الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: المرأة والثقافة

صدى البلد

لطالما كان للمرأة دور كبير في إنتاج وتطوير الثقافة عبر التاريخ وكانت المحدد الرئيس في توجيهه وفق آليات تتوافق والمجموعة التي تعيش مع بعضها البعض، إن كانت قرية أو مدينة أو غير ذلك من تجمعات بشرية. كانت وما زالت هي الأساس في تحديد الهوية الثقافية للمنطقة التي تعيش فيها وعليها وهي كذلك في راهنا أيضًا. 

ومعلوم لأن للمجتمع دورًا أساسيًا في تحديد مصير تطور الفرد والانسان، لكنه بنفس الوقت يلعب المجتمع دور حجرة عثرة على طريق تطوره أيضًا. أي ثمة علاقة طردية بينهما ولا يمكن أخذه بسطحية هكذا. فحينما ننظر إلى الأفراد الذين يقولون أنهم أحرار في الفترة التي نعيشها ولهم الحق في فعل ما يشاؤون ومتى ما يريدون، نراهم يغوصون في الفردانية والأنانية حتى نخاع عظامهم، وبنفس الوقت حينما يكون الفرد مكبل بألف قيد وقيد من قبل المجتمع، نرى أن كِلاهما عبارة عن أفراد مشوهين بنفس الدرجة وبعيدين عن حقيقة الحياة وغارقين في فردانيتهما حتى نخاع العظام. 

لا يمكن تطوير المجتمع اعتمادًا على هكذا أفراد مشوهين ومرضى. والحقيقة هي أن المرحلة التي نعيشها والتي وصلنا إليها مع هكذا أفراد، طبعت المجتمع بكثير من الخصائص السلبية التي كانت السبب في زيادة الجهل والتشتت في الحالة المجتمعية التي نعيشها. وأثرت بشكل مباشر على السلوك العام والإنتاج وجعلت من المجتمع عبارة عن أشخاص مستهلكين وغير منتجين، ومتأثرين بالثقافة الغربية بعد أن ابتعدوا عن ثقافتهم المجتمعية الحقيقية.

لهذا كان من اللازم علينا إعادة التفكير بتعريف معنى الثقافة من جديد ووضعها على الطريق الصحيح، لتعيد للمجتمع والفرد رونقهما اللذين اغتربا عنهما. كثيرة هي الأطراف التي عرفت الثقافة وكل منها وفق جغرافيتها والشروط والظروف السائدة في تلك المنطقة وكذلك حالة الوعي التي كانت تعيشها، ولكن تبقى لكل منطقة ثقافتها الخاصة بها مع الإدراك أن الثقافة هي علاقة ما بين الشعوب وخاصة في المنطقة التي نعيشها. حيث أن شعوب هذه المنطقة كانت منذ فجر التاريخ تتعايش مع بعضها البعض ولم تعرف حالة الانفصال إلا في الفترة الأخيرة حينما كانت الثقافة الغربية وثقافة الاستشراق هي الحاكمة على علومنا وهويتنا.

لذا، ينبغي إعادة تعريف الثقافة من جديد وفق حقيقة منطقتنا الغنية بشعوبها وأثنياتها ودينها ومذاهبها وقومياتها. ويمكننا القول أن الثقافة هي مجموع كينونات المعاني والأسس التي طورها المجتمع عبر التاريخ. والكينونات هنا نقصد بها مجموع الهيئات المنفتحة للتطور وهي بنفس الوقت منفتحة للتطور ومتنوعة وغنية ومترابطة مع بعضها البعض، وبعيدة بنفس الوقت عن الانغلاق والتعصب والعصبوية. وكل هذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمعنى. لأن المعنى هو المحدد الأس في بث الروح في الثقافة. بمعنى من المعاني حينما نعيش الثقافة من دون معنى، حينها علينا أن نعلم أننا بعيدين عن روح الثقافة وهو عدم ابداء المعنى للمصطلحات والكلمات التي نرددها يوميًا وأننا غير ملزمين بها. أي نرددها ولا نحياها. وهذا ما يبعدنا عن معنى الحياة إن كانت الثقافة هي المحدد لمعنى الحياة.

والاكتفاء بالتعريف الضيق للثقافة على أنه فقط هو الفن والقانون الأخلاقي للمجتمع وعلم المجتمع، والتوقف هنا نكون نحن من قررنا إيقاف المجتمع عن التطور وتركه يراوح مكانه ويكرر ذاته حتى حين. لكن حين يتم ربط تلك الأمور بالمؤسسات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، هنا فقط يمكن أن نعطي للثقافة معناها الحقيقي المجتمعي وكذلك العام.

وعليه لا يمكننا الحديث عن مجتمع متطور إلا إن استطعنا ربط المعنى وقواعد الأخلاق المجتمعية والفن بالمؤسسات المعنية بالمجتمع، وإلا لن نخرج من دائرة الدوران في حلقة مفرغة ونعيد ما نعيشه لعدة قرون أخرى.

من هنا كان للمرأة دورها المحدد لتطور المجتمع. فمنذ ابعاد المرأة عن دورها الحقيقي في المجتمع وربطها فقط بأمور ثانوية وتم تقييدها بألف قيد وقيد تحت مسمى الدين والعيب والشرف والحرام وتغطيتها بمئات المصطلحات الغريبة، منذ هذه اللحظة راح المجتمع يفقد رونقه رويدًا رويدًا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. نعيش في مجتمع بعيد عن وعيه الذهني الخاص به وكذلك الوعي الجمالي للثقافة، وبات استنساخ التجربة الغربية أهم بكثير مما انتجته منطقتنا من ثقافة عبر آلاف السنين. والمشكلة الكبرى هي أن المرأة هي التي بدأت بالاغتراب عن الثقافة ونشرتها ضمن الأسرة على أنه تطور وابتعاد عن الجهل والتخلف. وهنا نكون قد قضينا على معنى الثقافة وروحها بأيدينا نحن.

لذا، إن أردنا العودة إلى حقيقتنا ينبغي أولًا أن تلعب المرأة دورها المنوط بها أولًا وهي أن ترتبط أكثر بتاريخها وثقافتها وأن تمنح المعنى لهذه الثقافة والتي ما هي إلا تراكم معنوي وروحي منذ ألاف السنين. وإلا لن نخرج من التكرار ونلحق بالآخر على أنه التطور، لكن في الحقيقة ما هو إلا تكريس للتبعية والابتعاد عن الذات.