الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. يحيي عبد القادر يكتب: رؤى سياحية.. هل التعاسة هـي الأصالة؟

صدى البلد

يسعى كل كاتب سياحى يمتطى راحلة أو يجلس بجوار نافذة على متن قطار ينفث البخار أو ينطلق عبر طائرة عملاقة أو يمخر عباب البحر الثائر فوق سفينة ركاب تأوى خمسة آلاف مسافر لأن يكتب عن أصالة وجوهر AUTHENTICITY المقصد السياحى الذى يخطط لزيارته.

هذا السؤال هو مفتاح مقال الكاتب السياحى Ben Groundwater . فيشتاق كل سائح مغامر أو كاتب سياحى محترف للتمتع بروح وجوهر البلد السياحى الذى يشد إليه الرحال. وحتى تكون قصة الكاتب السياحى ممتعة وجذابة فإنه يسعى ليلتقى بأهل البلاد الأصليين وكذلك تناول وجبات شعبية فى مطاعم عادية وزيارة المواقع الأثرية التى لم تتوارى خلف الزخارف المصطنعة وتتجمل لملاقاة الزائر الوافد والسائح الجوال.

هل الأصالة هى التردد على مطعم شعبى يقدم الأكلات فى أطباق رديئة من البلاستيك فى جو تنقصه القواعد الأساسية للصحة العامة والنظافة؟ هذا إلى جانب تفقد الأسواق الشعبية التى يغشاها أهل المدينة والمقاهى التى قد تزدحم على مدار الساعة أو فى العطلات؟ فمن يتخيل أن أهل الخليج قد يتناولون (الكبدة أو الشبود) فى وجبة الإفطار بينما لا يتورع أهل أمريكا الشمالية عن تناول شرائح الهامبورجر فى الصباح الباكر. هل الأصالة هى الفقر والتسول؟ يبدو أن مصطلح الأصالة قد امتزج بمظاهر العوز والكفاح من أجل استمرارية الحياة.

فالمطعم الشعبى فى حوارى (سويتو) بمدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا أصلى بينما تناول العشاء فى أحد المطاعم الراقية بالمدينة ليس أصليا؟ لقد أقمت فى منتجع للسياحة الزراعية AGRITURISMO بإيطاليا فى VERONA التى شهدت مأساة العاشقين روميو وجولييت. استمتعت بتناول الوجبات التقليدية التى كان يعدها طاهى المزرعة لعدة أيام. ثم اكتشفت وأنا أحييه قبل أنا أغادر الموقع أنه رومانى الأصل! إلا أنه كان يعمل فى إيطاليا لمدة 10 أعوام قبل الإلتحاق بالمزرعة. كم كنت أحلم بأن تعد لى (ماريا) الإيطالية وجبة العشاء على ألحان الموسيقى الشعبية إلا أن الأكلات كانت جيدة على أية حال.

هل الرخاء لا يعكس الأصالة والجوهر الحقيقى للمزار السياحى؟ لا أدرى إذا كانت المجمعات التجارية الفاخرة فى (دبى) مثلا تعد من المزارات السياحية الأصيلة؟ يجب على الكاتب السياحى أن يتخلى عن تصنيف المقصد السياحى على أنه أصلى أم غير أصلى لأنه لا يتفق مع الصورة الذهنية التى رسمها الكاتب للمقصد فى خياله. يجب على الكاتب تصوير الواقع كما يراه لا كما يهواه. فلكل مدينة أكثر من وجه يتراوح بين شظف العيش وروعة المظهر وقسوة الحياة.

فهل السفر بالقطار مثلا أفضل أم بالطائرة؟ هل الثراء عار بينما الفقر والتسول رائع ومذهل وأصيل؟ لقد صدم أحد زوار ولاية جورجيا الأمريكية بعد أن تناول وجبة أسماك بحرية شهية ثم اكتشف أن الجمبرى/روبيان قد تم استيراده من فيتنام! وتخيل السائح السويسرى الذى غادر عرض الصوت والضوء الرائع فى هضبة أهرام الجيزة حيث يسبح به الخيال نشوانا فى عالم ملوك مصر من الفراعنة العظام ليغادر مسرح العرض ويشترى من صبى تذكارات سياحية فيحصل على تمثال مصغر لأبى الهول ليكتشف أنه قد صنع فى الصين!