الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. المفتي يجيب

حكم توزيع لحوم الأضاحي
حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق

حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق ..  شرعت الأضحية شكرًا لله تعالى على نعمه، ومن تمام ذلك مراعاة مقاصدها وأحكامها، ومن مقاصدها إراقة الدماء، وقد قيد الشرع ذلك بوقتٍ لا تجزئ الأضحية إلا فيه، وهو من بعد صلاة العيد حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، قال تعالى: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» [الكوثر: 2].

وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن الأمر بإمساك اللحوم أو تفريقها منوط بحاجة الناس إليها، فإذا كانت الحاجة والمصلحة تتحقق إذا تأخر توزيعها عن أيام التشريق جاز ذلك.

وأوضح مفتي الجمهورية في إجابته عن سؤال: «ما حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق» أن من مقاصد الأضحية التوزيع من لحومها على الفقراء والمساكين؛ قال تعالى: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» [الحج: 28]، ولم يقيد الشرع الشريف هذا التوزيع بوقت معين، بل جعل الأمر في ذلك راجعًا لمصلحة الفقراء؛ ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث للحاجة لذلك، ثم نسخ الحكم عندما زالت الحاجة.

واستدل بما روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»، فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ المَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» رواه البخاري.

ونص الفقهاء على جواز الإنابة في ذبح الأضحية إذا كان الوكيل مسلمًا، ولم يشترطوا أن يكون الذبح ببلد المضحِّي؛ إذ ليس في الشرع ما يدل على اشتراط ذلك، بل إنهم صرَّحوا بجواز الذبح في غير بلد المضحِّي؛ سواء كان الذابح هو المضحِّي أو نائبه أو وكيله.

قال الشيخ برهان الدين بن مازه الحنفي في "المحيط" (5/ 665، ط. دار إحياء التراث العربي): [الرجل إذا كان في مصرٍ وأهلُه في مصرٍ آخرَ، فكتب إليهم أن يضحوا عنه، فإنه يُعتَبَرُ مكانُ الذبيحة، فينبغي أن يضحوا بعد صلاة الإمام في المصر الذي يُذْبَحُ فيه].

وذكر العلامة ابن قاسم العبادي الشافعي في "حاشيته" على الغرر البهية (5/ 170، ط. المطبعة الميمنية): [قال في "الروض": ونقلُها عن بلدها كنقل الزكاة اهـ وهو المعتمد وإن نازع الإسنوي فيه، فالمراد بالفقير: فقيرُ بلدها، وينبغي أن يُعلَم أن المراد ببلدها: بلدُ ذَبْحِها. وقد ظن بعض الطلبة أن شرط إجزاء الأضحية ذبحُها ببلد المضحِّي؛ حتى يمتنع على من أراد الأضحية أن يوكِّل مَن يذبحُ عنه ببلد آخر، والظاهر أن هذا وَهَمٌ؛ بل لا يتعين أن يكون الذبح ببلد المضحِّي، بل أيّ مكان ذبح فيه بنفسه أو نائبه، من بلده أو بلد أخرى أو بادية: أجزأ].

فإذا ما أناب الإنسان غيره بالأضحية عنه في بلد غير بلده، ورغب في تفريق لحمها على فقراء بلده جاز له ذلك، ولا حرج عليه إن تأخر وصول لحمها عن أيام التشريق لمسافة الطريق وأمور النقل إن كان في ذلك مصلحة الفقراء، لأن أحد أهم مقاصد الأضحية: مصلحة الفقير؛ فكانت مراعاتها معتبرة.

ورأى الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 454، ط. مكتبة القاهرة): [الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته؛ كتفرقة اللحم، وذلك أنه لو ذبحها في الأيام، ثم خرجت قبل تفريقها، فرَّقها بعد ذلك]، وقال الإمام ابن الصلاح في "فتاويه" (2/ 710، ط. مكتبة العلوم والحكم): [مسألة: إذا وجب أضحية معينة فذبح يوم النحر ولم يفرق اللحم حتى تغير، قال أصحابنا: يتصدق بقيمته ولا تجب إعادة الأضحية؛ لأن إراقة الدم قد حصلت، بقي نفع المساكين].

ونبه مفتي الجمهورية على أنه لم يشترط الشرع الشريف تفريق لحوم الأضاحي قبل انتهاء أيام التشريق، بل أباح إمساكها لما بعد ذلك إن كان من وراء ذلك مصلحة مرجوة، وأهم المصالح في ذلك: إطعام الفقراء، فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ».

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّ النَّاسَ يَبْتَغُونَ أَدَمَهُمْ، وَيُتْحِفُونَ ضَيْفَهُمْ، وَيَرْفَعُونَ لِغَائِبِهِمْ، فَكُلُوا وَأَمْسِكُوا مَا شِئْتُمْ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "مسنديهما"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، وقال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1255، ط. دار الفكر): [(فأمسكوا) أي: لحومها مطلقًا، فالأمر للرخصة، وهو الظاهر من إطلاق الحديث].

وروى الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تُؤكَلُ لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟" قالت: "ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكُرَاع، فنأكله بعد خمس عشرة"، قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكَتْ، قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خبزِ بُرٍّ مأدومٍ ثلاثةَ أيامٍ حتى لحق بالله".

وإذا كان النهي عن إمساك اللحم بعد أيام التشريق إنما جاء لمصلحة الفقراء، ثم جاءت الرخصة بالإمساك، فإن هذا يقتضي أنه إذا كان في تأخير التوزيع مصلحة للفقراء؛ بزيادة أعداد الآخذين منهم، أو بزيادة القدر الذي يأخذونه من اللحم: فإن التأخير أَوْلَى مِن باب أَوْلَى.
وبذلك جاءت نصوص المذاهب الفقهية المعتمدة:

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (24/ 10، ط. دار المعرفة): [والنهي عن إمساك لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام قد انتسخ بقوله عليه الصلاة والسلام: «فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وتَزَوَدُوا»؛ فإن القربة تنادي بإراقة الدم، والتدبيرُ في اللحم بعد ذلك -من الأكل والإمساك والإطعام- إلى صاحبه، إلا أنه للضيق والشدة في الابتداء نهاهم عن الإمساك على وجه النظر والشفقة ليتبع موسرهم على معسرهم، ولَمّا انعدم ذلك التضييق أذن لهم في الإمساك]. وقال الإمام اللخمي المالكي في "التبصرة" (4/ 1566، ط. وزارة الأوقاف قطر): [أمر الله سبحانه وتعالى في الهدايا أن يُؤكَل منها، ويُتصدّق، فقال عز وجل: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وقال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36]. وأبان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الضحايا كذلك، فقال: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُمْسِكُوا مِنْ لحُومِ نُسُكِكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»، فأباح الإمساك بعد ثلاث، وأثبت الصدقة فلم ينسخها، فقال: «ادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»].

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 418، ط. دار الفكر): [يجوز أن يدخر من لحم الأضحية، وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام منهيًّا عنه، ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة المشهورة. قال جمهور أصحابنا: كان النهيُ نهيَ تحريمٍ، وقال أبو علي الطبري: يحتمل التنزيه، وذكر الأصحاب على التحريم وجهين: في أن النهي كان عامًّا ثم نسخ، أم كان مخصوصًا بحالة الضيق الواقع تلك السنة فلما زالت انتهى التحريم؟ وجهين، على الثاني: في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا هل يُحكم به؟ والصواب المعروف: أنه لا يحرم الادخارُ اليومَ بحالٍ]، وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 449، ط. مكتبة القاهرة): [ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، في قول عامة أهل العلم].