الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضوى صقر تكتب: حجوا إلى الله بقلوبكم

صدى البلد

من منّا لا يشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام، ويتمنى أن يؤدي مناسك الحج والعمرة ولو لمرة واحدة قبل لقاء الله عز وجل؟ ولكن، تأملوا معي الموقف الذي نعيشه الآن، فهناك كثير من الأشخاص الذين يملكون المال اللازم لأداء مناسك الحج، وهم أيضًا في أتم صحة وعافية ولديهم كل ما يمكنهم من أداء تلك الفريضة العظيمة، ولكن منعتهم أزمة انتشار وباء كورونا والإجراءات الاحترازية من الذهاب للحج هذا العام، وهو أمر لو تعلمون عظيم!


ولا أخفيكم سرًا، فإن ما نعيشه اليوم يدعو للتأمل والتدبر يا أولي الألباب؛ ذلك أن بيت الله الحرام، وجبل عرفات، والمسعى بين الصفا والمروة لن يشهدوا تلك الملايين من البشر الذين اعتدنا مشاهدتهم وسماعهم وهم يُلبون ويصلون ويدعون ويبتهلون، على الرغم من توافر الإمكانيات المادية والصحية لدى ملايين البشر لأداء فريضة الحج، فهل يُرسل الله لنا رسالة مفادها أنه الغني عن تلك المناسك، وأنه يريد منا التوجه لأداء عبادات والتقرب إليه بوسائل وطرق أخرى؟


هنا يثور التساؤل، أيهما أَوْلَى؟ أن تؤدي فريضة الحج، أم أن تَمُد يد العون لجارك الذي تسبب وباء كورونا في توقفه عن العمل لأنه يعمل بمهنة غير منتظمة؟ هل من الأفضل أن تذهب لأداء فريضة الحج أم أن تدخل البهجة على جارك الفقير في أيام العيد سواء بمساعدات مادية أو عينية؟ هل يرضى الله أن يتم صرف ملايين الجنيهات والدولارات والليرات والدراهم والدنانير ...الخ مقابل أداء مناسك الحج، وهناك شعوب عربية وإسلامية تكافح من أجل تدبير قوت يومها؟


إن الأمر برمته يتطلب منا إعادة النظر في علاقتنا جميعا -وأنا منكم ومعكم- بالله عز وجل، فالأمر لم يقتصر على مناسك الحج، ولكنه أيضًا تكرر وبشكل أصعب مع صلوات القيام في المساجد والتي مُنِعت في معظم البلاد العربية والإسلامية خلال شهر رمضان، وأيضًا تكرر نفس الشئ مع صلاة عيد الفطر، فهل هناك رسالة إلهية من وراء كل ما يحدث؟


لا أخفيكم سرًا، فإن كل تلك الأحداث تجعلنا نفكر، هل تحولت علاقتنا بالله -عز وجل- إلى طقوس شكلية نؤديها بصلواتنا في المساجد وبأداء مناسك الحج والعمرة، دون أن يكون لتلك العبادات العظيمة أثر في نفوسنا وأرواحنا ينعكس بدوره على سلوكنا مع بعضنا البعض وتجاه عائلاتنا وأصدقائنا وجميع أفراد مجتمعنا؟


وباختصار، فإن أحد الدروس المستفادة من أزمة وباء كورونا -من وجهة نظري الشخصية-هو أننا لابد وأن نتقرب إلى الله عز وجل بتحسين سلوكياتنا تجاه بعضنا البعض، فالمسلم هو من سَلِمَ الناس من لسانه ويده، وهو أيضًا مأمور بإتقان عمله، والإيمان بأن العمل عبادة، وبأن المسلم والمؤمن الحق لا يمكن أن ينام قرير العين ولديه جار جائع، أو محتاج، أو لا يستطيع أن يدبر قوت يومه.


علينا أن نحج إلى الله بقلوبنا، وأرواحنا، وأموالنا، وأعمالنا، وأن نؤمن بحق أن "الدين المعاملة"، ولا يعني كلامي -لاسمح الله- التقاعس عن أداء العبادات، أو عدم التمسك بها، وإنما أعني ضرورة انعكاس الصلاة والصيام والزكاة والحج وكل ما تحمله تلك العبادات من قيم ودلالات ودروس إلى واقع روحي وسلوكي نعيشه في حياتنا اليومية، فالله غني عن عبادات لا تُلين القلب، ولا تُهذب الروح والنفس، ولا تعف الجسد، ولا تمنع اللسان عن الكذب وقول الزور، ولا تمنع اليد عن الرشوة والفساد وأكل المال الحرام، ولا يرضى الله عن عبادات تُستخدم كحجة لتعطيل مصالح الناس وزيادة معاناتهم، فخير الناس أنفعهم للناس، فاتقوا الله في أنفسكم، عسى أن يرفع الله عنا هذا البلاء.


وختامًا، أُذكركم ونفسي بقوله تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (سورة الروم، الآية 41).