الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شاهدة على قصة الفلاح الفصيح.. إهناسيا مدينة ببنى سويف يمتد تاريخها لعصر الفراعنة

صدى البلد

مركز ومدينة إهناسيا، من أهم مراكز محافظة بني سويف، وتقع على بعد 150 كيلومترا جنوب القاهرة، وقد أنشئت بقرار من وزارة الداخلية بتاريخ 15 نوفمبر عام 1944م وكانت تسمى حينذاك إهناسيا المدينة وعدلت التسمية بالقرار الجمهورى رقم 1755 لسنة 1965م إلى إهناسيا ويقع مركز إهناسيا غرب مدينة بنى سويف بمسافة تبلغ 17 كيلومترا تقريبا، بالقرب من حدود محافظة الفيوم وحدوده الجغرافية هي من الشرق مركز بنى سويف ومن الغرب محافظة الفيوم، ومن الشمال مركز ناصر بمحافظة بني سويف ومن الجنوب مركز سمسطا بمحافظة بني سويف أيضا.

ويسميها العامة إهناسيا أم "الكمان" وتنطق "كيمان" بكسر الكاف وتضم إهناسيا العديد من القرى التي تتبعها منها النويرة وشرهى والعواونة وكوم الرمل وسدمنت الجبل و بنى هاني والمماليك ومعصرة نعسان والبديني ومنهرو، ومنهره وقلها وميانة والطيور والبهسمون ومنشية طاهر ومحمد علي وبراوة ومنشاة الحاج ومنشأة عبد الصمد وزكى فاضل وعزبة رمزى والمسيد الأبيض وغيرهم من القرى ومن الناحية التاريخية فقد عرفت قديما إهناسيا بإسم أهنيس ومنه اشتقت التسمية الحالية إهناسيا وإلى إهناسيا تنتمي أسرة الفرعون شيشنق مؤسس الأسرة الثانية والعشرين وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية بها حوالى 390 فدانا.

وتوجد في مدينة إهناسيا العديد من الآثار الفرعونية منها بقايا بعض المعابد التي عثر بها على مجموعة كبيرة من الآثار أهمها تمثالين من الكوارتز لرمسيس الثاني يرتفع أحدهما 4.4 متر والثاني 8.2 متر كما ترك تمثالا مصغرا وهو جالس علي عرشه في مدخل معبد الإله حري شف الموجود بالمنطقة كما عثر علي مجموعة من المقابر تسمي جبانة سدمنت الجبل وهي الجبانة الرئيسية لمنطقة آثار إهناسيا المدينة وبها العديد من المقابر التى ترجع بداية نشأتها لعصر الملك دن من الأسرة الأولى.

اقرأ أيضا:

وقديما كانت إهناسيا هي عاصمة الإقليم العشرين قبل توحيد القطرين على يد الملك مينا كما كانت عاصمة لمصر في عصر الأسرتين التاسعة والعاشرة الفرعونيتين حيث ظهرت أسرة قوية فيها استطاعت تأسيس الأسرتين التاسعة والعاشرة وبسطت نفوذها على أقاليم مصر الوسطى وعلى الدلتا لمدة تقارب قرنين من الزمان مابين عام 2242 ق.م وعام 2452 ق.م غير أن أسرة إهناسيا لم تنجح في إعادة الوحدة إلى البلاد وإذ نافستهم أسرة قوية ظهرت في مدينة طيبة الأقصر حاليا وإستطاع أمراؤها القضاء على الأسرة العاشرة في إهناسيا وإقامة أسرة جديدة هي الأسرة الحادية عشرة التي بها يبدأ عصر الدولة الوسطى.

لذلك فإن مدينة إهناسيا ذات شهرة كبيرة وذات طبيعة دينية في التاريخ الفرعوني القديم فكانت مقرا لإقامة المعابد خلال الأسر التاسعة والعاشرة وخلال عصري الدولة الحديثة والعصر اليوناني الروماني ولذلك يأتي إليها السياح لمشاهدة المعابد والآثار وكذلك ينسب إليها كثير من الأساطير الدينية القديمة ففيها تدخل الهواء ليفصل بين السماء والأرض في أسطورة خلق الدنيا وفيها توج الإله أوزويريس ملكا علي الدنيا وفيها هبطت ربة الفتك سخمت لتفتك بالبشرية العاصية في أسطورة خلاص البشر ومنها خرجت قصة الفلاح الفصيح التي تعتبر درة الأدب المصري القديم وقد إهتم بإهناسيا جميع ملوك الدولة الوسطي والحديثة لأنها تقع علي أول الطريق الموصل إلى ليبيا.

أما قصة الفلاح الفصيح التي خرجت من إهناسيا فتروي القصة أن قرويا يسمى خون إنبو خرج من بلدة تسمى غيط الملح وهي بلدة من نواحي الفيوم وترك زوجته ماريا وأولادها وترك لهم جانبا مما كان يدخره من الغلال وحمل حميره ببضاعة متواضعة من نطرون وأعشاب وجلود وأحجار كريمة إبتغاء أن يتاجر بها في مدينة إهناسيا عاصمة الملك في عهده ومر في طريقه على قرية تسمى برفيفي كان يتولى أمرها موظف فاسد يدعى تحوتي نخت أو نمتي نخت نيابة عن موظف آخر كبير كان يرأس نظارة الخاصة الملكية ويدعى رنسي بن مرو.

وطمع نمتي نخت في تجارة القروي و حميره و أراد أن يكون له نصيب منها فإعترضه على طريق زراعي ضيق كان لا بد أن يمر عليه وأوعز إلى خادمه أن يبسط على الطريق قماشا يغطيه بالعرض ولما تقدم القروي على الطريق نهاه نمتي نخت أن يمر على قماشه المبسوط فإعتذر القروي وإبتعد عن القماش وسار قرب الزراعة فنهره مرة أخرى .

 وفجأة قضم أحد حمير القروي قضمة من سنابل الغلال فإعتبرها نمتي نخت فرصته وأصر على أن يستولي على الحمار جزاء جرمه فإحتج القروي وهدد بإبلاغ الأمر إلى ناظر الخاصة وصاحب الأرض فغضب نمتي نخت وأخذته العزة بالإثم وإستولى على بضاعة الرجل و حميره كلها فبكى القروي وإشتد عويله فنهره نمتي نخت في صفاقة غريبة قائلا له لا ترفع صوتك يافلاح أنت قريب من بلد السكون وكان رب السكون هذا هو المعبود أوزير.

 ويبدو أنه كان له ضريح قريب من برفيفي يهابه الناس ويحترمونه ولكن القروي لم يهتم به وقال بلهجته الريفية اللطيفة تضربني وتنهب متاعي وتوقف الشكوى على لساني يارب السكون أعطني حاجتي حتى أبطل الصراخ الذي يغضبك وإستمر القروي في طيلة عشرة أيام يشكو حينا و يسترحم حينا ولكن بغير طائل فإتخذ سبيله إلى العاصمة اهناسيا ليشكو بلاه إلى ناظر الخاصة رنسي فقابل القروي ناظر الخاصة ووجه إليه إستعطافا رقيقا لينا حاول أن يستثير به نخوته وكان من قوله له اذا كنت حقا أبا لليتيم وزوجا للأرمل وأخا للمطلقة ورداءا لمن لا أم له وها أنذا أقول وأنت تسمع أقم العدل أمدحك و يمدحك المادحون أزل معاناتي فقد ثقلت وإحمني فقد ضعت وفعل إستعطاف ومديح القروي فعله لدى ناظر الخاصة فأعجب به وأسرع إلى فرعونه وهو يقول مولاي وجدت واحدا من أولئك القرويين جيد الكلم يتحدث الصواب نهب متاعه وأتاني يتظلم وقص القروي قصته على الفرعون فكفل الملك ناظر الخاصة بأن يتكفل برزق زوجة القروي وعياله طيلة المدة التي سوف يبقى فيها في إهناسيا وتصور القروي خون إنبو أن الحاكم يشبه دفة السفينة التي تحدد مسيرتها ويشبه السند الذي يعتمد الناس عليه وشبه خيط الميزان في دقة تعبيره عن وزن الأمور وقال لناظر الخاصة وهو يشكوه إلى نفسه أيها الدفة لاتنحرف ويا أيها السند لاتميل ويا أيها الخيط لاتتذبذب.

 وأطال القروي في شكايته ولما فرغ منها إستدعاه ناظر الخاصة فتوقع الرجل أن تكون الدعوة لمقتله وأخذ يروض نفسه على ملاقاة الموت في شجاعة لكن ناظر الخاصة رنسي طمأنه وأراه شكواه منسوخة على برديات جديدة أعدها ليعرضها على الفرعون شخصيا فلما عرضها على مولاه أمره بأن يقضي في القضية بنفسه فقضى بعزل نمتي نخت الفاسد من وظيفته.