الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتشار الإسلام بالسيف .. المفتي السابق يفند الشبهة بالأدلة والأرقام

انتشار الإسلام بالسيف
انتشار الإسلام بالسيف

يروج البعض لشبهة انتشار الإسلام بالسيف، وهذا الكلام عارٍ من الصحة، بنص القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 107].


إن هذا البيان القرآني بإطاره الواسع الكبير الذي يشمل المكان كله، فلا يختص بمكان دون مكان، والزمان بأطواره المختلفة وأجياله المتعاقبة فلا يختص بزمان دون زمان، والحالات كلها سلمها وحربها فلا يختص بحالة دون حالة، والناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فلا يختص بفئة دون فئة؛ ليجعل الإنسان مشدوهًا متأملًا في عظمة التوصيف القرآني لحقيقة نبوة سيد الأولين والآخرين «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 107] رحمة عامة شاملة، تجلت مظاهرها في كل موقف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجاه الكون والناس من حوله.


قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من يقرأ التاريخ ويلاحظ انتشار الإسلام على مر العصور يعلم أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل انتشر بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها، وإنما بإقامة العائلات بين المسلمين وغيرهم وعن طريق الهجرة المنتظمة من داخل الحجاز إلى أنحاء الأرض.


وأضاف «جمعة» عبر صفحته بـ«فيسبوك» ردًا على شبهة انتشار الإسلام بالسيف، أن هناك حقائق حول هذا الانتشار حيث يتبين الآتي في المائة العام الأولى من الهجرة: كانت نسبة انتشار الإسلام في غير الجزيرة كالآتي ففي فارس «إيران» كانت نسبة المسلمين فيها هي 5%، وفي العراق 3%، وفي سوريا 2%، وفي مصر 2%، وفي الأندلس أقل من 1%، أما السنوات التي وصلت النسبة المسلمين فيها إلى 25% من السكان فهي إيران سنة 185 هـ، والعراق سنة 225 هـ، وسوريا 275 هـ، ومصر 275 هـ، والأندلس سنة 295هـ.


وأكمل: السنوات التي وصلت نسبتهم فيها إلى 50% من السكان كانت بلاد فارس 235 هـ، والعراق 280 هـ، وسوريا 330 هـ، ومصر 330هـ، والأندلس 355 هـ أما السنوات التي وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 75% من السكان كانت بلاد فارس 280 هـ، والعراق 320 هـ، وسوريا 385 هـ، ومصر 385 هـ، والأندلس سنة 400 هـ.


وأكد أن من يعلم هذه الحقائق ويعلم أن من خصائص انتشار الإسلام عدم إبادة الشعوب، والإبقاء على التعددية الدينية من يهود ونصارى ومجوس؛ حيث نجد الهندوكية على ما هي عليه وأديان جنوب شرق آسيا كذلك، وإقرار الحرية الفكرية، فلم يعهد أنهم نصبوا محاكم تفتيش لأي من أصحاب الآراء المخالفة، و ظل إقليم الحجاز مصدر الدعوة الإسلامية فقيرًا حتى اكتشاف البترول في العصر الحديث.


وأشار إلى أن كل هذه الحقائق وغيرها، تجعلنا نتأكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإنسان الكامل، وهو الرسول الخاتم الذي علم البشرية بأسرها فضائل الأخلاق، والتسامح، والنبل، والشجاعة، وعلى دربه سار أصحابه، والتابعون من بعدهم، وضرب المسلمون أروع الأمثلة للأخلاق وانبهر العالم من حولهم بهذه الأخلاق النبوية التي توارثوا جيلًا بعد جيل.


وذكر المفتي السابق، أن هذه لمحة من سمات الرسول المعلم، وكيف كان حاله وهو يجاهد باللسان والسنان في سبيل إعلاء كلمة الله، ولإتمام رسالة رب العالمين، ولم تكن حضارة المسلمين تراثًا مكتوبًا فحسب، بل كانت واقعًا عاشه المسلمون وعاشه معهم أنصارهم وأعدائهم وسجلته كتب التاريخ.


وتابع: ينبغي علينا أن نتعلم من رسولنا كل الأخلاق الفاضلة، والسلوك القويم؛ حتى نواجه العالم بحضارتنا المتجددة دائما، ولا نتبع أذناب الحضارات التي نحت الأخلاق بعيدا عن واقعها المعيش؛ فأمة الإسلام هي الأمة الشاهدة، وهي الأمة التي تحملت تكاليف الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فسد المسلمون وتركوا ما كلفهم الله به من مهام لإصلاح الأرض فسدت الأرض، فلننظر كيف عرف المسلمون وظيفتهم في الصدر الأول للإسلام، حيث قال ربعي بن عامر رضى الله عنه لرستم قائد الفرس عندما سأله: ما أنتم ؟ فأجابه بقوله : «نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام» [تاريخ الطبري].


شبهة انتشار الإسلام بالسيف
أوضح: أن الجهاد في الإسلام حرب في غاية النقاء والطهر والسمو، وهذا الأمر واضح تمام الوضوح في جانبي التنظير والتطبيق في دين الإسلام وعند المسلمين، وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة، إلا أن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، والإصرار على جعله طرفًا في صراع وموضوعًا للمحاربة، أحدث لبسًا شديدًا في هذا المفهوم -مفهوم الجهاد- عند المسلمين، حتى شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف، ويكفي في الرد على هذه الحالة من الافتراء، ما أمر الله به من العدل والإنصاف، وعدم خلط الأوراق، والبحث عن الحقيقة كما هي، وعدم الافتراء على الآخرين؛ حيث قال سبحانه في كتابه العزيز: «يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، ( سورة آل عمرآن: الآية 71).


انتشار الإسلام بالسيف
وواصل: وفطن لبطلان هذا الادعاء كاتب غربي كبير هو توماس كارليل، حيث قال في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة" ما ترجمته: إن اتهامه -أي سيدنا محمد- بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها. اهـ. "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" (ص166).


شبهة انتشار الإسلام بالسيف
ونقل قول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وآله وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده:"فقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة...، ولم ينتشر القرآن إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل ما زاد عدد المسلمين على خمسين مليون نفس فيها...، ولم يكن القرآن أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط] اهـ. "حضارة العرب" (ص12).


شبهة انتشار الإسلام بالسيف
وأردف: هذا وقد مكث رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بمكة ثلاثة عشر عامًا، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل في الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن لدى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثروة عظيمة يغري بها هؤلاء الداخلين، لم يكن لديه إلا الدعوة والدعوة وحدها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل المسلمون -لا سيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم- من صنوف العذاب وألوان البلاء؛ ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله، فما صرفهم ذلك عن دينهم، وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة في الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحدًا منهم ارتدَّ سخطًا عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاءً ونقاءً، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوةً وصلابةً، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة، وفي المرارة حلاوة. أفيصح مع هذه الحقائق الناصعة أن يقال: إن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم- قد قهر الناس، وحملهم على الدخول في دينه بالقوة والإرهاب والسيف؟!.


حقيقة انتشار الإسلام بالسيف
وأفاد: ويتبين من التدبر لآيات الله - سبحانه وتعالى-؛ أن القتال في الإسلام من أنقى أنواع الحروب، وقد تجلى ذلك من عدة نواحٍ كالتالي:1- من ناحية هدفه وأسلوبه.2- من ناحية شروطه وضوابطه. 3- من ناحية ما ترتب عليه من نتائج. أولًا: أهداف الحرب في الإسلام: 1- رد العدوان والدفاع عن النفس. 2- تأمين الدعوة إلى الله، وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها. 3- المطالبة بالحقوق السليبة. 4- نصرة الحق والعدل.


سمات الجهاد وشروطه فى الدين الإسلامى
واستطرد: 1- النبل والوضوح في الوسيلة والهدف. 2- لا قتال إلا مع المقاتلين، ولا عدوان على المدنيين.3- إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال؛ فلا عدوان إلا على الظالمين.4- المحافظة على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي تليق بالإنسان. 5- المحافظة على البيئة، ويدخل في ذلك النهي عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار، وإفساد الزروع والثمار، والمياه، وتلويث الآبار، وهدم البيوت. 6- المحافظة على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان، وعدم التعرض لهم.


الآثار المترتبة على الجهاد
وأردف:: 1- تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية. 2- إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس، وهو الشر الذي يؤدي إلى الإفساد في الأرض بعد إصلاحها. 3- إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم. 4- تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية. 5- تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس في أوطناهم.


حقائق غزوات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- والفتوحات الإسلامية:
ونوه بأنه أولًا إن مجموع تحركات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- العسكرية نحو ثمانين غزوة وسارية وإن القتال الفعلي لم يحدث إلا في نحو سبع مرات فقط، ثانيًا المحاربون كانوا كلهم من قبائل مضر أولاد عمه - صلى الله عليه وآله- وسلم فلم يقاتل أحدًا من ربيعة ولا قحطان، ثالثًا أن عدد القتلى من المسلمين في كل المعارك 139، ومن المشركين 112، ومجموعهم 251، وهو عدد القتلى من حوادث السيارات في مدينة متوسطة الحجم في عام واحد، وبذلك يكون عدد القتلى في كل تحرك من تلك الثمانين 3.5 أشخاص، وهذا أمر مضحك مع ما جُبل عليه العرب من قوة الشكيمة والعناد في الحرب أن يكون ذلك سببًا لدخولهم الإسلام وتغيير دينهم، رابعًا لقد انتشر الإسلام بعد ذلك بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها، وإنما بإقامة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، وعن طريق الهجرة المنتظمة من داخل الحجاز إلى أنحاء الأرض. 


خصائص انتشار الإسلام
وعد خصائص انتشار الإسلام: أ- عدم إبادة الشعوب. ب- معاملة العبيـد معاملة راقية، وتعليمهم، وتدريبهم، بل وتوليتهم الحـكم في فترة اشتهرت في التاريخ الإسلامي بعصر المماليك. ج- الإبقاء على التعددية الدينية من يهود ونصارى ومجوس؛ حيث نجد الهندوكية على ما هي عليه وأديان جنوب شرق آسيا كذلك. د- إقرار الحرية الفكرية، فلم يعهد أنهم نصبـوا محـاكم تفتيش لأي من أصحاب الآراء المخالفة. هـ- ظل إقليم الحجاز مصدر الدعوة الإسلامية فقيرًا حتى اكتشـاف البترول في العصر الحديث.


وشدد على أن هذه الحقائق ظلت باقية إلى يومنا هذا وعبر التاريخ، وعلى العكس منها تعرض العالم الإسلامي للاستعمار، ولإبادة الشعوب، وتهجيرها، ولمحاكم التفتيش، والحروب الصليبية، ولسرقة البشر من غرب أفريقيا، وصناعة العبيد في أمريكا من ملف واسع كبير، والغرض من ذكر ما سبق المقارنة بين نقاء الإسلام والحروب عند غيرنا قديمًا وحديثًا.


اقرأ أيضًا: