الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. ضياء الدين صبري يكتب: دلائل اقتصادية في شهر الصيام

صدى البلد

إن الغرض من شعيرة الصيام والحكمة منها في شهر رمضان الكريم، يتجليان في حض النفس على الزهد والتقشف، واستشعار آلام الجوع التي يكابدها الفقراء، والتحرر من عبودية الاستهلاك التي تسيطر على المجتمع طوال العام، والحقيقة أنه إذا تحولت هذه العبادة إلى عادات استهلاكية تكون قد جاءت نقيض ما شرعت له من الناحية الشرعية، فترى الناس يستهلكون في شهر الصيام من المواد الغذائية والترفيهية أكثر من تلك التي يستهلكونها في سائر شهور العام وكأنما أفرغ بعد الصائمين شهر رمضان من غايته، وأعرضوا عن حكمته.

 أما من الناحية الاقتصادية فسنجد أن لها جوانب متباينة من حيث الإيجابية والسلبية، فمن الناحية السلبية: ظاهريًّا يقل الإنتاج بسبب تخفيض ساعات العمل، وضعف أداء العامل الصائم لكن ذلك في الأوساط الحكومية فقط، أما القطاع الخاص فالأمر يختلف تمامًا( ).

 ومن الناحية الإيجابية فبرغم مساوئ تصرفات المسلمين في هذا الشهر، بعدما حولوه لشهر استهلاكي مقابل أن يكون شهرا للادخار والتقشف، إلى أن هذا السلوك الاستهلاكي أصبح بصورة من الصور محركًا للاقتصاد بشكل عام، وفرصة لتصريف بعض المنتجات الراكدة أو الزائدة عن الاستهلاك في بعض الشهور التي تسبق شهر رمضان، فنجد أن قطاعات كثيرة تستفيد استفادة كبيرة من شهر رمضان، وخصوصا التجار والشركات المنتجة للمواد الغذائية والمنسوجات والملابس، والحلويات، وغيرها من المنتجات التي يقبل عليها الناس في شهر رمضان، لذلك يرصد هذا المقال بعض الدلائل الاقتصادية الإيجابية خلال شهر رمضان الكريم:

1ــــــ إعادة توزيع للدخول بين أفراد المجتمع:

يعتبر شهر رمضان فرصة للصائم للإحساس بألم الفقير، ومعاناته وحرمانه؛ فكثير من المسلمين يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولا يجدون ما يسد رمقهم؛ فما أحوج الصائم إلى تذكر هؤلاء والتكافل معهم، والأخذ بأيديهم للرفع من مستواهم الاقتصادي، وهذا بدوره يؤدي إلى تداول المال، وقيام نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع، وأكثر ما يكون هذا في شهر رمضان؛ حيث إن النفوس تكون أكثر تهيئة واستعداد ( ).

وشرع الإسلام أحكامًا مالية متعلقة بالصوم بقصد إعادة توزيع الثروات، والدخول بين أفراد المجتمع، ومن بين هذه الأحكام فدية العجز عن الصوم، وصدقة الفطر، وبعض الكفارات، إضافة إلى الجود والكرم والصدقات التطوعية التي توجه لصالح الفقراء والمحتاجين، وكل ذلك من شأنه أن يحدث توزانًا بين الدخول.

الشاهد مما سبق، أن شهر رمضان، بمفهومه الاقتصادي، شهر إعادة توزيع الثروات بين الفئات التي تسيطر على النسبة الكبرى من الثروات، لصالح الفئات الأقل دخلًا، والأكثر فقرًا، وهي الفئات التي تشكل النسبة الكبرى من الناس في شتى دول العالم( ).

ولا شك أن ذلك يعود على المجتمع بتنشيط اقتصاده ودوران عجلة الإنتاج؛ إذ يقبل الفقراء على شراء احتياجاتهم الأساسية، فيزيد الاستهلاك ومن ثم الإنتاج، وتنتعش الأسواق مما ينعكس في النهاية على الاقتصاد الكلي للدولة.

2ـــــ زيادة الإنتاج وتحسين كفاءته.
لم يكن الصيام يومًا وسيلة للخمول والكسل، ولم يفرضه الشارع الحكيم من أجل النوم وتقليص الإنتاج، بل هو وسيلة لمضاعفة الجهد وتربية للمؤمن على التحمل، والصبر، لذا فإن الصوم ارتبط لدى السلف الصالح بالعمل والإنتاج، وكثير من الإنجازات والانتصارات لم تتحقق إلا في شهر رمضان الكريم.
وعندما يعلم الصائم أن الله مطلع عليه، وأن ثمرة الصيام هي التقوى، وهذا الأمر خير وسيلة للتربية على الرقابة الذاتية، التي تدفعه إلى بذل المزيد في عمله واستغلال وقته بطريقة مثالية.
وكما يزيد الإنتاج تتحسن أيضا نوعيته، إذ إن البعد الروحي للصوم يدفع المسلم لمزيد من الإتقان والأمانة والرغبة في تحري الحلال والابتعاد عن كل مظاهر الحرام كالربا والغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل مما ينعكس بالإيجاب على العملية الإنتاجية.
ومعروف اقتصاديًّا: أن المحرك الرئيسي لأي اقتصاد هو الإنتاج، ولكن بشرط أن تستطيع بيع وتصريف هذا الإنتاج لكي تستطيع أن تستمر في الإنتاج بعد ذلك، وأن يَجد هذا المُنتَج المستهلك المناسب والقوى التي تستوعب هذا الإنتاج في السوق، وهو ما يوفره شهر رمضان من مستهلكين كُثر وأكثر شراهة لكل المنتجات سواء الغذائية المرتبطة بالصوم أو غير الغذائية مثل الملابس والهدايا المرتبطة بشهر رمضان، وهو ما يسهم في تنشيط السوق، وزيادة المنافسة( ) وتخفيض الأسعار، ومن ثم انتعاشة اقتصادية حقيقية في الشهر الكريم، يجب على الدولة دعمها والإشراف عليها، ومراقبتها حتى تحقق الهدف منها، وهو تنشيط وتحريك للسوق نحو النمو، من خلال استغلال هذا السلوك الاستهلاكي الضخم الذي تبذل دول كثيرة مجهودًا ضخمًا لإيجاده في أسواقها، وتُجند له ملايين الدولارات لتنشيط الإنتاج والأسواق من خلاله.  
3ــــ تحسين الجانب الصحي :
تؤكد كثير من الدراسات على الفوائد الصحية للصوم عبر تقليل الوجبات اليومية والامتناع عن الطعام والشراب طيلة النهار مما يؤدي إلى راحة الجهاز الهضمي والتخلص من السموم والفضلات المتراكبة على مدار إحدى عشر شهرًا، وفي هذا يقول رسول الله () في حديثه الشريف: " صوموا تصحُّوا "( )، وإن كان الحديث قد ضعفه بعض العلماء(*)، إلا أن معناه صحيح؛ فإن الصيام له فوائد صحية عديدة.
ولكي يدرك الإنسان أهمية الصوم الصحية يكفي أن يذكر أن ألمانيا افتتحت مستشفيات خاصة لا تعالج إلا بالصوم على الطريقة الإسلامية، وقد أثبتت هذه الوسيلة فعاليتها( ).
كما ذكرت بعض الدراسات أن صلاة التراويح تزيد من معدل التمثيل الغذائي في العضلات مما يؤدي لتوسيع الأوعية الدموية ومن ثم تقوية عضلة القلب وتنشيط الدورة الدموية.
ومن منظور اقتصادي؛ فإن تحسين الجانب الصحي يترتب عليه تخفيض النفقات والأموال التي ينفقها الفرد على علاج الأمراض مما يعد توفيرًا لهذه الأموال وإنفاقها في سلع استهلاكية     أو استثمارية أخرى، فيترتب على ذلك انتعاش للأسواق وتنمية للاقتصاد، كما ينخفض معه إنفاق الدولة على الصحة، وتوجيه هذه الأموال لمجالات اقتصادية أخرى.