الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيد مندور يكتب : لعلكم تتقون

سيد مندور
سيد مندور

إن لكل عبادة افترضها المولى تبارك وتعالى أثر لابد أن يظهر على العبد وهو ما يسمونه العلماء المقصد. فمثلا، الصلاة لابد أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما بين لنا الحق جل وعلا فى كتابه الكريم فقال :( وأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصلاة تَنَهَى عَن الفَحْشَاء والمُنْكَر ) سورة العنكبوت / 45.

فمن يصلي ويفعل الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، كما قال سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ".

وهكذا كل عبادة لها أثر فالصيام ما هو الأثر والمقصد منه، فحينما نرى قول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقره / 183 . نرى أن الصيام لابد أن يورث العبد التقوى، كما قال لعلكم تتقون، فنريد أن نعرف ما هي التقوى وما هو أثرها ؟

فقد أمرنا المولى سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة بالتقوى، فالتقوى لغةً: من الوقاية وهي الصون والحماية . أما التقوى اصطلاحًا تعني أن يجعل المسلم وقايةً بينه وبين غضب الله وسخطه وذلك باتّباع أوامره وطاعته سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه.

وقد سُئل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن التقوى فقال للسائل: هل سلكت طريقًا فيه شوك؟ فأجاب السائل: نعم، فقال أبو هريرة: فما صنعت؟ فأجابه السائل بأنّه كان يَبتعد عن الشوك ويَتجنّبه، فقال أبو هريرة: فذاك هو التُّقى؛ أي التقوى.

وأبدع ابن المعتزّ حينما نَظَم في هذا المعنى شعرًا فقال:
خَلِّ الذنــوبَ صَــغيــرَها *** وكَبيــــــرَها ذاكَ التُقى
واصنَع كَمَاشٍ فوقَ أر *** ضِ الشَـوك يَحْــذرُ مــــا يــَـرى
لا تحقِرنَّ صغيـــــــــرةً **** إنَّ الجِبـــالَ مِن الحَصــى

إنّ من أجمل ما قيل في التقوى كلمات للصحابي الجليل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه إذ يَصفُ التقوى حينما سأله أحدهم عن التقوى فأجاب: (هي الخوفُ من الجَليل والعملُ بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعدادُ ليوم الرَّحيل).

فقد وصف -رضي الله عنه- التقوى على أنّها الخوف من الله تبارك وتعالى، وهذا الخوف يَستلزمُ عبادته سبحانه حقَّ العبادة وحده لا شريك له، والعمل بما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة من أوامر، والابتعاد عما فيهما من نواهٍ فما ورد في السنّة من أوامر ونواهي لا تَقلّ في الأهميةِ وفي الاستدلال الشرعي عن الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).

إنّ الخوف هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى وأشدّها نفعًا لقلب العبد وهي عبادة قلبيّة وإنّ الخوف من عذاب الله تعالى ليس مقصودًا لذاته وإنّما هو وسيلة للهروب ممّا يكون سببًا في العذاب لأنّ أثر الخوف متعلّق بأفعال العبد ولذلك قيل : الخوف الصادق هو ما منع صاحبه عن محارم الله تعالى.

والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح وهذا كما في قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/197.

وما أجمل من هذه الأبيات :
ولست أرى السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا وعند الله للأتقى مزيد

ثم يُنهي سيدنا علي كرم الله وجهه، وَصفه للتَقوى بالاستعداد ليوم الرحيل، فالإنسانُ راحلٌ عن هذه الدنيا لا مَحالة والراحلُ لا بُدَّ له أن يتزوّد لرحلته ويكثر من النوافل والعبادة، وكلِّ ما من شأنه أن يُعينه في رحلته.

فليكن شعار المؤمن دائمًا وأبدًا تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم . يتق الله دائمًا وأبدًا فيترك ما حرم الله عليه ويفعل ما أمره الله به ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى يستشعرها المسلم دائمًا وأبدًا في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله فى عمله ومعاملاته فهذا هو المقصود من الصيام كما فى آخر الآيه لعلكم تتقون .. فهل حقا نحن صائمون .

-