الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيد مندور يكتب: المفلس في الآخرة

صدى البلد

أعظم طرق التدريس الحديثة في الأكاديميات والجامعات هى طرح موضوع أو نقطة للنقاش، فكل طالب يبحث ويقول رأيه ثم يتحدث المحاضر عن الموضوع فينتبه الجميع إلى كلامه ويكونون فى تركيز كامل إلى كلامه.

هكذا كان حضرة النبى صلوات ربى وسلامه عليه، وهو المعلم الأول وأستاذ الأكاديمية العالمية، لأن الله سبحانه وتعالى علمه وجعله أستاذا للعالمين فهيا سويا ننتقل إلى قاعة المحاضرة والمحاضر فيها هو خير البشرية على الإطلاق أستاذ الأولين والآخرين سيدنا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والطلاب هم خير المتعلمين الذين زكاهم رب العالمين فى كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى:

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقه يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".

كان أصحاب النبي يجلسون أمامه في خشوع وسكينة أمام معلمهم وكأن على رؤوسهم الطير لا يتركون همسة أو كلمة إلا استمعوا إليها وفهموها، فطرح الحبيب المصطفى سؤالا، فقال (أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ فَقَالَ صلوات ربى وسلامه عليه : (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ). رواه مسلم في صحيحه عن أَبِي هريرة رضي الله عنه.

فالصحابة رضوان الله عليهم أجابوا بأن المفلس الذي ليس يملك مالا أو بيتا أو أرضا وكأنما ظن البعض أن المفلس فى الآخرة هو من أتى بغير حسنات من صلاة وصيام. فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد من هذا السؤال: أتدرون من المفلس؟ أراد أن يلفِت أنظار الصحابة رضوان الله عليهم، بل كل أمته، إلى أمر عظيم مهم، وإلى ناحية دقيقة طالما غفل عنها كثير من الناس ولم يفطِنوا لها، هي توضيح مفهوم الإفلاس على حقيقته.

لكن الرسول عليه الصلاة والسلام بما أنه يهتم بالحقيقة دون الصورة، وبالواقع دون المظهر. ينظر الى الإفلاس من زاوية أوسع، فأراد أن يكشف الغطاءَ عن مفهوم جديد للإفلاس، لم يكن معهودًا من قبلُ في حياتهم، ولم يكن يَخْطُرُ في بالهم، ولم تحدِّثْهم به نفوسُهم.

فمن خلال سؤاله صلى الله عليه وسلم : (أتدرون من المفلس؟)، أراد أن يَنقلَهم إلى أبعد من الدنيا وحطامها، ويحول أبصارهم وقلوبهم إلى إفلاس من نوع خطير.

فما هو المفهوم الصحيح للمفلس؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن المفلس من أمتي)، انظر إلى كلمة (من أمتي)، فهو من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، المعني بهذه الصفة هو من هذه الأمة ينتسب إليها وليس بعيدا وليس غريبا عنكم معاشر المخاطبين.

يكمل قوله (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة)، وفي حديث آخر:(يأتي بحسنات كالجبال)، يأتي يوم القيامة بحسنات عظيمة، ثروة هائلة من الحسنات، يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة من صلاة وصيام وزكاة.. لكنه، (يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا).. كان حاله في هذه الحياة الدنيا، الاعتداء على الناس وظلمهم بشتى أنواع الاعتداء والظلم. فيوقف يوم الحشر، ويقف حوله خصماؤه الذين كان يظلمهم ويعتدي عليهم إما بلسانه أو بيده، يُوقف ويقف معه غرماؤه في ذلك الموقف الرهيب، كلهم يريدون أخذ حقوقهم التي لم يستطيعوا أخذها في الحياة الدنيا، يقفوا ليُقتص لهم منه، ويأخذوا حقوقهم كاملة في الآخرة.

فاسمعوا يا أيها الأحباب لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وقد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ).

فتؤخذ منه حسناته التي تعب فيها عمرَه، وأفنى فيها حياتَه، تؤخذ منه وتنقل إلى خصائمه عوضًا عن حقوقهم، وكلما فرغ واحد من أخذ الحسنات، جاء آخر ليأخذ نصيبه منه، وذلك بالعدل والقِصاص الحق. فإن فنيت حسناته، حسنات الصلاة والصيام والحج كل ما عنده من حسنات انتهى.

الحصون والمدرعات التي ظن في الحياة الدنيا أنه بناها ليحتمي بها وتقيه عذاب الآخرة انهارت وتحطمت. فماذا بقي عنده؟ لم تبق عنده ولو حسنة واحدة!!

إنه مصير ذليل، أن يُفني الإنسان عمره في جمع الحسنات، ثم يأتي يوم القيامة وقد ذهبت إلى خصمائه ولم يبق له منها أي شيء.

الحسنات نفذت، وما زال هنالك من الخصماء الذين أساء إليهم واعتدى عليهم قيد حياته من لم يأخذ حقه منه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ).

لا حول ولا قوة إلا بالله فلم ينته الأمر عند أخذ حسناته بل يأُخذ من خطايا الخصماء و سيئاتهم، فتطرح عليه كلها فلا يستطيع لها دفعا ولا هربا، ثم يطرح في النار.

هذا هو الإفلاس الحقيقي، هو ضياع أجر الأعمال بظلم الآخرين والاعتداء عليهم. فها نحن فى هذه الأيام نسمع السب والشتائم على صفحات التواصل الاجتماعى وعلى الشاشات والعجيب أن تأتى برامج الشهر العظيم ( برامج رمضان ) بكم هائل من الألفاظ والشتائم بل وصل الأمر إلى سب الدين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وكذلك نرى المسلسلات التي بها من المشاهد التى تستحى أن نذكرها وتحض على العنف والقتل والبلطجة والمخدرات. فأقول لكل كاتب أو مؤلف أحذر من كل كلمه تكتبها فربما تأتى عليك حسرة وندامة يوم القيامة.