الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

واقعًا جديدًا.. مدير تحرير الأهرام: كورونا ستدفع المؤسسات الصحفية لدخول عصر المنصات الإلكترونية

صدى البلد

قال فتحى محمود، مدير تحرير جريدة الأهرام، إن«جائحة كورونا خلقت واقعًا جديدًا لم تقتصر تأثيراته على الصحة العامة، بل امتدت لمعظم مناحى الحياة، خاصة ما يتعلق بالجوانب المالية، وهو العامل الأكثر تداخلًا مع صناعة الإعلام، فى ظل موجة الانكماش الاقتصادى العالمية».
وأوضح «فتحي»، خلال مقالته المنشورة فى جريدة الأهرام، أن كورونا خلقت نمط معيشى استهلاكى متزايد للإعلام الإلكترونى، مما يتيح الفرصة للمؤسسات الصحفية للدخول بقوة إلى عصر المنصات الإلكترونية، ونقصد هنا المنصات المتكاملة وليس مجرد نقل المحتوى الورقي.


وإلى نص المقال:

«يكتسب الحديث المطول الذى أدلى به وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل لقناة النهار مؤخرا أهمية كبيرة، لأنه فتح ملفات مهمة على رأسها سبل الخروج من الأزمة الحالية التى تعانى منها الصحافة المصرية.
والحقيقة أن جائحة كورونا خلقت واقعا جديدا لم تقتصر تأثيراته على الصحة العامة، بل امتدت لمعظم مناحى الحياة، وخاصة ما يتعلق بالجوانب المالية، وهو العامل الأكثر تداخلًا مع صناعة الإعلام، فى ظل موجة الانكماش الاقتصادى العالمية الحالية، واختلف التأثير الذى احدثته كورونا فى معطيات صناعة الإعلام باختلاف الوسيلة الإعلامية، لكن الصحافة المطبوعة تحملت النصيب الأكبر من الخسائر، نظرا لاعتماد مصادر تمويلها على التوزيع والإعلانات التى انحسرت إلى أدنى مستوياتها، فقد أدت تداعيات هذا الفيروس على المجتمع إلى تغيير العادات الشرائية للقارئ، نتيجة القرارات الاحترازية التى فرضتها الحكومات من حظر جزئى أو كلى للتجوال، مما أدى إلى احتجاب الكثير من الصحف عن الصدور، مثلما حدث فى دول الخليج العربى، وغيرها، وانخفاض ضخم فى توزيع الصحف التى مازالت تصدر.
وإذا كان مطلع الألفية الثالثة، قد شهد جدلا كبيرا حول مصير الصحافة الورقية فى ظل الانتشار الواسع لشبكة الانترنت، واعتماد قطاعات كبيرة من الجمهور فى متابعة الأحداث على شبكات التواصل الاجتماعى وتطبيقات الهواتف الذكية المدعومة بالمواقع والبوابات الإلكترونية، فإن جانحة كورونا جاءت لتضع حدا لتلك الإشكالية وتجبر الغالبية العظمى من قراء الصحافة الورقية للاعتماد على وسائل آخرى.
وعلى الرغم من استمرار صدور الصحف الورقية فى مصر، إلا أن المؤسسات الصحفية اضطرت إلى تسويق نسخها الورقية عبر وسائط إلكترونية (Pdf ) لتستطيع الوصول إلى القارئ، بل بادرت بعض الصحف الخاصة بإرسال نسخها الإلكترونية إلى من يرغب عبر الواتس اب.
علاوة على أن انهيار مبيعات الصحف الورقية تزامن مع انحسار الإعلانات التى طالت جميع وسائل الإعلام تقريبًا، فالأزمات الاقتصادية للشركات والمؤسسات قللت من الإنفاق على الإعلانات وخاصة فى وسائل الإعلام التى تعانى من ضعف الانتشار، مثل الصحافة المطبوعة وإعلانات الشوارع.
هذه التأثيرات أظهرت مدى الحاجة إلى نظم تمويل مبتكرة للمؤسسات الصحفية، فنظام التمويل التقليدى المعتمد على التوزيع والإعلانات أثبت عدم قدرته على مواكبة التغييرات الحديثة، والصحف المصرية تعانى من أزمة كبيرة من قبل ظهور جانحة كورونا، وتداعيات الأزمة الحالية سوف تستمر لفترة طويلة فى العالم أجمع، بجانب أن ثقافة الدفع مقابل المحتوى التى تتبعها بعض الصحف العالمية فى مواقعها الإلكترونية لا تصلح فى السوق المصرى لأن المحتوى الصحفى المقدم ورقيا وإلكترونيا متشابه ومتاح مجانا عبر وسائل إعلامية أخرى، حتى الدعم الحكومى للصحف فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية قد لا يستمر طويلا إذا لم تكن هناك خطة واضحة لإعادة هيكلة المؤسسات الصحفية لتكون قادرة على المنافسة وإيجاد سبل تمويل جديدة لها.
وإذا كانت جائحة "كورونا" قد فاقمت من الأزمات والخسائر التى تعانى منها الصحافة، فأنها تشكل فرصة مهمة أيضا للبحث عن خارطة طريق لتطوير صناعة المحتوى بكافة مراحل إنتاجه وتسويقه، بجانب نظم تمويل تناسب مع اقتصاد ما بعد الكورونا، وهناك أفكار كثيرة فى هذا الصدد قد تجد الاهتمام الكافى من كل الجهات المسئولة عن الصحافة والإعلام فى مصر، لنعبر إلى بر الأمان.
ففيما يتعلق بعملية إنتاج وتسويق المحتوى، فإن الأزمة الحالية اثبتت أن إنتاج المحتوى داخل المكاتب ومقرات المؤسسات الصحفية لم يعد ضروريا، وأنه من المهم التحول إلى نظام "غرفة الأخبار الافتراضية" الذى تعمل به الصحف العالمية الآن، فدورة العمل الصحفى لا تحتاج إلا لتدريب الصحفيين على العمل عن بعد، عبر هذه الغرفة التى تسمح بأنتاج ونشر المحتوى خلال ثوان معدودة الكترونيا، أو تحويله إلى القسم الفنى بالصحف الورقية مباشرة، بالإضافة إلى ضرورة التحول إلى المنصات الإلكترونية الإعلامية المدعومة بشبكات التواصل الاجتماعى، والمتوفرة عبر تطبيقات الهواتف والتلفزيونات الذكية، حيث خلقت كورونا نمط معيشى استهلاكى متزايد للإعلام الإلكترونى، مما يتيح الفرصة للمؤسسات الصحفية للدخول بقوة إلى عصر المنصات الإلكترونية، ونقصد هنا المنصات المتكاملة وليس مجرد نقل المحتوى الورقى إلى وسيط إلكترونى، فالمنصات الإلكترونية الإعلامية المتكاملة لا تقتصر فقط على المحتوى الأخبارى والصحفى، بل تمتد لإنتاج محتوى ثقافى وترفيهى ودرامى متنوع، وقد سعت بعض المؤسسات الصحفية الكبرى منذ سنوات إلى إنشاء قناة تلفزيونية فضائية لتواكب العصر وتنقل ريادتها إلى وسيط إعلامى آخر، ولكن التكلفة الضخمة التى تطلبها إنشاء تلك القناة حتى تصل إلى نقطة التعادل بين الايرادات والمصروفات حال دون تنفيذ المشروع، إلا أن تلك المؤسسات تمتلك فرصة ذهبية الآن للريادة بإنشاء منصة إلكترونية إعلامية متكاملة دون الحاجة إلى تكبد تكاليف ضخمة مثل القناة الفضائية، خاصة أن دور الفضائيات يتضاءل تدريجيا والمستقبل سيكون لقنوات الانترنت.
أما مشكلات التمويل فإن حلها الأمثل هو الدمج بين الإعلام والاستثمار المالى والإقتصادى فى قطاعات ليس لها علاقة بالصحافة، فالتجربة العملية اثبتت أن اعتماد المؤسسات الصحفية على مصادر التمويل المرتبطة بصناعة الإعلام فقط غير كافية ومعرضة لتقلبات السوق، لذلك يجب على المؤسسات الصحفية سواء القومية أو الخاصة وضع خريطة استثمارية فى مجالات تتمتع إلى حد كبير بالإستقرار والإستمرارية، ولنا فى تجربة جامعة الأهرام الكندية مثالًا على الاستثمار الجيد طويل الأمد.
كما لايجب أن نغفل الدور الذى يجب أن تقوم به المؤسسات الصحفية والإعلامية فى مساعدة صانع القرار فى التعرف على إتجاهات الرأى العام، ولذلك لابد من إعادة الإهتمام ببحوث واستطلاعات الرأى العام خاصة أن لدينا كثير من أساتذة بحوث الرأى العام فى مصر على رأسهم الدكتورة راجية قنديل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة والتى تشرفت بأن أكون من طلابها فى مرحلة الدراسات العليا بكلية الإعلام منتصف الثمانينات، بالإضافة إلى كثير من الكوادر المتخصصة الموجودة بالفعل فى بعض المؤسسات..من رحم الأزمات تولد الفرص، ونحن أمام فرصة الآن لإعادة رسم خريطة صناعة الصحافة فى مصر لسنوات طويلة مقبلة».