الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنسنة الإعلام والأمن المجتمعى (2)


تثار إشكالية الكيفية التى يتم من خلالها تناول الاعلام للازمات و المخاطر والتى تؤثر على جوانب أنسنة الاعلام واعتبارها معايير دقيقة من الأهمية بمكان الاهتمام بها و بتطبيقها ،   حيث أدت الطريقة التى تغطى بها الأزمات إعلاميًا، الى اثارة الجدل أخلاقيًا ومهنيًا.

فمعرفة الحقائق والوقوف على مصداقية تفاصيل الأزمات أصبحت تشكل عامل تهديد مباشر لحياة الناس وتشكيل الإحساس بالخطر الجمعي، وتلقي بظلالها على مستقبلهم، حينما تخلق التصريحات المتنافرة بين أطراف الأزمة جوًا متوترًا يؤثر مباشرة على نفسية المتلقي بأنه يعيش في بيئة مضطربة تمثل تحديًا لوجوده وحياته ، ومستقبله،  مع غياب دور هذه الوسائل  في إدارة الأزمات بحيادية، فضلا عن غياب الرؤية الموضوعية ، وعدم وجود معايير واضحة للإعلاميين، مما يوقعهم في أخطاء الممارسة ، ومن هنا فإنه من الضروري أنسنة هذه المضامين للقضاء على آثارها ونتائجها السلبية على المجتمع الذي يشكل العنف اليومي فيه مادة أساسية لوسائل الإعلام .

فضلا عن ذلك تتجلى مشكلات على مستوى التواصل ناشئة عن انعدام التناغم بين لغة الإعلام ولغة المجتمع العام، فالرسائل الإعلامية والبرامج الحوارية افتقرت إلى تأصيل ثقافة الحوار، وأصبحت تلك البرامج والأخبار سلعة سياسية، وقعت في إشكالية خلط الخبر بالرأي، والغوص في تفاصيل دقيقة دون تفسير عميق لما يحدث، وتهميش الاستعانة بمحللين  سواء في التعليق على الأحداث أو الانتقائية في اختيار الأحداث والصور.

فوسائل الإعلام أصبحت تعكس الخلافات السياسية أكثر مما تحرص على الصياغة الانسانية لما يحدث، الأمر الذي يستدعي العمل الجماعي لتعزيز المسؤولية الجماعية لأنسنة الإعلام وضبط دوره في الحياة البشرية، وان يعود بهويته وانتمائه إلى أسرة البناء الحضاري، وتنمية الحس الانسانى والتخلص من تسويق الرعب والفزع الذي يخفي وراءه التهويل والمبالغة والتزييف وخلق التوتر بين المواطنين، والخروج عن حدود أدب الحوار، وتحول النقد وحرية الرأي والتعبير إلى سب وقذف وإهانة، واتجهت بعض وسائل الإعلام إلى الهجوم على عقائد الآخر، وانتشار ظاهرة السجال الديني والسجال العقائدي.
 
كما جاءت الثورة الرقمية لتمثل تحديا اخر أمام تحقيق مفهوم أنسنة الاعلام .. فمن ناحية وفرت الثورة الرقمية إمكانية لأي شخص أن يصبح ناشرا، وقد خلق ذلك كمّا كبيرا جدًا من المنصات الإعلامية التي تفتقد غالبيتها للمهنية الإعلامية. 

وفي ذات الوقت استولت المنصات الرقمية الجديدة على السواد الأكبر من دخل الإعلانات حيث أصبح ما يقارب من 90 % من الإعلانات  العالمية وحتى المحلية منها والتي تنشر على مواقع رقمية ضخمة مثل فيسبوك وجوجل ويوتيوب .

وبمتابعة أداء وسائل الاتصال و بالتحديد شبكات التواصل الاجتماعى نجد الكثير من الأخبار والتصريحات التي لا تراعى القيم المهنية أو الانسانية من خلال التشويه والتلوين والحذف والإضافة، وإثارة الفزع بين الناس، او إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، فالعناصر اللفظية والمرئية، والخطية، والسمعية تشكل الخطاب الإعلامي وفق الصورة التي تتخيل فيها وسائل الإعلام جمهورها، وحسب مراكز اهتمامه، وفي صراع البقاء الذي فرضته هذه الأمور أخذ إعلام الإثارة و الأكاذيب وترويج  الشائعات دورًا أكبر للعديد من الأسباب منها:

غياب المحرر المهني وسيطرة السبق الصحفى و الأخبار السريعة على حساب الدقة و العمق و مراعاة الجوانب الانسانية و الموضوعية.

وبذلك أوضحت هذه التحديات أننا نحتاج الى إعلام هادف مؤنسن، غايته وهدفه الإنسان واحترام  آدميته، يسعى بالدرجة الأولى إلى تحقيق أهداف وغايات اجتماعية مستوحاة من حاجات المجتمع الأساسية ومصالحه الجوهرية، عن طريق أنسنة الموضوعات وترسيخ القضايا الإنسانية, والمساهمة في إعطاء المساحة الكافية لها، فهناك ضرورة ماسة إلى إعادة النظر في الأولويات والتغطيات الإعلامية وحجم الجانب الإنساني فيه، فأصبح من الضرورة أن نتجاوز إعلام الإثارة والعمل في مجال تكاملي يشمل عدم الاكتفاء بالكشف عن الأمور، إذ أن هناك ضرورة إلى توفير خيارات لحلول منطقية للمشكلة مع أهمية توضيح آثار تلك الحلول من كافة الزوايا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط