مشاهد نراها كل يوم وفى كل مكان تبعث فى نفوسنا الحزن والألم والشفقة تارة، والدهشة والخداع تارة أخرى، إنها مشاهد التسول التى أصبحت فى مجتمعنا شيئًا أساسيًا لا غنى عنه وعن رؤيته.
عجوز منحنى الظهر يتنقل بين عربات المترو ببطءٍ شديد يتدلى خرطوم رفيع من داخل رقبته ولا يستطيع التحدث ليطلب منا المساعدة .
شاب طويل القامة فى ريعان عمره يلف يديه المكسورة ويتجول فى القطار بين المسافرين ليطلب المساعدة لا نعلم أكان هذا كسر حقيقى أم لا.
صغيرة فى الشارع تتجول فى أعين الناس لتثير الشفقة فى نفوسهم حتى يخرجوا مافى جيوبهم ،حذاؤها متهالك ترتدى بنطال مقطوع وإن كان فى عالم الفقراء تسمى بالملابس المقطوعة بينما فى عالم الأغنياء تسمى ملابس موضة أو ذات ماركة.
امرأة على الرصيف تحمل طفلًا أمامها وتمسك بالآخر خلفها تبيع علب المناديل كى تستطيع إطعام قطعتي اللحم اللتين تعولهما.
أطفال، نساء، رجال وشباب ويكأن التسول أصاب كل فئات المجتمع . والسؤال هنا كيف نميز بين من لا يجد فعلا قوت يومه وبين من يدعى التسول ؟هل التسول أصبح مهنة ام المتسولون لم يجدوا طريقًا لكسب قوت يومهم ؟ ماهى الاسباب وراء ظاهرة التسول وما الحل؟
نسمع عن متسوليين يبنون عمارات! ونسمع عن متسولين أغنياء ،رأينا متسولين يخدعوننا فيتظاهرون أنهم ذوو إعاقة مثلا ثم نراهم فى مكان آخر بغيرها!
نعرف أن الفقراء والمحتاجين الذين وصانا الله سبحانه وتعالى عليهم هم متعففون وأغنياء النفس وقد حذر الله من التسول لما ينتج عنه من آثار سلبية كانتشار الجريمة والسرقة وما إلى ذلك.
ووصف الله الفقراء فى قوله تعالى:- "لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيم". (سورة البقرة، آية 273 ).
وحتى لا نلقي اللوم على المتسولين الذين قد تدفعهم الظروف إلى التسول سنجد العديد من الأسباب وراء ظاهرة التسول منها الحالة الاقتصادية التى تعاني منها الدولة فارتفاع معدل البطالة الذى وصل إلى 11.8% عام 2019، وصول معدل الفقر فى مصر إلى 27.8% حسب آخر إحصائية تصدر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء عام 2015، بالإضافة إلى تقرير البنك الدولى الصادر عن مصر والذى يقول أن: " 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجًا" فمع ارتفاع مستوى المعيشة وظروف الحياة الصعبة قد تدفع البعض للتسول.
ولكن هذا السبب لن يكون المبرر الوحيد للتسول فقد يكون سوء التربية والتفكك الأسرى والطلاق وسوء التنشئة سببًا فى انتشار الظاهرة، فينشأ الطفل ويجد نفسه فى مصيدة التسول سواء كانت لديه أسرة تجبره على فعل ذلك -وأذكر هنا أن حكى لى صديق عن قصة طفل متسول عندما سئل عن ما الذى يدفعه للتسول قال أنه إذا لم يذهب لأمه كل يوم وفى جيبه 100 جنية فلن تدخله البيت- !
أما عن غياب الوازع الدينى فى مجتمعنا وفى عالم التسول فيدفعهم للتسول كحل سريع لكسب المال بدلًا من البحث عن سبل رزق حلال .
فيقع على عاتق الدولة أن تضع حلولًا جزريةً لعلاج مشكلة التسول لتضخ برامج اجتماعية لحماية الفقراء والمتسولين حتى لا يتجهوا للتسول، توفر فرص عمل بعمل مصانع جديدة تحتاج الى أيدي عاملة أوفتح المصانع المغلقة، ونشر ثقافة العمل وعمل ورش مهنية وحرفية للشباب والبنات.
أم عن مسئوليتنا نحن كأفراد فدعم المبادرات المجتمعية سواء بالتطوع أو التبرع إن كان تأثيرها بسيطًا ولكن تساهم في سير المراكب وتحدث توازن فى المجتمع.
أما عن المجتمع المدني فيكون له دور كبير من خلال دعم الفئات الفقيرة ودعم المتسولين بشتى الطرق سواء برفع وعيهم أو تنفيذ برامج ومبادرات لحمايتهم، إذن فالمجتمع المدني بدوره بجانب دور الدولة ودور الأفراد بمثابة المظلة التي تحمي المجتمع من خطر التسول.