الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مونيكا وليم تكتب: أفريقيا..ما بين الإرهاب والتنمية

مونيكا وليم
مونيكا وليم

صدر تقرير مؤشر الإرهاب العالمي2019 من قٍبل معهد الاقتصاد والسلام، والذي يتضمن دلالات عدة متعلقة بنتائج المؤشر أبرزهاالتراجع الملحوظ في معدلات العمليات الارهابية مقارنة بالعام الماضي فقد أشار التقرير إلى تقلص عدد ضحايا العمليات الإرهابية هذا العام مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية حيث بلغت نسبة الانخفاض نحو 15.2%، الا ان هناك اتساع فيدائرة انتشاره هذا العام.
كما أوضح التقرير تراجع ضحايا الإرهاب خلال العام الماضي في أوروبا؛ حيث لم يسجل سوى 62 قتيلًا في خمسة بلدان أوروبية، رغم المخاطر التي تظل عالقة فيها، بسبب ملفّ العائدين من ميادين القتال.

تجدر الإشارة إلى الجانب الزمني لصدور هذا التقرير فهواول تقرير يصدر في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم داعش ومقتل زعيمهأبي بكر البغدادي.

وطبقا للتقرير فهناك تمركز واستيطان الجماعات الإرهابية في مناطق الصراعات والاضطرابات فيمثل عدم الاستقرار السياسي البيئة المواتيةالتي ينموبها تلك الجماعات؛ حيث إن 95% من هذه العمليات على الصعيد العالمي تحدث في هذه المناطق، وهو ما يعزز فرضية استغلال الجماعات الإرهابية لحالة غياب الاستقرار، وتوجد على رأس هذه المناطق المشتعلة أربعة بلدان،أبرزها في القارة الأفريقية، وهي: مالي وموزمبيق وبوركينا فاسو ونيجيريا والتي احتلت المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر عرضا للإرهاب ، وبذلك تعد منطقة الساحل في أفريقياأكثر المناطق المتفجرة.

وخلال قراءة المعطيات الواردة بالمؤشر، يتبين مفارقة متعلقةبالعراق الذي شهد أبشع التنظيمات الإرهابية، منذ عام 2014تزامنا مع ظهور تنظيم داعش إلا انها أصبحت أكثر استقرارًامقارنة بأفغانستان التي احتلتها الولايات المتحدة الأمريكية، عام 2001، وقضت على حركة طالبان ولاحقت تنظيم القاعدة؛ فأفغانستان تحتل المرتبة الاولي في مؤشر الإرهاب مما يدل على ان الإرهاب عاد بعد 18 عامًا إلى المكان نفسه.

ومع تنامي ظاهرة الإرهاب عالميا؛ أصبحت أفريقيا ملجأ للعديد من التنظيمات التي تبحث عن البيئة المناسبة لتنفيذ نشاطاتها. ومثلت الظروف المحيطة بالقارة دافع رئيسي لتلك التنظيمات؛ حيث ساعد غياب الأمن وضعف القيادة السياسية في أفريقيا علي جعلها مقصد ومع التطلع علي خريطة أنتشار التنظيمات الإرهابية بالقارةيتبين اشتعال منطقة الحزام الأوسط في نيجيريا والتي تشهد صراعًا على الموارد والمراعي،فقد ارتبط تنامي هذا الصراع في السنوات الأخيرة بتزايد عدد السكان والتصحر وتغير المناخ الذي أثر بالسلب على طبيعة الأراضي في شمال نيجيريا والتي كان يستخدمها سكان عرقية الفولاني تاريخيًّا في الرعي، ومن ثم انتقل العديد من سكانها إلى المناطق الأخرى التي يسكنها المزارعون. 

وفي هذا السياق، ظهر متطرفو الفولاني لينفذوا العديد من الهجمات الإرهابية ضد المزارعين الذين ينتمون في الغالب للديانة المسيحية. وبالتالي، أصبحت منطقة الحزام الأوسط بنيجيريا أبرز مناطق التوترات التي تشهد تناميًا في نشاط الحركات المتطرفة، وهو ما يمنح التنظيمات الإرهابية الرئيسية ("القاعدة" و"داعش") فرصة مواتية لتمديد نفوذها.

كما يلاحظ تزايد نفوذ بعض التنظيمات مثل«داعش» بمنطقة بحيرة تشاد، وذلك للفراغالسياسي والأمني في ليبيا التي تعد المجال التي يتحرك في إطارها أي تنظيم إرهابي، حيث تمكنه من المرور عبر تشاد، ولذلك ترغب هذه التنظيمات الإرهابية في استغلال الأوضاع الراهنة لإعادة بناء نفسها مع قرب نهاية الحسم النهائي للأوضاع في سوريا، وبالتالي أفضل مكان بالنسبة لهذه التنظيمات الإرهابية هي إعادة التموقع في منطقة الساحل الافريقي. 

ولعل تتعدد العوامل التي تدفع الجماعات الإرهابية نحو القارة الافريقية ما بين داخلية وخارجية فهي تشهد تصعيدًا خطيرًا وتنافسًا على تمديد النفوذ بين تنظيمي القاعدة وداعش فقد يوجدبمنطقة ساحل افريقيا نحو 9000 إرهابي، وخلال عام 2017 شهدت المنطقة نشاطًا ملحوظًا للتنظيمات الإرهابية. فعلى سبيل المثال، تعرضت مالي لـ 77 هجومًا إرهابيًّا وقُتل على إثرها 141 شخصًا وتنسب أغلب هذه الهجمات إلى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي ظهرت في مارس 2017 نتيجة تحالف عدد من مقاتلي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"جبهة تحرير ماسينا" التي تستند إلى العرقية الفولانية، وحركتي "أنصار الدين" و"المرابطين". 
فتتمثل الأسباب الداخلية في تغيير أوضاع بعض دول المنطقة وربما تعد السودان ابرز نماذج زعزعة الاستقرار فهي تفع علي تماس حدودي مع تشاد فيتغيير الأوضاع في السودان التيتقع على تماس حدودي مع تشاد وفيه تنتشر تجارة الأسلحة، وهذا يعتبر أحد العوامل المحفزةالمستغلة من قبل الجماعات الإرهابية فالفرصة بالنسبة لها مواتية لفرض نفوذها،إلى جانب ذلك فهناك استغلالللعنصر القبلي لصالح تحقيق اهداف تلك الجماعات فيما يخص خلق مساحات للتحرك خاصة مع القبائل التي تسيطر على منافذ التهريب والموارد الطبيعية وذلك لتوفير مساحات للتحرك تساعد على انتشارها وتوفر لها مزيد من الدعم المالي.

فيما تتعلق الأسباب الخارجية بتسّبب تدويل بعض الأزمات الأفريقية إلى سوء الأوضاع في بعض الدول وتنامي ظاهرة الإرهاب مثلما حدث في ليبيا فقد تحولت إلى سوق لتجارة السلاح وتعاظم وجود الخلايا الإرهابية العابرة للحدود حيث امتد أثرها إلى تشاد والنيجر وفي الوقت ذاتهتراجع الدعم الدولي لبلدان الساحل الافريقي في محاربة الإرهاب خاصة فرنسا والولايات المتحدة الامريكية، فالولايات المتحدة قد خفضت من الميزانية الموجهة للجهد العسكري وذلك تزامنا مع السياسة الانعزالية والانسحابيةالمنتهجة من قبل الإدارة الامريكية وسياستها الخارجية.

أمافرنسا فلم تقدم بما يكفي من الدعم جراء انكفاءها على أوضاعها الداخلية، خاصة مع انشاء مجموعة 5 ساحل والتي ترتكز المساهمات المالية فيها لدول أخرى خاصة الامارات والسعودية وهذا انعكس على الجهد الموجه لمجابهة الإرهاب في المنطقة. 

والمؤكد ان مصالح القوي الدولية تتعدد وتتنوع بما يؤثر علي تفاعلاتها في المنطقة بشكل عام , الإ ان هناك دوافع عدة تجذب تلك القوى لخوض الحرب على الإرهاب في أفريقيا، وإن كانت تنخرط في هذه الحرب بمستويات متفاوتة حسب مصالحها، ومناطق تمركز تلك المصالح، فعلى سبيل المثال تركز الولايات المتحدة الأميركية في انخراطها ضد الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مضيق باب المندب الفاصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي باعتبارها من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية، ولها تأثير كبير في حركة الملاحة العالمية، كما تستخدم الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية في جيبوتي لمواصلة الضغط على حركة الشباب وداعش في الصومال.

وفي السياق ذاته ، تفضل قوى عالمية أخرى خوض الحرب على الإرهاب في مناطق أخرى ، على غرار فرنسا التي تخوض حربًا شرسة ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميالذي ينشط في منطقة الساحل الأفريقي، وهي منطقة نفوذ حيوي بالنسبة لفرنسا وتوجد بها مصالح فرنسية كبيرة، من أبرزها مناجم اليورانيوم في شمال النيجر.

فضلا عن دول أوروبية أخرى تخوض حربها علي الإرهاب في القارة ، إما بالتحالف مع الفرنسيين أو الأميركيين، بينما يتزايد بقوة النفوذ الروسي والصيني في القارة، وهو نفوذ اقتصادي في البداية، ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح نفوذًا أمنيًا وعسكريًا مع توقيع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع الحكومات المحلية لمحاربة الإرهاب.

الخلاصة ان مكافحة الإرهاب في القارة الافريقية علي وجه الخصوص لابد وان يبدأ من مواجهة مسببات الإرهاب وذلك بتبني نهج يضمن تفعيل دور المؤسسات الإقليمية في هذا الشأن بعيدا عن الدور الدولي الذي ترتكز عليه استراتيجيات الدول الافريقية.