الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العام 109 لميلاد الكاتب العالمي نجيب محفوظ


يمر اليوم  ١٠٩ عامًا على ذكرى ميلاد الروائي والكاتب المصري والعالمي نجيب محفوظ الذي ولد في ١١ ديسمبر ١٩١١، وهو ابن القاهرة وأحد أبناء حي الجمالية العريق. بدأ الكتابة في سن مبكرة في ثلاثينيات القرن الماضي بكتابة قصص قصيرة ثم نشر أول رواية له هي عبث الأقدار في عام ١٩٣٩ وهي واحدة من ثلاث روايات تاريخية له. نجيب محفوظ أحد أهم الكتاب المعاصرين الذين رسخوا فكرة الروايات الثلاثية في الأدب المصري والعربي المعاصر. عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة  شكلوا ثلاثية تاريخية  غير متصلة مستوحاة من الأسطورة التاريخية للتاريخ الفرعوني بأبعاد سياسية. واستكمل نجيب محفوظ حبه للثلاثيات وكتب ثلاثية القاهرة في الخمسينات وهي بين القصرين وقصر الشوق والسكرية. أثبتت بدايات نجيب محفوظ عبقريته في قدرته على رسم جدرايات مجتمعية أو تاريخية تمتد أو تتصل عبر حقب معينة من خلال احترافه كتابة الثلاثيات.

لم يثر نجيب محفوظ العالم بآرائه وأفكاره فقط ولكن بغزارة أعماله. فعلى مدار حوالي نصف قرن من الكتابة تخطى مجمل أعماله فوق الـ٣٥٠ عملًا ما بين قصة ورواية ونصوص سينمائية ومسرحيات ومجموعات ومقالات. سلكت أعمال نجيب محفوظ طريقها بيسر نحو الصحافة والتليفزيون والسينما والمسرح في مصر والعالم العربي وحتي العالمية بحصوله على جائزة نوبل للآداب في عام ١٩٨٨ وأصبح أول مصري وعربي وثان إفريقي يحصل على هذه الجائزة وتُرجمت أعماله إلى كل لغات العالم.

أجد نفسي هنا وأنا أكتب عن أحد العظماء المصريين  في مجال الكتابة والفكر المعاصر ممن  كان لهم تأثيرًا واضحًا في تشكيل الوعي والأدراك الجماعي لأجيال كثيرة، أجد نفسي أنحاز بالكتابة عن مصرية هذا الرجل في ذكرى ميلاده وأسباب إعجابي به كإنسان مصري . وذلك بالرغم من إني مازالت استمتع بعالم نجيب محفوظ في الكتابة وانتهز أي فرصة لدخول عالمه كاستراحة مميزة جدًا في أي وقت واترك نفسي لأناقة وعذوبة لغته العربية. كما إنني استمتع ايضًا بالكتابة عن كتاباته بين الحين والآخر. فقد سبق وكتبت مقالة عن روايته ”يوم قُتل الزعيم“. 

ونحن في القرن الحادي والعشرين بدأ الكثير من المجتمعات رحلة تهاوي إلى طمس الهوية أو الاستعلاء عليها والعبث في مفهوم الهوية والتي أصبحت أيضًا أداة من أدوات محاربة الشعوب بمحاولات اللعب في الخرائط الجينية للشعوب من أجل خلق شعوب مستنسخة مشوهة يتم تجنيدها بسهولة لتصبح تابعة لهوية بلدان أخرى أو لمشروعات سياسية مشبوهة أو جماعات متطرفة. فمن يُسلب من هويته الطبيعة التلقائية سهل أن يرتدي لباس هوية آخر. وأؤكد هنا أن التطور والتقدم الفكري والانفتاح على الحضارات والثقافات والتشارك في قيم البشرية الإنسانية أمورًا لا جدال ولا خلاف عليها. تختلف كثير من الشعوب ولكن تتشارك في أمور كثيرة هذه هي سنة البشرية منذ خليقتها.

كثيرًا ما توقفت عند سر انبهار العالم بنجيب محفوظ وسر وقوف العالم له احترامًا وهو لم يتحرك من مكانه في مصر وهذا من تجاربي الشخصية أيضًا وأنا أعيش خارج مصر. وكثيرًا ما سألت نفسي ما سر هذا الرجل المصري العالمي العظيم؟

فلننظر إلى نجيب محفوظ الإنسان أولًا.. نجيب محفوظ قبل حصوله على جائزة نوبل هو نفس الشخص بعد حصوله عليها. لم يتغير… نفس المسكن نفس الملبس نفس العادات نفس القلم نفس النظارات صادقًا مع نفسه ومع من حوله .. لم تهتز هويته بدخول حدث عالمي كبير حياته. جاءت عظمته المصرية وتمكنت منه قبل أن تضيف العالمية عليه شيئًا أو على مسار حياته.

تتنافس جنسيات العالم وتتباهي بموروثات ثقافية لا يتنازلوا عنها أبدًا لأنها جزء من هويتهم التاريخية. فمثلًا تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية بهويتها إنها وطن المهاجرين وتتمسك الجمهورية الفرنسية بالحريات وإنها مركز الثقافات وكثيرًا ما يرتبط هذا الإطار بأحداث تاريخية أو سياسية. 

تجلت الهوية المصرية في روح نجيب محفوظ وتجسدت في سعييه الدؤب عن الأفكار والتجديد وفتح أفق جديد للانفتاح الفكري في إطار مصري. فمصر هي أم الأديان أم الحضارات هي من أسست لفكر الدولة وعلاقة الدين بالدولة وكذلك السياسة والاقتصاد والحياة العسكرية . الحضارة الفرعونية لم تترك أمرًا في حياة الإنسان ولم تنظمه حتى الحياة بعد الموت  .. نبوغ نجيب محفوظ أو المصريين عبر التاريخ كان في تحريك الأفكار. ورأيي إنه جزء من هويتنا ويجب أن يكون نتاجًا طبيعيًا لو مشهد التعليم والثقافة والإعلام متوازنًا منفتحًا. وقد كانت كتابات نجيب محفوظ محركًا للأفكار مؤكده على شخصية الإنسان المصري منذ بداية الخليقة.

خاض  نجيب محفوظ أكبر حرب للتمسك بهويته ونشأته المصرية الصميمة. وبالرغم من استهدافه ومحاولة اغتياله واغتيال أفكاره من قبل الجماعات المتطرفة الإرهابية لم يسع لتدويل قضيته كقضية سياسية ولكنه من داخل منزله بحي العجوزة لم يتراجع عن أفكاره وفكر في الاستجابة لدعوات توبتهم المتطرفة المنحطة عن فكره .. وأصبحت الطعنة الغادرة التي تلقاها في رقبته أشرف وسام على صدره وعلي صدر المصريين الشرفاء المؤمنيين بحرية الفكر وحرية التعبير.وأصبح بقاء افكار وكتاباته وتداولها محليًا وعالميًا هو أكبر انتصار أمام الخسة والغدر الذي تعرض له هو وأسرته.

بالرغم من أن فكر نجيب محفوظ أكثر انفتاحًا وتقدمًا عن مصريين كثيرين التقيت بهم في الخارج إلا إنه لم يكن له رغبه في السفر للخارج أو التباهي بتجارب السفر للخارج حتي إنه لم يسافر ليستلم جائزة نوبل وأرسل ابنتيه. وهو تأكيدًا على أن الانفتاح قرار شخصي واجتهاد عقلي وليس لايف ستايل كما يدعي البعض الآن.

 لم يستخدم نجيب محفوظ الإعلام الغربي كوسيلة استعداء للدولة المصرية بالرغم من استهدافه واستهداف أفكاره وكتاباته. والعجيب إننا الآن نجد البعض في أول خلاف في الداخل لأي سبب في أحضان الإعلام الغربي ونحن كمصريين لا نعلم من هم وما هي انجازاتهم. هذا النجيب المصري عاش ومات محفوظًا بهويته بإيمانه بمصريته وبحب المجتمع له.

صادق نجيب محفوظ الشارع المصري عن قرب بحميميته وطبيعيته وتلقائيته. في أحيان كثيرة عندما أشعر بالضيق أعرف أن علاجي في خروجة سيرًا على الأقدام في حي نشأتي بالدقي. أدخل محلاته اراقب الناس في الشارع وأعود إلى بيتي وكأن شيئًا لم يحدث. الشارع المصري مدرسة إنسانية كبيرة لا يستهان بها كان نجيب محفوظ أحد تلاميذ هذه المدرسة التي لا يدركها إلا من دخلها. فالقدرة على تذوق ملامح هذا الشارع بحلوه ومره تجربة وبخيره وشره أكاديمية إنسانية. تشبعت هوية نجيب محفوظ المُحبة الناقدة بهذا الشارع فكتب أحلى كتابات مصرية عالمية.

في ذكرى ميلاد النجيب المصري المحفوظ في قلوب المصريين والعالم أحيي مصريته التي افتخر بها وأشكره على وجوده قدوة مصرية ولأنه نموذجًا مصريًا فريدًا لا يستهان به يمثل حقبة معاصرة مهمة في تاريخ مصر كان هو أحد أركانها الفكرية والثقافية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط