الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ريتا بدرالدين تكتب: الحرنكش على الموائد الملكية

صدى البلد

ينتابني شعور وإحساس أني أعيش عصورا وأزمنة توالت على مصر، حين أزور خان الخليلي ومحيطها الأثري، فيحدث في نفسي متعة التزود بالمعرفة وإثراء رصيدي الثقافي هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى، الإحساس بطول العمر نتيجة هذا التعمق المعرفي، فقياس العمر ليس بالسنين، لكن الأصح بالعلم والمعرفة والثقافة، وهذا المعيار لقياس العمر هو الأفضل.

 

 فبعد التجوال وشراء المنتوجات الجميلة المتنوعة، وخصوصا العلب المصدفة والأحجار الكريمة، والتماثيل الفرعونية لمحت على جانب نهاية الشارع عربة عليها هضبة من ثمار أجهلها وسألت البائع الصغير الذي لا يتجاوز عمره ١٤سنة، ما هذا، قال، حرنكش، ولأول مرة أسمع وأرى هذه الثمرة المصرية العريقة التي شاهدتها فيما بعد في المتحف المصري، من ضمن المأكولات المحنطة لملوك مصر القديمة، ثمرة جميلة لها غلاف ورقي بني اللون كأنه اوبالاج طبيعي يعبر عن أهميتها كما حبة اللؤلؤ في الصدفة، وجدت طعمها لذيذا واشتريت كمية كبيرة منها، لأنها اكتشاف جديد لي في مصر المحروسة، قلت للبائع الصغير ضعها في أكياس بدلا من ورق الجرايد، فأجابني على الفور "لو عندي حرير ألفهملك بالحرير"، وهنا انبهرت وتعجبت من هذه الإجابة التي تعبر عن صفحة ذهبية في شخصية هذا الولد المصري الجميل، هذا الجواب جاء نتيجة التراكم الحضاري الذي كون عنده جينات متمدنة متحضرة، جعلته يتصف باللطف والذوق وحسن التعامل والسلوك، والذكاء الفطري، وسرعة البديهة وقلت في نفسي لو كنت في بلد آخر، وصادفت، بائعا مثل هذا هل سيقول ما قاله هذا المصري المتحضر، أكيد الإجابة ستكون عادية لا تثير الاهتمام.

إذن هذا النموذج من أحد شرائح المجتمع، الباعة المتجولين وخصوصا الصبية منهم، يجب إلقاء الضوء عليهم إتاحة الفرص لهم، للتثقيف والتعليم وإعداد ندوات والتحاور معهم وتحسين أوضاعهم، ومعيشتهم، فكل بائع متجول عنده عربة متقيد بالنظافة والأمانة وحسن التعامل هو مواطن شريف له كل الاحترام والتقدير. 

 لنعود إلى الحرنكش، صادف في تلك الفترة، أن سافرت إلى لبنان، وأخذت معي هدايا من ضمنها الحرنكش، فكان موضع الإعجاب، وأخبرتني أختي أنها كانت في هولندا مشاركة في مؤتمر طبي تنظمه الأمم المتحدة، ويومها تناولوا العشاء بحضور الملكة في قصرها، المفاجأة كانت ثمار الحرنكش بالجاطات الكريستال على الموائد الملكية، وهنا قلت، لماذا لا تصدر هذه الثمرة الملكية فهي عريقة يفضلها ملوك مصر القديمة وملوك أوروبا في العصر الحديث، كما يجب أن تباع في أكشاك الملحقة بالمعارض للآثار المصرية كما تباع التذكارات الفرعونية، إلى جانب برانيط العالم الأثري د. زاهي حواس.


فالغرب والشرق يعشقان مصر، حسناء الزمان.