د.أحمد البهنسي يكتب: (ازرع شجرة).. مبادرة مغربية جديرة بالتَمْصير

" يمكن نقل التدوينة وإضافة إسمك في آخرها...أنا الموقع أسفله: أعلن عن تطوعي لزرع شجرة...وأطالب المسؤولين بتجهيز الشتلات وتحديد الأماكن...ممكن زرع أكثر من 50 مليون شجرة في يوم واحد، كمبادرة لمكافحة التلوث وحماية البيئة "...اختصرت هذه العبارات الموجزة فحوى مبادرة انتشرت بقوة مؤخرا على الساحة الشعبية في المملكة المغربية تهدف لزرع 50 مليون شجرة في جميع مدن المملكة ومناطقها.
نبع إعجابي الشديد بهذه المبادرة من كونها تأتي من بلد كانت أول انطباعاتي عنه في زيارتي الأولى له، أنه بلد ينعم بالكثير من المساحات والمسطحات الخضراء المترامية الأطراف، لاسيما وأنه من أكثر الدول العربية والأفريقية التي تنتشر بها (الغابات) الطبيعية، والكثير من مدنها تحيط بها أحزمة خضراء من هذه الغابات والحقول الزراعية، رغم ذلك فإن هذا لم يمنع من إطلاق مبادرة لغرس المزيد من الأشجار لحماية البيئة والحد من التلوث، وزيادة البقعة الخضراء وما يستتبع ذلك من فوائد على البيئة وعلى نفسية المواطن.
زاد من إعجابي بهذه المبادرة بأنها حملت في طياتها آليات تنفيذها وتحديد دور الفرد والمجتمع فيها، كذلك دور السلطات المحلية والمجتمع المدني في تنفيذها وانجاحها؛ فقد طالبت السلطات بتجهيز الشتلات وتحديد أماكن غرسها، في حين حددت دور الفرد والمجتمع المدني في نشر هذه المبادرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تكفل كل فرد بغرس شجرة في شارعه أو المنطقة التي يسكن بها. وما على الراغب في الانخراط في الحملة سوى تدوين إسمه إلى جانب الأسماء الأخرى المكتوبة للتعبير عن نجاعة الفكرة وأهميتها ومن ثم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي المشترك بها.
كل هذا الاعجاب السابق بهذه المبادرة المغربية جعلني أتساءل وبكل قوة ..لماذا لا يتم تمصيرها وتنفيذها بكل المحافظات والمدن المصرية، رغم أننا في مصر بأشد الحاجة إليها ولغيرها من المبادرات التي تهدف لتحسين حالة البيئة والمناخ وزيادة البقعة الخضراء؟!.
للإجابة على هذا التساؤل نفتبس مقتطفات من تصريحات تناقلتها الصحافة المغربية عن جمال براوي مؤسس هذه المبادرة، وجاء فيها :" إن تخصيص اليوم الوطني للبيئة لزرع 50 مليون شجرة "فكرة شابة لا تتوقف عن النضج، وتشد يوما بعد يوم إنتباه مختلف المتدخلين"..وقد لفت انتباهي في هذه التصريحات المنسوبة لمؤسس هذه المبادرة أمرين، الأول: هو أن هذه المبادرة هي مبادرة شابة وفتية ما جعلها تنتشر بسرعة كبيرة في أوساط قطاعات واسعة بالمغرب لاسسيما بين الشباب، والثاني: هو ربطها ببعد وطني وهو اليوم الوطني للبيئة في المغرب.
إذن هي ليست مبادرة بيئية وحسب، بل إنها ذات صبغة وطنية واضحة، وهو ما يجعل من امكانية (تمصيرها) أمر جدير بالتنفيذ، فقد برز بقوة في مصر خلال السنوات القليلة الماضية دور الشباب القوي على الساحتين السياسية والشعبية، وظهرت مدى قوة تأثيره سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى من خلال الشارع في الأحداث السياسية والمجتمعية المختلفة، وليس أدل على ذلك من دور الشباب الواضح والحاسم في ثورتي يناير ويونيو المجيدتين، ذلك الدور الذي أظهر بكل قوة أن الشباب طاقة هائلة وقدرتها تصل إلى حد التأثير القوي والمباشر في غالبية الأحداث السياسية والمجتمعية التي مرت بها مصر مؤخرا.
في ضوء ما سبق، فإن فكرة مبادرة (إزرع شجرة) وإن بدت بسيطة إلا أن إطلاقها في مصر والدعوة إلى انخراط الشباب فيها ورعايتها لهم وتوفير كل وسائل وآليات تنفيذها أمر جدير جدا بالتنفيذ، لاسيما لو تم استغلالها لمزيد من ترسيخ مفاهيم وقيم الوطنية والمشاركة المجتمعية في نفوس وقلوب وعقول هؤلاء الشباب، من خلال استحداث يوم وطني للبيئة تقترحه وترعاه وزارة البيئة وتخصص له الاحتفالات والمبادرات والمشاريع البيئية التي يحتفل بتدشينها سنويا وعلى رأسها – بطبيعة الحال- مبادرة (إزرع شجرة).
يمكن كذلك انخراط هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المصرية فيها، فمن خلال أمانة الشباب في كل حزب بكل فروعه بالمحافظات المصرية من الممكن (برمجة) هذه المبادرة في شكل (مشروع شبابي منظم) له آلياته وجدوله الزمني وأهدافه المحددة، فعلى غرار المبادرة المغربية يمكن أن يوضع هدف زرع (50 مليون شجرة) لهذا البرنامج، لتحقيقه في حد أقصى خلال عام.
يضاف إلى ما سبق تلك الرمزية الوطنية الواضحة التي حملتها هذه المبادرة، والتي تجلت في اقتراح صاحبها المغربي بأن يخصص يوم 18 نوفمبر للاحتفال بها وهو اليوم الذي يوافق الاحتفالات الوطنية المغربية بعيد الاستقلال، مؤكدا على أن اختيار هذه اليوم للاحتفال بهذه المبادرة يحمل رمزية مدى (تشبث المغاربة بأرضهم).
ومن وجهة نظري ما أحوجنا في مصر أن نطلق المبادرات سواء الرسمية أو الشعبية ونقيم الاحتفالات ذات الرمزيات والدلالات الوطنية، والتي من شأنها ترسيخ قيم ومبادئ تشبث المصريين بأرضهم وبوطنهم لاسيما فئة الشباب منهم، ولعل أكثر ما يرمز لذلك هو غرس الأشجار التي تبقى لأجيال شاهدة على التشبث بهذا الوطن وبكل حبة رمل فيه ارتوت بدماء وعرق كل مصري على مر أجيال.
ولعل أكثر شيء يجعل مثل هذه المبادرة جدير بالتنفيذ في مصر، هو ما تحمله من آليات تتضافر فيها الجهود الحكومية والمؤسسات الرسمية مع المجهودات المدنية والشعبية والحزبية، وهو ما يعكس رمزية وطنية واضحة وهي أن " الوطن شجرة" علينا جميعا كشعب وكمسؤولين أن نشارك في غرسها وريها ورعايتها حتى يشتد عودها وتورق وتثمر.
كما أن هذه المبادرة في حال تنفيذها ستحمل بحق معنى المسؤولية الوطنية المشتركة، إذ سيعرف المواطن بحق أن هناك بعض القضايا والمشاريع كتلك المتعلقة بالحفاظ على البيئة وحماية الطبيعة هي (مسؤوليات مشتركة) بين الحكومة والشعب، ولا يمكن أن تتم وترى النور إلا بتحمل كل طرف مسؤولياته من أجل إنجاحها.