الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد صقر يكتب: العلاقات الليبية المصرية

صدى البلد

يعود تاريخ العلاقات الليبية المصرية إلى فترة ما قبـل الأسـرات، وكانـت طبيعة هذه العلاقات متعددة الأوجه، أهمها الجانب السياسـي العسـكري والجانـب الحضاري . كمـا تفيـدنا بذلك المصادر المصرية والرسومات الصخرية الصحراوية الجزائرية التي تعود إلـى أقدم العصور. فهى علاقات أزلية وقوية فمصر وليبيا شعب واحد فى دولتين يفصلهما الحدود الجغرافية فقط، ويكفي أن نقول إنه يوجد في ليبيا حوالى مليون ونصف المليون مصرى. وهناك مجالات واعدة للتعاون الاقتصادى والاستثمارى بين مصر وليبيا، خاصة في مجالات الطاقة والتعدين، وإعادة إعمار وتسليح ليبيا.
والعلاقة بين البلدين ليست تاريخية فقط، بل تشكل الحاضر والمستقبل، فلا مفر من التعاون المشترك وفق رؤية الإصلاح الاقتصادي وإعادة البناء والتنمية بعد الثورات التي شهدتها مصر وأيضًا ليبيا، وأطاحت بأنظمة ديكتاتورية.

كما أن مصر هي البيت الآمن للأشقاء العرب، فليبيا أيضًا لا يمكن الاستغناء عنها أمنيًا ولا اقتصاديًا،  وتعود جذور تلك العلاقات لعام 1951، عندما اعترفت مصر باستقلال ليبيا من الاحتلال الإيطالي، ونشأت علاقات قوية بين البلدين في شتي المجالات وتأثرت الثورة الليبية التي قامت في عام 1969 بثورة يوليو ومبادئ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ومرت العلاقات بمراحل عديدة بداية من عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
وسعي الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي للوحدة مع مصر، فقام بتوقيع ميثاق طرابلس عام 1969 الذي تضمن ما يسمي بـ «الجبهة القومية العربية» الذي انضمت إليه سوريا، وتم إعلان اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا وذلك عام 1971 وبعدها ساعدت ليبيا مصر في حرب أكتوبر عام 1973، حيث قامت بعقد صفقة طائرات «ميراج» مع فرنسا، واستخراج جوازات سفر ليبية للطيارين المصريين من أجل التدريب في فرنسا.

وعندما واجهت مصر مشكلة شراء الدبابات «تي 62» قامت ليبيا بدفعها، كما قامت بإرسال سربين من الطائرات إحدهما يقوده مصريون وآخرون ليبيون،  وعندما حدثت أزمة «لوكيربي» والحصار الأمريكي، الذي جاء بعده حصار دولي رسمي بقرار من الأمم المتحدة عام 1992 ظل التعاون بين مصر وليبيا قائمًا، وساندت مصر ليبيا،  وقد كان لمصر موقف حيادي ومتزن تجاه ما يحدث في ليبيا بعد اندلاع الثورة الليبية عام 2011، حيث أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة وقتها بيانًا يؤكد فيه علي عدم مشاركة التحالف الدولي بالقيام بعمليات عسكرية هناك، رغم رفضه للأوضاع التي تحدث في ليبيا، ومع ذلك ظلت مصر تقدم المساعدات إلي ليبيا، بعد أن تزايدت فيها حدة العمليات الإرهابية، إلى أن اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارًا حاسمًا بالرد علي العمل الإرهابي ومقتل مصريين على يد داعش، ووجه ضربة جوية لمعاقل الإرهاب في ليبيا التي أثلجت قلوب المصريين وتمت بالتعاون والتنسيق مع الجيش الليبي، لتستمر العلاقات الوطيدة قائمة بين البلدين.

فسياسة ليبيا تشيد بالموقف المصرى ضد الإرهاب فى ليبيا، والرئيس عبدالفتاح السيسى يهتم بالبناء والتنمية، مؤكدًا أن ليبيا بحاجة لخبرة المصريين فى تدريب وتسليح الأجهزة الأمنية، مشيرًا إلى أن التكامل والوحدة بين دول الجوار تتطلب تواجد الإرادة السياسية لدى الأشقاء العرب، حتى يمكن بناء مجتمعات ناهضة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، خاصة أن هذه الدول يربطها مصير وتاريخ مشترك.
إن مصر دائمًا تحمل هموم ليبيا، واستقراره، وقد شهد النصف الأول من العام 2020، تحولًا كبيرًا في طبيعة المعارك العسكرية في ليبيا، وخاصة فيما يتعلق بالسيطرة العسكرية على الأراضي بعد التقدم العسكري الذي حققه الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، تمرّ الأزمة الليبية بمرحلة حرجة تزيد من تعقيدها وتحمل تداعيات أمنية غاية في الخطورة لا تنحصر داخل الحدود الليبية، بل تتجاوزها إلى دول الجوار الليبي.

وتدعو مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية قبل تسع سنوات من ضرورة المقاربة الشاملة لإنهاء الأزمة الليبية من خلال التعاطي مع جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم الاكتفاء بالبعد الأمني.

تسعى الدبلوماسية المصرية الى حل سلمي للأزمة في ليبيا، وتتخذ مصر موقف واضح وداعم للحل السياسي الليبي/ الليبي، البعيد عن التدخلات الخارجية الساعية للهيمنة على مقدّرات الشعب الليبي، ومن أبرز المساعي المصرية ما يلي:  

"إعلان القاهرة" في 6 يونيو 2020 حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بكل من المستشار عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية بقصر الاتحادية، وأسفر اللقاء عن إعلان القاهرة لمبادرة ليبية ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي .

وتعكس هذه المبادرة الموقف المصري الداعم للدولة الليبية وشعبها، والتأكيد على أن الحلول السلمية هى السبيل الوحيد لضمان الخروج من هذه الأزمة، والتي من شأنها الحفاظ على الأراضي الليبية وثرواتها التي هى ملك للشعب الليبي. 

و ما بعد إعلان القاهرة بدأت مصر تحركات سياسية، بعد صدور "اعلان القاهرة"، حيث تواصلت مع القوى الإقليمية والدولية كالولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، من أجل إعطاء هذا الإعلان قوة دفع وزخم، وبالفعل رحب العالم بهذا الإعلان الذي أصبح مرجعية أساسية لحل الأزمة الليبية.
في 16 يوليو 2020 اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مشايخ وأعيان القبائل الليبية تحت شعار "مصر وليبيا.. شعب واحد.. مصير واحد" وأكد الرئيس خلال كلمته على اننا لن نقبل بزعزعة أمن واستقرار المنطقة الشرقية في ليبيا و سنواجه بكل قوة أي تحركات مباشرة لتهديد الأمن القومي المصري والليبي .

في 21 أغسطس 2020 رحب الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها.

في 3 سبتمبر 2020 استقبل الرئيس السيسي الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسات الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية  "جوزيف بوريل" الذي أكد على الأهمية الكبيرة التي يوليها الاتحاد الأوروبي لدور مصر المحوري الذي يحقق التوازن في القضية الليبية، استضافت مصر في الفترة من 28 – 30 سبتمبر 2020 المحادثات الأمنية والعسكرية المباشرة بين وفدين يضمان ضباطًا من الجيش والشرطة في ليبيا، ويمثلان كلًا من حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية”، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمناقشة تدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية في المنطقة التي سوف تحدد في المرحلة المقبلة على ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+ 5، بالإضافة إلى البحث في مسؤوليات ومهام حرس المنشآت النفطية

اجتماع المسار الدستوري بشأن ليبيا
استضافت مصر فعاليات اجتماع المسار الدستوري بشأن ليبيا خلال الفترة من 11 - 13 أكتوبر 2020 برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة وفدي مجلسي النواب والدولة الليبيين بهدف تفعيل المسار السياسي والتباحث حول آليات حل الأزمة الليبية. 
في 22 أكتوبر 2020 قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته في المؤتمر الصحفي عقب القمة الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية انه في ضوء السياسات الاستفزازية المتمثلة في انتهاكات قواعد القانون الدولي والتهديد باستخدام القوة المسلحة والتعدي على الحقوق السيادية لدول الجوار ودعم التطرف والإرهاب ونقل المقاتلين الأجانب إلى مناطق النزاعات، من الضروري التصدي لتلك السياسات التصعيدية التي تزعزع استقرار المنطقة، بالإضافة إلى التنسيق مع الشركاء الدوليين لاتخاذ ما يكفل من إجراءات للحفاظ على متطلبات الأمن الإقليمي.

23 أكتوبر 2020 رحب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ باتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا الذي توصل إليه المسؤولون الليبيون، وأوضح أن النجاح الذي تحقق جاء استكمالا لأول اجتماع مباشر استضافته مصر في الغردقة نهاية سبتمبر 2020، 
4 نوفمبر 2020 أجري وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا زيارة إلى مصر في إطار التعاون بين ليبيا ومصر والتحديات المشتركة التي تواجه البلدين وتعزيز التعاون المشترك على الصعيد الأمني وتوحيد الجهود لمواجهة خطر الإرهاب والجريمة المنظمة وبما يحفظ الأمن القومي المشترك بين ليبيا ومصر.

19 ديسمبر 2020 زار الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، مدينة بنغازي الليبية، موفدًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ إذ نقل رسالة دعم وتأييد من الرئيس للشعب الليبي على كل الأصعدة العسكرية والسياسية، وذلك في إطار الدور المصري الداعم لاستقرار الأوضاع في ليبيا والحفاظ على مقدراتها ومكتسباتها.

22 ديسمبر 2020 استقبلت مصر وفدًا يضم 75 من شيوخ وأعيان ونُخب الجنوب الليبي، في زيارة لمناقشة سبل التوصل إلى حلول سياسية تضمن لم شمل الشعب الليبي والحفاظ على وحدته ووحدة أراضيه، وذلك ضمن جهود مصر للتواصل مع جميع الأطراف الليبية؛ سعيًا لتقريب وجهات النظر بين الأشقاء الليبيين في إطار من الحيادية والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وأكد البيان الختامي الصادر عن وفد الجنوب الليبى على الحاجة الملحة لمواجهة المشكلات الأمنية من ضبط الحدود ومكافحة عمليات التهريب عبرها بما في ذلك الهجرة غير الشرعية بمساندة الأشقاء ويدعم أبناء الجنوب لجهودها في هذا الصدد، وبناء المؤسسات الوطنية الأمنية وتعزيز دورها في محاربة الإرهاب والقوی الظلامية ومواجهتها بكافة الوسائل الفكرية والأمنية لاستئصالها من التراب الليبي.

وتعتبر زيارة رئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد دبيبة لمصر، هي نتيجة الدور الذى لعبته مصر فى حل الأزمة، وتتويج للجهود المصرية التي بذلت للوصول إلى سلطة جديدة مؤقتة منتخبة فى ليبيا، ومن جانب آخر فهي تعبيرا عن تقدير الحكومة الليبية لدور مصر فى القضية الليبية، وتطلعه لدعم مصر له خلال المرحلة الانتقالية القادمة ، وكذلك لمد يد العون من أجل استقرار ليبيا. 

و زيارة رئيس  وزراء الحكومة الليبية تعد بداية ليبيا علي الطريق الصحيح وانطلاق نحو عودة الدولة الليبية .. بالتعاون المثمر مع الدولة المصرية.

فالشعب الليبي هم أخوة مع الشعب المصري وهناك تشارك بين الجانبين على المستوى الاجتماعى وعلى المستوى الثقافات والمستوى الأمني، وتبادل الخبرات وبناء المؤسسات الليبية، واستعادة الأمن، وكذلك تأهيل الكوادر  الليبية في مختلف المجالات.