الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء حيدر يكتب .. العلمين الجديدة.. تنمية شاملة للساحل الشمالي

صدى البلد

من يزور الساحل الشمالي قبل حلول فصل الصيف و بعد نهايته ، بدءا من العجمي و مراقيا ، و مرورا بالحمام و العلمين، و إنتهاء بمرسى مطروح و السلوم ، سيصاب بالفاجعة عندما يدرك أن هذا الساحل الشمالي ، الممتد بطول 600 كيلو متر، و الذي حباه الله بأجمل سواحل العالم ، و مناخ معتدل صيفا وشتاء ، و ثروات طبيعية هائلة ، يتحول إلى مدن للأشباح بعد إنتهاء موسم الصيف الذي لا يزيد فعليا على شهرين فقط في العام ، يبدأ مع نهاية المدارس و الجامعات في نهايات يونيو ، و ينتهي أيضا مع دخول المدارس في بدايات سبتمبر .

وبوصفي من محبي طبيعة الساحل الشمالي ، فقد شعرت بدهشة كبيرة بعد أن تبين لي خلال أسبوعين أمضيتهما في قرية مارينا العلمين الجميلة التي تم فيها إستثمار عشرات المليارات ، أن معظم سكانها ، خاصة سكان الفلل ، و القصور الفاخرة ، المقامة على شاطيء البحر ، و البحيرات الصناعية ، و التي يتجاوز قيمة أقل قصر فيها الــ 10 ملايين جنيه، و قد خلت حتى من مصطافيها بعد أن إنتقل معظم هؤلاء المصطافين الميسورين إلى قرى ساحلية أخرى ، في هاسيندا، و مراسي، و تلال ، و كاسكادا بعدما  جذبت هذه القرى الجديدة الأثرياء، و الفنانين ، و لاعبي كرة القدم، و كثيرا من الشخصيات العامة ، هربا من تراجع المستوى الإجتماعي لمرتادي قرية مارينا . و يتوقع لو ظلت الأمور على ما هي عليه الآن ، أن يهرب سكان هذه القرى الجديدة ، إلى قرى أحدث ، وأكثر تطورا ، عندما يتراجع مستواها الإجتماعي ، على غرار ما حدث لمارينا.

أما قمة المأساة فتتجسد في غياب السائحين الأجانب ، عن كل هذه القرى ، ذات الشواطئ الساحرة برمالها البيضاء الناعمة و مياهها اللازوردية التي نادرا ما تتوافر في دول ساحلية أخرى.

وإذا كان هذا الوضع الشاذ قد مر مرور الكرام على المسئولين طوال أكثر من 40 عاما ، منذ أن بدأ المصطافون يفرون من الاسكندرية إلى الساحل الشمالي ، بعد أن إكتظت الإسكندرية بسكانها و النازحين إليها من الدلتا و الصعيد، وإنتشار العشوائيات في ربوعها ، فهل كان من الممكن أن يمر هذا الوضع الشاذ مرور الكرام على الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يدرك جيدا أن مشكلة مصر الأساسية ، تتركز في التكدس السكاني ، و التدمير المتواصل للرقعة الزراعية المحدودة في وادي النيل و الدلتا ؟ . بالقطع لا و لذلك كان قرار الرئيس السيسي بتحويل الساحل الشمالي بإستثماراته المهدرة ، إلى مناطق جذب للمصريين و السائحين ، ليس فقط خلال أشهر الصيف ، و لكن طوال العام . 

وهنا كان قرار الرئيس السيسي بالبدء في إنشاء مدينة العلمين الجديدة ، لكي تكون قاطرة التنمية لكل الساحل الشمالي، ليتحول من كومباوندات بمئات المليارات خالية من سكانها عشرة أشهر في السنة ، إلى مناطق جذب سياحي ، و تجاري ، و مالي ، و صناعي ، و زراعي ، وثقافي ، و تكنولوجي.

ووقع إختيار ، الرئيس السيسي، على منطقة عبقرية ، لإقامة مدينة العلمين الجديدة ، لتكون مدينة من مدن الجيل الرابع ، فهي تقع في محيط المنطقة التي تحتضن مقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية من كلا الطرفين المتحاربين : "دول التحالف" ، و" دول المحور " .

ويعني هذا الإختيار، إستغلال تمتع العلمين بسمعة عالمية، لجذب السائحين من دول التحالف، و المحور ، و معظمها من الدول التي يعشق مواطنوها السفر، و الترحال ، و سياحة الشواطئ .فقوات الحلفاء في معارك العلمين كانت تضم العديد من الدول الغنية على رأسها بريطانيا ، و فرنسا، و أستراليا ، و الهند ، و ماليزيا، و جنوب إفريقيا، و نيوزيلندا، و اليونان، فيما كانت تضم قوات المحور ألمانيا ، و إيطاليا . ووقع الإختيار على بناء الأبراج العالية ، بإطلالتها الرائعة ، على ساحل مدينة العلمين، أمام متحف العلمين العسكري، الذي يخلد معارك العلمين الشرسة ، و الذي يضم مجموعة من الأسلحة ، و المدرعات، و المجسمات، التي تعبر عن معارك العلمين، و القوات التي إشتركت فيها ، فضلا عن خرائط تاريخية عن سير هذه المعارك.

ومن أجل الإستغلال الأمثل لهذه الوجهة السياحية ، فقد بدأ تنفيذ البنية التحتية الفندقية لتضم 25 ألف غرفة فندقية . و قد حرص القائمون على المدينة ، أن تستضيف هذه الفنادق ، السائحين العرب و الأجانب، طوال أشهر السنة ، و ليس أشهر الصيف فقط من خلال تزويدها بمناطق ترفيهية ، و ملاه عالمية، ومركز للمؤتمرات ، و مراكز ثقافية ، و دار للأوبرا ، و مسرح ، و دور عرض سينمائي، و مولات تجارية ، و منتزة دولي ، فضلا عن مدارس، و 3 جامعات . و من المقرر أن تبدأ الدراسة في أولى هذه الجامعات في 2020 ، فيما ستحتضن الأبراج الشاهقة مدينة المال و الأعمال في العلمين الجديدة.

و لكن هل ستكتفي مدينة العلمين الجديدة بالجانب السياحي، و الخدمي ، و التعليمي ، و المالي ، و تهمل الجانب الصناعي ؟ بالقطع لا، فلا تقدم لدولة و لا ثراء لمدنها إلا بالصناعة، فولاية بافاريا الألمانية، لم تزدهر و تحصل على شهرتها العالمية، إلا لأنها تؤوي معظم مصانع السيارات الألمانية مرسيدس، و بي ام دبليو، و أودي . كما يعود نهوض أمريكا صناعيا، بفضل مدينة ديترويت، مركز صناعة السيارات في الولايات المتحدة . و لذلك تمهد حاليا شركة المقاولون العرب، طريقا بطول 40 كيلو مترا ، موازيا للطريق الساحلي الحالي، "الإسكندرية مطروح " ، من بداية مدينة العلمين ليخدم المنطقة الصناعية ، و الزراعية التي ستقام بمدينة العلمين الجديدة إلى عمق يصل لنحو 60 كيلو مترا داخل الصحراء. و حرص القائمون على مدينة العلمين الجديدة ، أن يكون الطريق في نفس الوقت طريقا دوليا ، من خمس حارات في كل إتجاه ، ليخفف عبء الإزدحام عن الطريق الساحلي" الإسكندرية مطروح" لتفادي الخطأ الذي إرتكب في الاسكندرية ، التي إعتمدت على الكورنيش، كمحور مروري رئيسي للمدينة ، ما أدى لإختناقات مرورية يعاني منها بشدة أهالي الأسكندرية خاصة طوال أشهر الصيف.

ومن منطلق أن مدينة العلمين الجديدة، ستعتمد بشكل كبير في تنميتها على الصناعة ، فقد تم تخصيص مساحة، 4 ملايين متر مربع، للمنطقة الصناعية التي تم إفتتاح مرحلتها الأولى، في يونيو الماضي . ويجري حاليا إستكمال بقية المنطقة ، بتزويدها بالبنية التحتية اللازمة، و يباع المتر بها حاليا بسعر منافس للغاية .و تشهد حاليا هذه المنطقة الصناعية إقبالا كبيرا خاصة من الصين ، و من أبناء الإسكندرية على وجه الخصوص ، بعد أن أصبحت المنطقة الصناعية بالأسكندرية في العامرية مكتظة بالسكان و المصانع، و لم تعد بنيتها التحتية قادرة على تحمل المزيد.

فالعلمين الجديدة ، صممت لتكون مدينة سكنية، و تجارية ، و سياحية ، و خدمية ، و ثقافية، و صناعية، و زراعية ، حيث تتوافر الأراضي في الصحراء الشاسعة في الظهير الصحراوي للمدينة، في وقت إكتظت به الأسكندرية بسكانها ، و لم يعد أمام السكان لتوفير مورد الرزق سوى فتح محلات الشاورمة و المقاهي.

وإذا كانت الصناعة هي عنوان التنمية في العلمين الجديدة ، فإن الزراعة تحظى هي الأخرى بإهتمام مماثل في إستراتيجية النهوض بتنمية الساحل الشمالي ، على أساس أن كثيرا من الصناعات الغذائية تقوم على الزراعة . و تعد الصوب الزراعية ، التي إفتتح الرئيس، عبد الفتاح السيسي ، مؤخرا 1300 صوبة منها ، على مساحة 10 آلاف فدان، في مدينة الحمام ، على بعد 30 كيلو مترا من مدينة العلمين الجديدة، بمثابة الثورة الزراعية الجديدة في الساحل الشمالي، نظرا للإرتفاع الكبير في معدلات إنتاجيتها بالقياس بإنتاجية الزراعات على الأراضي المكشوفة . 

كما تساهم الصوب الزراعية في توفير المياه بنسبة تقترب من 70 في المئة ، حيث تعتمد على الري بالتنقيط ، إضافة إلى إنعدام شبه تام لهدر المياه بفعل التبخر نظرا لما توفره الصوب من حماية للزراعات من إرتفاع درجات الحرارة.

وإذا كان ميناء الاسكندرية هو قاطرة تنمية مدينة الاسكندرية التاريخية ، فهل ستفتقر مدينة العلمين الجديدة لميناء يتم من خلاله مرور صادرات وواردات المدينة و المدن الأخرى للساحل الشمالي ؟ بالقطع لا ، فالأعمال تجرى حاليا لتحديث و توسيع قدرة ميناء الحمرا بالعلمين ، و هو ميناء مخصص لتصدير البترول المصري، المستخرج من حقول البترول في الصحراء الغربية . كما تمتلك العلمين مطارا دوليا يبعد نحو 12 كيلو مترا عن مدينة الضبعة.

ولكن هل ستقع مصر في نفس الخطأ السابق عندما أقامت مدنا جديدة في الشيخ زايد ، و أكتوبر ، و التجمع الخامس ، و العامرية، و غيرها من دون أن تربطها بخطوط سكك حديدية لنقل الركاب و البضائع ؟ بالقطع لا ، فقد تم الانتهاء من الدراسات الخاصة بتسليح مصر بأول قطار فائق السرعة، تستخدم قضبانه لنقل الركاب، و البضائع. و سوف ينطلق هذا القطار من العين السخنة حيث المنطقة الصناعية و السياحية هناك، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة مركز الحكومة، و المال ، و الأعمال، على أن يتوقف القطار في محطة المتحف الكبير بالهرم، و منه إلى الأسكندرية، و العلمين الجديدة .

وستصل سرعة هذا القطار ما بين 250 إلى 300 كيلو متر في الساعة ، و سوف تستخدم قضبانه في نقل البضائع، لكن بقطارات أقل سرعة . و يعني ذلك أنه سيصبح من السهل على السائحين الذين يصلون للعلمين عن طريق ميناء الحمرا أو مطار العلمين الدولي أن يقضوا وقتا طيبا في الإستمتاع بشواطئ العلمين الجديدة و زيارة متحف و مقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية، قبل أن يتوجهوا بعد ذلك لزيارة الإهرامات ، و المتحف الكبير في الهرم ، على متن القطار فائق السرعة في أقل من ساعة واحدة من الزمن . كما يعني تسليح مصر بهذا القطار فائق السرعة، تسهيل إنتقال أصحاب المصانع من الاسكندرية إلى العلمين الجديدة، في نصف ساعة، فضلا عن ربط العاصمة الإدارية الجديدة بالعلمين الجديدة في ساعة و نصف فقط . و من المقرر أن يبدأ تنفيذ مشروع القطار السريع في 2020 على أن ينتهي خلال 30 شهرا .

وهنا سيبادر البعض بالتساؤل، لماذا يتم إنفاق كل هذه الأموال في مشروعات معظمها في الصحراء ، ألم يكن من الأفضل توزيعها على الفقراء ، و الإبقاء على الدعم ؟ . تقديري أنه لا يوجد أفضل من التجربتين الصينية و الهندية للرد على هذا التفكير الخاطئ ، فعلى الرغم من أن الهند و الصين هما أكثر دولتين يعانيان من أعداد كبيرة من الفقراء ، إلا أنهما يحققان مع ذلك طفرة إقتصادية هائلة ، بفضل المشروعات المتعددة التي يقيمونها . فلم يطلب أحد في هاتين الدولتين تأجيل مشروعات البنية التحتية و غيرها من المشروعات العملاقة التي تتكلف مئات المليارات في المجالات السياحية، و الترفيهية، و الخدمية ،و الصناعية، و التكنولوجية ، لمنح موارد تمويلها للفقراء لكونهم يؤمنون بالعقيدة الدينية الصينية الهندية الشهيرة " علمني الصيد ولا تعطيني سمكة" أي وفر لي فرصة عمل لكي لا أظل عالة على غيري" .

أما أخطر الأمور ، أن القاهرة و الاسكندرية إكتظتا بسكانيهما ، و ذلك بفعل الهجرة الكثيفة إليهما من الريف ، بسبب إحتكارهما لمعظم موارد الرزق . فقد أثبتت الإحصائيات أن أكثر من 60 في المائة من سكان القاهرة و الإسكندرية من أصول ريفية ، و هذا يعني أن المدن هي التي توفر فرص عمل للمصريين . 

كما أدى تزايد الكثافة السكانية في القاهرة و الاسكندرية و مدن الوجه البحري على وجه الخصوص إلى تدمير الأراضي الزراعية الخصبة . و كشفت صورتان أخذتا بالأقمار الصناعية للدلتا، الأولى سنة 1972 ، و الثانية سنة 20017 ، عن أن ما يقرب من 50 في المئة من الأراضي الزراعية في دلتا النيل قد تم تدميرها بفعل الإعتداء السكاني ، خلال الــ 45 عاما التي فصلت بين الصورتين.

ويرى الخبراء أنه لو لم تكن مصر قد تأخرت عن بناء عاصمة جديدة بديلة للقاهرة و أخرى بديلة للاسكندرية في الصحراء من نصف قرن مضى ، ما تفاقمت ظاهرة العشوائيات بكل ما تحمله من كوارث في مجالات الجريمة ، و زنا المحارم، و التطرف ، وتجارة المخدرات ، و الإدمان ، و أطفال الشوارع . 

كما أدت الكثافات السكانية المتمركزة في 4 في المائة فقط من مساحة مصر إلى تغيير سلوك العديد من المصريين لتتحول نسبة غير قليلة من الشعب المصري من السلوك المسالم إلى الميل للعنف بل و للقتل و، الإرهاب، في إطار ما يعرف "بثقافة الإزدحام" .

وأخيرا، لن تساهم مدينة العلمين الجديدة، في تحويل الساحل الشمالي، إلى منطقة تنمية مستدامة طوال العام، لإستيعاب الزيادة السكانية الهائلة ، التي تقترب من 3 ملايين مواطن كل عام، في دولة تزيد عن 100 مليون نسمة ، يضاف إليهم 20 مليون أجنبي ما بين مقيم و لاجئ ، بل ساهمت ، مثلها مثل المشروعات القومية الكبرى الأخرى ، في توفير مئات الآلاف من فرص العمل، في قطاع البناء و المقاولات ، الذي تقوم عليه أهم الصناعات المصرية من حديد ، و أسمنت، و سيراميك، و رخام، و أدوات صحية، و أثاث ، و أدوات كهربائية و أجهزة إلكترونية وكهربائية.