- الشعب الأمريكي مر بخبرات لم يعرفها من قبل في 2020
- مجلس النواب صوت بالأغلبية لصالح عزل ترامب لكن تصويت الشيوخ أنجاه
- احتجاجات مقتل جورج فلويد حولت شوارع المدن الأمريكية الكبرى إلى بؤر عنف وثكنات عسكرية
- ترامب استبق الانتخابات الرئاسية بإعلانه رفض الهزيمة قبلها بأشهر
- ترامب لا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته حتى بعد حكم المحكمة العليا وتصويت المجمع الانتخابي
- ترامب يعرقل انتقال السلطة لـ بايدن بتعيينات جديدة في مناصب حساسة
سيظل العام 2020 عالقًا في أذهان كل من حضره واعيًا من سكان العالم، ففيه مروا بخبرة لم يعرفها أحد من الأحياء في هذا العصر، وسيتذكر الكثيرون كيف صنعت أزمة فيروس كورونا تفاصيل حياتهم اليومية خلال هذا العام الذي خيمت الكآبة على أيامه بتوالي الإعلانات عن الإصابات والوفيات بالجائحة المميتة.
على أن الأمريكيين سيتذكرون هذا العام بوجه خاص لأسباب مختلفة، ففضلًا عن كونها الدولة الأكثر تضررًا من فيروس كورونا وفق الأرقام المعلنة رسميًا، كان عام 2020 هو عام الفوضى الأمريكية بامتياز، وفيه شاهد الأمريكيون لأول مرة في تاريخهم وقائع صراع على السلطة بين رئيس يرفض بعناد تصديق هزيمته، وهو الخارج لتوه ناجيًا من محاكمة لعزله في الكونجرس، ورئيس فائز بأكبر عدد من أصوات الناخبين في تاريخ البلاد، يعد بحلول لكل الأزمات التي وسمت عهد سلفه بطابع من الاستقطاب والعنف والفوضوية.
في بداية العام، ابتسم الحظ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونجا بفضل أغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ من محاكمة عزل قاتل فيها الديمقراطيون بشراسة لإبعاده من منصبه، وأنجزوا نصف المهمة عندما نجحوا في تمرير قرار في مجلس النواب بتوجيه الاتهام لترامب بإساءة استغلال السلطة وعرقلة تحقيقات الكونجرس.
وكانت تفاصيل مكالمة سربها مجهول في يوليو 2019 قد أقامت الدنيا ولم تقعدها، حيث كشفت محاولة ترامب للضغط على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفتح تحقيق حول صفقات بين شركة الغاز الأوكرانية وهنتر بايدن، نجل منافسه الديمقراطي – آنذاك – والرئيس المنتخب جو بايدن، فيما اعتبره الديمقراطيون إساءة استغلال للسلطة للإضرار بمرشح منافس وأطلقوا عملية استغرقت شهورًا للتحقيق في فحوى المكالمة ثم مسائلة ترامب برلمانيًا تمهيدًا لعزله.
وفي 19 ديسمبر 2019، صوتت أغلبية من 230 عضوًا بمجلس النواب لصالح مساءلة ترامب تمهيدا لعزله بتهمة إساءة استخدام السلطة، بينما عارض الاتهام 197 نائبًا. وفيما يتعلق ببند إعاقة عمل الكونجرس، صوتت أغلبية من 229 عضوا للمساءلة، مقابل 198 آخرين رفضوا المساءلة.
لكن الأغلبية الجمهورية في الكونجرس نجحت في 5 فبراير الماضي بإبعاد شبح العزل عن ترامب، حيث صوت 48 عضوا لصالح إدانته بتهمة إساءة استغلال السلطة، بينما صوت لبراءته 52 عضوا، وفي تهمة تعطيل عمل الكونجرس صوت 53 عضوا لصالح تبرئة ترامب مقابل 47 عضوًا صوتوا لإدانته.
وبعد بضعة أشهر قليلة، كان ترامب على موعد مع معركة أخرى لم تهدد مركزه الرئاسي بشكل مباشر هذه المرة، لكنها هددت استقرار ووحدة الولايات المتحدة كلها، وكانت الشوارع لا أروقة المؤسسات مسرحها الملتهب.
ففي 25 مايو الماضي، لقي المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد مصرعه خنقًا، بعدما جثم شرطي أبيض على عنقه أثناء عملية توقيفه في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، وإثر ذلك انفجرت احتجاجات عنيفة بدأت من مينيابوليس ثم توسعت لتعم ولايات ومدن أمريكية كبرى، وشهدت مصادمات ووقائع عنف نادرة بين نشطاء حركة "حياة السود مهمة" والشرطة الأمريكية أو أنصار العنصرية البيضاء.
وبالرغم من أن ترامب أدان قتل فلويد، فإن حركة الاحتجاجات تحولت إلى إدانة عنيفة لترامب نتيجة مواقفه المهادنة للنشطاء العنصريين البيض ودفاعه عنهم في مواقف سابقة، لكن الإدانة لم تقف عند حد الوصم الأخلاقي وتحميل المسئولية، وإنما تجاوزت ذلك إلى أعمال عنف واسعة النطاق طالت ممتلكات عامة وخاصة، واستهدفت بصورة خاصة الشرطة الأمريكية المتهمة بالتمييز ضد السود، ووصلت الاحتجاجات والاشتباكات إلى أبواب البيت الأبيض.
وإثر ذلك، استدعى عدد من حكام الولايات الأمريكية قوات الحرس الوطني للانتشار في شوارع المدن التي شكلت بؤر الصدام بين المتظاهرين من الجانبين وأعمال العنف، وأُعلن حظر التجول في بعض المدن وإن لم يعبأ المحتجون به، وفي مشهد نادر لم يألفه الأمريكيون كثيرًا تمركزت قوات الحرس الوطني بأزيائها العسكرية في شوارع المدن وأقامت حواجز الطرق وانتشرت في محيط البيت الأبيض، حتى بدت الولايات المتحدة وكأنها ثكنة عسكرية كبرى تخوض حرب شوارع غير مسبوقة في المجتمع الأمريكي.
ولم تكد تمضي أسابيع قليلة على واقعة مقتل فلويد وما تبعها من فوران حتى أعلن ترامب توسيع نطاق عملية أمنية أُطلق عليها اسم "العملية ليجند" لمكافحة الجريمة في المدن الأمريكية الكبرى، فيما رآه مراقبون قرارًا مدفوعًا بأغراض سياسية انتخابية.
وكانت وزارة العدل الأمريكية أعلنت في 8 يوليو إطلاق عملية ليجند لمساعدة الشرطة المحلية في مدينة كانساس بولاية ميزوري في مكافحة الجريمة والشغب، وسميت العملية تيمنًا بالطفل ليجند تاليفيرو، البالغ من العمر 4 أعوام والذي قُتل نتيجة أعمال إجرامية في كانساس في 29 يونيو الماضي.
وشمل قرار توسيع نطاق العملية ليجند نشر عملاء فيدراليين في المدن الأمريكية الكبرى لدعم قوات الشرطة المحلية في مكافحة الجريمة وأعمال الشغب، التي تصاعدت منذ مقتل جورج فلويد.
ولكن في خضم أحداث العنف والموقف الأمني المتأزم فاجأ ترامب الجميع بتصريحات متتالية بين شهري يونيو ويوليو، فُهم منها أنه لن يعترف بنتيجة الانتخابات الرئاسية في حال خسارته أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، وهو "الوعد" الذي وفى به ترامب المهزوم لاحقًا بعد عدة أشهر.
وبحلول أواخر أغسطس الماضي استقر الحزب الجمهوري على ترشيح ترامب لخوض الانتخابات الرئاسية على ولاية ثانية له في البيت الأبيض، فيما رشح الحزب الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن، لتشهد البلاد خلال الأشهر اللاحقة أسخن وأشرس منافسة رئاسية في التاريخ الأمريكي، خيم عليها سؤال أساسي لم يسبق طرحه منذ تأسيس الولايات المتحدة: ماذا لو رفض الرئيس الحالي تسليم السلطة ومغادرة البيت الأبيض؟
ومنذ اليوم الذي أجريت فيه الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر بدا تقدم بايدن على ترامب واضحًا، فيما راح الأخير يوزع الاتهامات بالتزوير مجانًا، تارة على السلطات المحلية للولايات والمسئولة عن سلامة العملية الانتخابية في نطاق سلطاتها، وتارة على الشركة المسئولة عن تشغيل آلات التصويت في مراكز الاقتراع، ونالت هيئة البريد نصيبًا محترمًا من إساءات ترامب الذي شن مع أنصاره حملة عنيفة ضد التصويت بالبريد، معتبرين إياه بابًا مفتوحًا على مصراعيه للتزوير.
ولم يمض يوم منذ إعلان وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى فوز بايدن في 7 نوفمبر، دون أن ترفع حملة ترامب الانتخابية دعوى قضائية في هذه الولاية أو تلك، مطالبة بإبطال نتائج الانتخابات في الولاية بسبب وقائع تزوير مزعومة، ولم يمض يوم كذلك دون أن تعلن محكمة رفض دعوى مقدمة من حملة ترامب.
ووجهت المحكمة العليا الأمريكية الضربة القاضية لترامب في 11 نوفمبر، برفضها دعوى رفعها المدعي العام لولاية تكساس وانضم إليه فيها مدعو عموم 17 ولاية أخرى فضلًا عن ترامب نفسه، لإبطال نتائج الانتخابات في 4 ولايات متأرجحة، وجاء تصويت قضاة المحكمة العليا بأغلبية 7 قضاة مقابل اثنين، ومن بين من رفضوا الدعوى ثلاثة قضاة عينهم ترامب في المحكمة العليا.
ولم ييأس ترامب المعروف بعناده من الأحكام القضائية المتتالية برفض الطعون المقدمة من حملته، فشرع في إجراءات تخالف أعراف انتقال السلطة المتبعة تقليديًا وبطريقة وصفها مراقبون بأنها صبيانية وسخيفة، حيث راح يقيل كل مسئول ألمح إلى هزيمته أو طالبه بتسليم السلطة بهدوء، واستبدل هؤلاء بشخصيات معروفة بولائها المطلق له، أملًا في إعاقة انتقال السلطة إلى غريمه الديمقراطي.
وحتى بعد تصويت المجمع الانتخابي في 14 ديسمبر وظهور نتيجته بالشكل المتوقع مسبقًا (306 أصوات لبايدن مقابل 232 صوتًا لترامب)، لا يزال سؤال انتقال السلطة معلقًا بلا إجابة، ففيما يمضي بايدن بهدوء وثقة في بناء فريق وزرائه ومعاونيه، والذي لوحظ احتلال النساء وأبناء الأقليات قطاعًا معتبرًا منه، لم يتزحزح ترامب عن وصمه للانتخابات بالتزوير أو رفضه التنازل عن السلطة.
سيظل العام 2020 ماثلًا في ذاكرة الأمريكيين طويلًا، ففيه خطف الموت بفيروس كورونا أكثر من 300 ألف من أحبائهم، وفيه خطف العنف مدنهم حتى لقد بدت وكأنها شوارع دولة من العالم الثالث، وفيه هدد رئيس لأول مرة بخطف السلطة ضدًا على إرادة الناخبين، وفيه أيضًا برقت بارقة الأمل في النهاية: رئيس جديد وترياق للموت الحاصد.