الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حنان محمود إبراهيم تكتب: بيت العنكبوت

صدى البلد

بيت العنكبوت هو ذلك البيت الهش الوهِن كما وصفه ربنا جل وعلا، قال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة العنكبوت: 41)، فهل أصبحت بيوت المسلمين في زماننا هذا كبيت العنكبوت؛ هشة، ضعيفة، لم تستطع أن تتغلب أوتنتصر على مشاكل الحياة، فكان خيارها السهل هو الطلاق؟!.


إن شريعة الإسلام لم تجعل أمر الطلاق هينًا؛ حيث جعلته ثلاثُا؛ للحفاظ على كيان الأسرة من التشتت والضياع، وأمرت الزوج لو طلق زوجته طلقة رجعية أن تعتد في بيت الزوجية ولا تخرج منه؛ عله يراجعها، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا» (سورة الطلاق: 1).


وكذلك أوجب الإسلام على كلا الزوجين عدم التسرع في قرار الطلاق، بل وأمره بالصبر على عيب شريكه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر»، وقال أيضَا: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»، وغير ذلك الكثير من الآيات والأحاديث التي تحث كلاهما على البعد عن قرار الطلاق قدر استطاعته.


وعلى الرغم من كل ما ذكرناه سابقًا يحدث الطلاق، وللأسف وبعد أن ينفذ عدد الطلقات الثلاث نجد الندم من الزوجين على إهدار رصيدهما من فرص الرجوع وهدم حياتهما الزوجية، وهنا يلجئان لما يسمى" بالمحلِّل"، ومع أن المحلِّل هو القيد أو الشرط الذي وضعه الله عز وجل لرجوع الزوج لزوجته بعد الطلقة الثالثة" البينونة الكبرى"، قال تعالى: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (سورة البقرة: 230)، إلا أن له ضوابطَ وشروطاً:


1-  وهي أن يكون الزواج من غيره زواجًا شرعيًا صحيحًا، فلا يكونبنية التحليل للزوج الأول، وأنه لو كان الزواج الثاني بنية التحليل للزوج الأول فقد بطل العقد باتفاق الفقهاء.


2- أن يكون معه دخول صحيح، وهو أمر متفق عليه بين الفقهاء، ومعنى الدخول الصحيح" الجماع"، ولا يكتفى بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة؛ لقول النبي في الحديث الذي رواه البخاري لامرأة رفاعة القرظي: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك"، ولما روي عن بن عمر رضي الله عنهما: سئل رسول الله عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا، فيتزوجها الرجل، فيغلق الباب، ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فقال: "لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر" (سنن النسائي).


3- إن الحكمة من وجوب الجماع في الزواج الثاني هي إيلام الزوج بأن من كانت زوجته أصبحت تحل لزوج غيره، وبالتالي يحصل عنده غيرة، ونفور من ذلك؛ مما يدفعه إلى عدم التسرع في التلفظ بالطلاق، ويزداد حرصه على بيته وزوجته.


إن ما يحدث الآن أننا نأخذ ديننا من الأفلام؛ فوقعنا في ارتكاب الحرام، وأصبحنا نتحايل في أمور الشريعة تبعًا للأهواء، فأصبح المحلِل كالسلعة يشتريها الزوج بالمال لتحل له زوجته، والحقيقة التي لا خلاف فيها بين العلماء أن هذا العقد باطل، ولا يترتب عليه حِل الزوجة للمحلِّل ولا للزوج.


وفي الختام إننا نحذر من الوقوع فيما حرم الله، ومن التلاعب بدين الله والتعدي على حدوده، قال تعالى: «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (البقرة:229).