الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إلهة الحب والخير والجمال.. قصة عبادة مصرية انتشرت من شرق الصين إلى غرب بريطانيا

إيزيس وأوزوريس
إيزيس وأوزوريس

كان المصريون القدماء يعبدون إيزيس، إلهة الأمومة والسحر والخصوبة، لآلاف السنين، حتى انتشرت عبادتها خارج حدود النيل إلى بقية الإمبراطورية الرومانية ومنها إلى بعض دول العالم الأخرى.

البداية ترجع عندما اكتشف علماء الآثار في لندن عام 1912، إبريقا رومانيا يرجع إلى القرن الأول الميلادي، ويحمل نقش لإيزيس الإلهة المصرية، واتضح حينها أنه دليل قوي على انتشار عبادة من شمال أفريقيا إلى خارج حدود البلاد، ولكن إيزيس كانت شعبيتها واسعة فانتقلت عبادتها من مراكز العبادة المصرية إلى جميع أنحاء العالم.

بحسب موقع ناشيونال جيوجرافيك، فإن المصريين القدماء أحبوا إيزيس بسبب حبها لزوجها أوزوريس وابنها حورس، وبدأوا في عبادتها لأول مرة حول البحر الأبيض المتوسط، بعد تأسيس الحكم الهيليني في مصر في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم مع توسع القوة الرومانية توسعت عبادة إيزيس.

بحلول القرن الثاني الميلادي، كان الكاتب الروماني أبولو يمجدها ويطلق عليها «أم النجوم» و«أم المواسم» و«عشيقة العالم»، في الوقت نفسه الذي كان يعبدها عدة طوائف حول العالم، ابرزها الدولة الرومانية.



أصول مصرية
إيزيس هو الاسم اليوناني لاسم الإلهة، والتي كانت في مصر القديمة أسيت، وتعني «مقعد» أو «عرش»، وتم تصويرها على أنها امرأة نحيفة ترتدي ثوبًا، وغالبًا ما تظهر مرتدية تاج أعلى رأسها، ومع تنوع أدوارها الإلهية يتغير شكلها، غالبًا ما ظهرت حتحور، إلهة الأمومة المصرية المبكرة بقرص شمسي وقرون بقرة، وعندما ارتبطت إيزيس ارتباطًا وثيقًا بالأمومة تم تغيير غطاء رأسها.

وواحدة من أكثر الروايات شعبية عن أسطورة إيزيس، هي أنها واحدة من أطفال الإله جيب إله الأرض، ونوت إلهة السماء، وكانت قد تزوجت من أحد إخوتها الإله أوزوريس، والزوجان حكما العالم، ثم تم قتل أوزوريس على يد شقيقه الأصغر الغيور سيت، الذي قام بتفكيك الجثة وتفتيتها، فبحثت إيزيس عن بقايا جثته حول العالم وجمعت القطع مجددا وأحيت أوزوريس، ولكن بدلًا من كونه سيد الأحياء، أصبح أوزوريس سيد الموتى.


أنجبت إيزيس فيما بعد ابنها الإله حورس، الذي كبر ليطارد عمه سيت ويعيد النظام إلى العالم بتوازن، وتم العثور على قصة هذه الأسطورة في أقدم نقوش لإيزيس في نصوص الأهرام، والنقوش المقدسة المنحوتة في جدران مقابر الأهرامات في سقارة التي يعود تاريخها إلى المملكة القديمة (حوالي 2575-2150 قبل الميلاد).التي تعد من بين أقدم الكتابات المقدسة، والتي ركزت على الطقوس الجنائزية والمعتقدات الفرعونية حول رحلة الملوك خلال الحياة الآخرة من كتاب الموتى.

وفي البداية كانت تعبد إيزيس فقط في دلتا النيل، لكنها أصبحت إلهة مهمة في مصر القديمة بأكملها، واشتهرت بقدرتها الطيبة التي شملت الحياة والآخرة، واعتبرت حامية لجميع القتلى في المجتمع المصري، وليس فقط الفراعنة وعائلاتهم، وقدسها المصريون القدماء كمرأة مصرية أصيلة وزوجة وأم نموذجية.


من مصر إلى اليونان
عندما غزا الإسكندر الأكبر مصر عام 332 قبل الميلاد، كانت عبادة إيزيس تزدهر وتتوسع خارج حدود بلاده، حتى اعتنقها الإسكندر خلال زيارته لمدينة ممفيس وقدم الإسكندر تضحيات لأبيس إله الثور المصري المرتبط أيضًا بأوزوريس، وربط قوة الإله في عهده، وبعد وفاة الإسكندر في عام 323 قبل الميلاد، سيطر أحد جنرالاته، بطليموس الأول سوتر، على مصر وواصل ممارسة التسامح الدين في ظل حكم البطالمة

وكانت جزيرة فيلة مكان مقدس لإيزيس، وتقع في صعيد مصر بالقرب من حدود السودان، وتم بناء المعابد لها هناك منذ القرن السادس قبل الميلاد، وبدأ البناء على معبد لها جميل قبل قبل وقت قصير من غزو الإسكندر وانتهى بطليموس الثاني فيلادلفيا وخليفته، بطليموس الثالث في القرن الثالث قبل الميلاد.



الحكم البطلمي
في ظل الحكم البطلمي، استقر كهنة العبادة البطلمية على الاستقرار على إيزيس كرفيق سيرابيس، وتم دمج أوزوريس وأبيس مع سمات الآلهة اليونانية، بما في ذلك زيوس وهاديس لخلق إله واحد وهو سيرابيس، الذي ساعد على الارتباط بالعالم السفلي مع أوزوريس، وكان مركز عبادتهم في الإسكندرية، في مركز تجاري رئيسي تحت حكم البطالمة.


إيزيس تغزو العالم
مع انتشار التأثير البطلمي في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط​​، انتقلت عبادة إيزيس أيضًا من خلال الطرق التجارية إلى سواحل سوريا الحالية، وفلسطين، وتركيا، حتى أصبحت مرتبطة بالآلهة الإقليمية، ومنها إلى اليونان ولبنان حيث ارتبطت إيزيس بدميتر إلهة الزراعة، وفي المدن الرومانية، ارتبطت بفورتونا أي إلهة الحظ، وفينوس إلهة الحب.

وأقيمت معابد إيزيس في جميع أنحاء العالم، وكان من بينها معبد إيزيس في ديلوس في بحر إيجه ، وهي جزيرة صغيرة أصبحت مركزًا تجاريًا مهمًا في العصر البطلمي، وتم بناء معبد دوريك الذي لا تزال آثاره قائمة على الجزيرة، وفي أوائل القرن الثاني قبل الميلاد قبل التجار الرومان الذين يعملون في ديلوس وتبنوا عبادة إيزيس التي وجدوها هناك وعادوا بها عند عودتهم إلى نابولي، كامبانيا، أوستيا وروما وصقلية، حتى أصبحت إيزيس شعارًا للحكم البطلمي، وبحلول القرن الأول قبل الميلاد، وصلت عبادتها إلى غرب إسبانيا.


عبادة غامضة 
بحلول القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت عبادة إيزيس ليست إلا دينا غامضا، وتركزت المعتقدات الغامضة في الثقافة اليونانية عليها كصورة إله أو إلهة، مثل ديميتر أو ديونيسوس، وتضمنت عبادتها طقوسًا سرية، وكان الانضمام لعبادتها يتم بشكل سري للغاية، ولم يذكر سوى تفاصيل قليلة عن احتفالاتهم وطقوسهم الدينية لها في كتابات بلوتارخ.

وكانوا يعبدونها من خلال عدة طقوس أبرزها حلق الشعر واللحية، وما زال المؤرخين غير متأكدين من ممارسة باقي المهام وحقيقة وجود رجال دين أو تسلسل هرمي لهم، خاصة وأنالحكام الرومان لم يكونوا مغرمين بإيزيس كما كان قيادات الإسكندر الأكبر قبل قرون. 


قمع عبادتها
حاولت روما قمع عبادة إيزيس عدة مرات في القرن الأول قبل الميلاد، خاصة بعد ارتباط الملكة كليوباترا المصرية ارتباطًا وثيقًا بالإلهة إيزيس، مدعية أنها تجسدت فيها على الأرض، وبعد وفاة كليوباترا في 30 قبل الميلاد، انتهى الحكم البطلمي لمصر، وبدأت السيطرة الرومانية على مصر، وتم قمع عبادة إيزيس في روما.

أمر الأباطرة في وقت لاحق بتدمير معابدها، لكن عبادة إيزيس أعيدت في روما في القرن الأول الميلادي حيث أصبح المعبد المزدوج العظيم لإيزيس وسرابيس بالقرب من الحرم الجامعي مارتيوس في روما مركزًا دينيًا مهمًا، وازدهرت عبادة إيزيس وبلغت ذروتها في الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الثاني الميلادي، وانتشرت عبادة إيزيس في جميع أنحاء العالم الروماني، ووصلت إلى شمال بريطانيا وشرق آسيا.

وبعدما ازدهرت العقيدة المسيحية أدت إلى انخفاض ملحوظ في أعداد معتنقي الإلهة إيزيس، في منتصف القرن السادس، حين أغلق الإمبراطور جستنيان معبدها في فيلة بجنوب مصر وطرد كهنتها، وأطفئ الشعلة الرسمية لإيزيس التي كانت تحترق بثبات في مصر لمدة 2000 عام.