوب السودان . و تؤكد مصادر بترولية، أن شركات البترول العالمية ، تنتظر إنفصال دارفور عن السودان، لكي تتمكن من تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، بالقياس لوظلت دارفور تحت السيادة السودانية كما يحدث الآن بخصوص بترول دولة جنوب السودان .

يذكر أن الخلافات بين البدو الرعاة ، و بين المزارعين هو أمر شائع في إفريقيا، حيث يعيش البدو على رعي الأغنام و الماشية ، و يضطرون للترحال بحثا عن المياه ، لضمان رعي ثروتهم الحيوانية ، مما يثير حفيظة المزارعين ، الذي يخشون على محاصيلهم الزراعية، فتحدث الخلافات التي تصل الى حد الإقتتال .

و إستغل مهندسو إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد و الفوضى الخلاقة هذا النزاع الشائع في كثير من الدول الإفريقية، لإثارة الكراهية بين العرب، و الأفارقة ، في الدول التي يعيش فيها العرق العربي، و العرق الإفريقي كما هو الوضع في السودان . كما إستغل مهندسو هذه الإستراتيجية الكثير من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من الجانب العربي ، و المتشددين للعرق الإفريقي الأسود من جانب المتمردين لإشعال النزاع في دارفور . و كان الرئيس البشير قد إضطر للإبتعاد عن فكر الإخوان المسلمين في معالجة النزاع في دارفور فبادر بتوقيع إتفاقا في، 2010، لوقف إطلاق النار مع حركة العدل و المساواة، وإتفاقا آخر مؤقتا مع نفس الحركة للتحرك نحو السلام، حتى لا ينفصل دارفور مثلما إنفصل جنوب السودان . و تمكنت حركة العدل و المساواة من تحقيق نجاحا كبيرا خلال هذه المحادثات ، لدرجة أنها تمكنت من نيل شبه حكم ذاتي في إقليم دارفور مثلما حدث من قبل مع جنوب السودان قبل إنفصاله عن دولة السودان .

و تخشى القوات المسلحة السودانية ، بعد إنتهاء حكم عمر البشير ، من إعادة إشعال النار في النزاع في دارفور، في حال وصلت جماعة الإخوان المسلمين السودانية للحكم ، نظرا لتعاون قيادات الإخوان في السودان مع دول و أجهزة مخابرات كبرى، كما ظهر ذلك من خلال موقف الترابي من البشير عندما إتهمه بإرتكاب مجازر ضد سكان دارفور لتبرئة نفسه من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية . و يدرك الجيش السوداني ، بأن جماعة الإخوان في السودان ، هي الأكثر تنظيما ، بسبب وعودها للسودانيين بحياة مريحة مرفهة ، من دون أن تكشف عن كيفية تحقيق ذلك، لا سيما و أنها شاركت في الحكم لمدة ثلاث سنوات خلال الحكم المدني و هيمنت على النصف الأول من حكم البشير و لم تحقق هذه المعادلة ، بل كل ما حققته هو تمزيق السودان ، بإنفصال الجنوب الغني بالثروات البترولية، ليعيش الشمال في ظلام دامس لإفتقاره للطاقة اللازمة .

و لكل هذه الأسباب ، وخوفا على ما تبقى من الدولة السودانية، وجد المجلس العسكري نفسه مجبرا على إدارة مرحلة إنتقالية طويلة إلى حد ما ، للسماح للأحزاب السودانية من غير جماعة الإخوان للتواجد بقوة على أرض الواقع خلال عامين، قبل تنظيم إنتخابات رئاسية و تشريعية . و يخشى المجلس العسكري من أن يؤدي سطو الإخوان المسلمين على الثورة السودانية إلى إعادة النزاع في دارفور من خلال عناصر خائنة ، أو متواطئة، مما يهدد السودان بفقد هذا الإقليم الذي تبلغ مساحته نصف مليون كيلو متر مربع، و هي مساحة شاسعة ، تتساوى مع مساحة فرنسا أو مساحة العراق، بما فيه من ثروات بترولية و زراعية . كما يخشى أيضا الجيش السوداني من أن تستغل القوى المعادية للسودان حكم جماعة الإخوان، لإشعال الصراع في إقليم كردفان، الذي يمتلك حدودا مشتركة مع دولة جنوب السودان .

و نهاية فإنه في حال إنفصل إقليم دارفور ستتراجع مساحة السودان من جديد من 8ر1 مليون كيلو متر مربع حاليا ، إلى 3ر1 مليون كيلو متر مربع . أما لو إنفصل إقليم كردفان البالغ مساحته 400 ألف كيلو متر مربع ، فإن مساحة السودان ستتراجع أيضا من 3ر1 مليون كيلو متر مربع، إلى 900 كيلو متر مربع . كما يخشى الجيش السوداني في حال خضوع السودان لحكم الإخوان المسلمين من إعادة إشعال النزاع في شرق السودان ليطالب أبناء شرق السودان من جديد بالإنفصال، و يعني ذلك تقليص مساحة السودان من 900 ألف كيلو متر مربع إلى ، إلى 500 ألف كيلو متر مربع فقط ، ليجد السودان نفسه و قد تحول إلى 5 دويلات تقوم على أسس دينية، و عرقية، و قبائلية .