الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: أدعو العلماء المجتهدين إلى التعمق في إدراك النماذج الأربعة للتعايش

الدكتور على جمعة،
الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن النماذج الأربعة في التعايش مع الآخر فردًا كان أو دولة هي نماذج قائمة لا يعتريها إبطال أو تعطيل‏،‏ وواقع وحال الأفراد أو الجماعات هو الذي يحدد للمسلم في هدي أي نموذج يمكن أن يتواصل ويتعاون ويحقق السلام الاجتماعي والتعايش مع الآخر‏.

وأضاف «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن ذلك بشرط ألا يغيب عن أذهاننا أن هذه النماذج لا يدخلها النسخ بمعنى رفع أحكامها كلية‏، إذ النسخ لا يقع في الأحكام التي وردت في كتاب الله -تعالى‏- فهو صالح لكل زمان ومكان‏، وهو الكلمة الأخيرة من رب العالمين إلى الناس‏، ونحن في احتياج إلى كل ما أمر به ونهى، أو أرشد ونبه، فليس هناك نسخ لأحكامه‏، لا بالكتاب ولا بالسنة‏.‏


وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أنه يناسب ما ذهبنا إليه هنا القول بالنساء ‏- بفتح النون‏-‏ وهو أن يرد حكم مقيد بقيد‏،‏ أو مشروط بشرط فنعمل به عند حصول قيده أو شرطه‏، ولا نعمل به عند فقد واحد منهما‏، وبذلك نكون قد أنزلنا القرآن الكريم منزلته‏؛ فلا تنتهي عجائبه‏، ولا يخلق من كثرة الرد‏، ولا يزال مصدرا للأحكام في هدي السنة المشرفة وبيانها‏، ‏في كل زمان ومكان‏، ‏وعلى كل حال‏.‏


وأشار المفتي السابق إلى أنه قد أشار الزركشي وتابعه السيوطي إلى ذلك عند كلامهما عن النسيء‏، وأنه ليس من أنواع النسخ حقيقة‏، قالا رحمهما الله –تعالى-‏: «قسم بعضهم النسخ من وجه آخر إلى ثلاثة أضرب‏:...‏الثالث‏:‏ ما أمر به لسبب‏,، ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر‏، وبالمغفرة للذين يرجون لقاء الله‏، ‏ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها‏، ثم نسخه إيجاب ذلك‏.‏


اِقرأ أيضًا نزل في دار أبي أيوب الأنصاري.. علي جمعة: 10 أمور قام بها الرسول عندما هاجر للمدينة


وأكمل أن هذا ليس بنسخ في الحقيقة‏، ‏وإنما هو نسيء كما قال تعالى‏: (أَوْ نُنْسِهَا)، فالمنسأ‏:‏ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون‏، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى‏، مبينًا أنه بهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف‏، ‏وليست كذلك بل هي من المنسأ‏، بمعنى‏:‏ أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم‏، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكمٍ آخر‏،‏ وليس بنسخ‏، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدا» (‏البرهان في علوم القرآن 2/42,‏ والإتقان‏ 2/57).‏


وأردف أنه مما سبق يمكننا أن نحمل الآية‏: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ) [البقرة:106] على نسخ الشرائع‏، فنسخ الإسلام ما قبله من الكتب المنزلة‏، وأزال أحكامها، وبين انتهاء العمل بها‏، ‏وقوله- تعالى‏-: (أَوْ نُنْسِهَا) تحمل على قراءة‏: (‏أو ننسأها‏)، ويصبح إطلاق اسم النسخ على ترك الحكم لانعدام علته تجوزا لا يمنع العودة إلى الحكم الأول عند رجوع حالته وظرفه أو علته‏.‏


واسترسل أنه يمكن ذلك بأن نجعل كل الآيات التي ذكر فيها أنها منسوخة إنما تثبت حكمًا شرعيًا على المكلفين في حالة معينة‏، وأن الآيات التي قيل فيها إنها ناسخة تثبت حكما شرعيا آخر،‏ عند تغير الحالة الأولى إلى حالة أخرى‏، يعني إذا رجعت الحالة الأولى‏، ‏رجع معها الحكم المنزل بإزائها‏، أو بمعنى آخر‏: (‏تنزل الأحكام المتعارضة على أحوال مختلفة‏)، ومعلوم من الدين بالضرورة أن ما ذكرنا لا يتأتى في الأحكام الثابتة المستقرة التي أجمعت عليها الأمة‏.‏


واختتم أنه لكل ما سبق ندعو العلماء المجتهدين في عصرنا الحاضر إلى التعمق في إدراك هذه النماذج الأربعة وحسن الاستفادة منها باستخلاص الأحكام الشرعية التي تحقق للمسلم فردا أو جماعة المصلحة‏، وتضمن له الأمن والحرية‏،‏ وتأخذ بيده إلى التوفيق بين القيام بمتطلبات دينه من دعوة للحق وتأدية للعبادات والشعائر وبين السلام مع الآخرين وعدم الاصطدام بهم‏.‏