الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. عواد محمود عواد يكتب: العشر الأوائل من ذي الحجة .. مجمع الطاعات

صدى البلد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد...
فإن الله ـ تعالى ـ فضل بعض الأزمان على بعض، ففضل العشر الأوائل من ذي الحجة على غيرها، ولكن قبل الحديث عن جهات تفضيل هذه الأيام على غيرها أشير إلى حقيقة مهمة، وهي: أن تفضيل بعض الأيام على بعض، بل والتفضيل بصفة عامة لا يكون إلا بقاطع شرعي، وفي هذا تأكيد على قيومية الله ـ تعالى ـ وهيمنته على خلقه، وأنه وحده له الخلق والأمر والحكم والتدبير، وأنه ـ سبحانه ـ هو الذي يُحسِّن الشيء، أو يُقَبِّحُه، وهذا يذكرنا بالقاعدة التي أجمع عليها أهل السنة، وهي: أن الحسن والقبح تابعان للأمر والنهي، والشيء لا يشتمل على صفات ذاتية والعقل يقتصر دوره على استنباط جهات الحكم بالحسن أو بالقبح.


ومن باب الإسقاط أقول: هذه الأيام ليس لها فضيلة ذاتية، وإنما جاء تفضيلها لما تعلق بها من فضائل ومناقب جاءت بها النصوص الشرعية. 
ومن فضائل هذه العشر: 
1ـ أن الله تعالى ـ أقسم بها في القرآن الكريم، فقال:﴿ وَالْفَجْرِ*وَلَيَ الٍعَشْرٍ ﴾ [سورة الفجر الآيتان 2،1] ، والله تعالى العظيم لا يقسم إلا بشيء ذي شأن عظيم، كما أن الله ـ تعالى ـ قرنها بأفضل الأوقات، وهو فجر يوم النحر، ويوم النحر من أعظم الأيام عند الله تعالى.

2ـ أن الله ـ تعالى ـ سماها بالأيام المعلومات، التي حث عباده على ذكره فيها فقال سبحانه:﴿ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ  فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [سورة الحج آية 28].

3ـ وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذه العشر بأنها أفضل أيام الدنيا، وهي أحب الأيام إلى الله ـ تعالى ـ والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، فقال : (مَاالعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا : وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ : وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّارَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ).


ومن هذا الحديث يتبين لنا أن العمل الصالح في هذه الأيام يتسع مجاله، فلا يقتصر على صنفٍ بعينه من الأعمال، بل الحث على مطلق العمل الصالح أيما كان نوعه؛ ولهذا كانت أبواب البر والخير كثيرة في هذه الأيام: 

أ ـ فهي أيام الحج الأكبر، وفيها تقع غالب مناسكه.
ب ـ وهي أيام الصلوات، ففيها الصلوات المفروضة، وما يتبعها من النوافل، وما يتطوع به العبد من صلوات تعظيمًا لحق هذه الأيام، واغتنامًا لفضلها.
ج ـ وفيها ذكر الله ـ تعالى ـ وما يشمله من تسبيح وتهليل وتحميد، وقد حضَّ الله عباده على ذكره، فقال سبحانه:﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَاللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ).

د ـ تلاوة القرآن الكريم، ومدارسة العلم؛ فإن هذا باب من أبواب طاعة الله ـ تعالى ـ والتقرب إليه في كل وقت، فيكون من جملة العمل الصالح الذي يتقرب به العبد إلى الله في هذه الأيام العشر.

هـ ـ الصدقة، فالصدقة مطلقًا من أسباب رضا الله ـ سبحانه ـ ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ)، وتتأكد الصدقة في هذه الأيام تقربًا لله ـ تعالى ـ وتحقيقًا للتكافل الاجتماعي بين المسلمين؛ ولذا فقد شُرعت الأضحية، التي جُعلت طُعمة للفقراء والمساكين، وتوسعة على الأهل، وسببًا من أسباب الصلة والتواد. ).

و ـ الصيام، وهو باب من أبواب الاجتهاد، ومن وجوه العمل الصالح في هذه العشر، والتطوع بالصيام فضيلة ذاتية، مندوب إليها على العموم؛ فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) .


وإضافة إلى كون الصيام من جملة العمل الصالح ورد حديث بخصوص الصيام في هذه العشر يؤكد أن صيامها من أبواب العمل الصالح، ففي حديث السيدة حفصة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ).


وهذا الحديث لا يتعارض مع حديث السيدة عائشة ( ما رأيت رسول الله ﷺ صائمًا في العشر قط) ؛ فيُحمل قولها على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصم تسع ذي الحجة في بعض الأعوام لعارض من سفر أو مرض، أو نحوه، أو لغير عارض بيانًا لعدم فرضية صيامها، ويُحمل حديث السيدة حفصة ـ رضي الله عنها ـ على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ صامها في بعض الأعوام بيانًا لمشروعية صيامها، وحثًا لأصحابه على صيامها.


ويتأكد من هذه العشر صيام التاسع، وهو يوم عرفة لغير الحاجّ؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يكفر السنة الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) .


ولما سبق كانت هذه الأيام العشر ـ بحق ـ مجمع الفضائل والعبادات، واغتنامًا لفضلها، وأسوةً بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا أن نجتهد في العبادة في عامة أحوالنا، وفي هذه الأيام العشر لنتقرب إلى الله ـ تعالى ـ ونحظى برضاه .


رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.