الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا الحرمين.. تحذران من البدع المنتشرة في النصف من شعبان.. وتؤكدان: ما أشد حاجتنا إلى التزام سؤال الله العافية في الدين والدنيا والآخرة.. ويسن الدعاء بها للأموات

خطبتا الحرمين.. تحذران
خطبتا الحرمين.. تحذران من البدع المنتشرة في النصف من شعبان

خطيب المسجد الحرام: 
  •  لا يشعر بها كثير من الناس ولا يقدرونها وما أدراك ما نعمة العافية
  • لا يدرِك قيمة العافية إلا من فقدها
  • العافية لا تنحصر في عافية الجسد وصحة البدن بل تشمل الدنيا والآخرة
  • لا غنى عن العافية أبدًا فهي من أجلّ نعم الله
  • يسنّ الدعاء بالعافية للأموات
خطيب المسجد النبوي:
  • كان سلف هذه الأمة يسمون شعبان شهر القرّاء لكثرة قراءتهم للقرآن فيه

تناولت خطبتا الجمعة من المسجدين الحرام والنبوي ، الحديث عن فضل شهر شعبان، محذرة من البدع المنتشرة بين الناس في النصف من شعبان، وكذلك سبب إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شعبان وكذلك وصيته بسؤال الله سبحانه وتعالى العافية في الدنيا والآخرة، والتي يُسن الدعاء بها حتى للأموات.

ما أكثر نعم الله علينا
ومن مكة المكرمة، قال الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن ما أكثر نعم الله سبحانه وتعالى علينا وإحسانه إلينا إذ أفاض نعمه بلا عدّ ولا حدّ.

واستشهد «غزاوي» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بقوله تعالى: «وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..» وقال سبحانه: «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا», وإن من النعم التي قد لا يشعر بها كثير من الناس ولا يقدرونها قدرها نعمة العافية، وما أدراك ما نعمة العافية فكم من إنسان يرفل في ثوب العافية، ويتنعم بنعم وافرة لكنه لا يشكر من أسداها إليه بل ينسى المنعم بها عليه.

لا يدرِك قيمة العافية إلا من فقدها
وأضاف: ولا يدرِك قيمة العافية إلا من فقدها؛ فالعافية إذا دامَت جُهِلَت، وإذا فُقِدَت عُرِفَت لذتُها وانكشفت متعتُها، وقد قيل في الحكمة: العافية هي الملك الخفي، منوهًا بأن مفهوم العافية واسع لا ينحصر في عافية الجسد وصحة البدن كما قد يفهمه بعض الناس بل هو يشمل الدنيا والآخرة.

وأفاد بأنه قد ذكر بعض العلماء أن أظهر الأقوال في قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» أن الحسنة في الدنيا العبادةُ والعافية، والحسنةَ في الآخرة الجنةُ والمغفرة. ولما عاد رَسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مريضًا مِنَ المُسْلِمِينَ قالَ له: هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيَّاهُ قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعَاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قالَ: فَدَعَا اللَّهَ له، فَشَفَاهُ.

لا غنى عن العافية أبدًا 
وأكد أن أهم ما يحتاجه المسلم بعد الإيمان واليقين هي العافية فلا غنى له عنها أبدًا؛ فهي من أجلّ نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه؛ فلا عجب أن يكثر صلى الله عليه وسلم من سؤال الله العافية، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي حَتَّى تَجْعَلَهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي فِي دِينِي وَجَسَدِي» .

النبي كان يأمر الناس ويوصيهم بسؤال العافية
وأشار إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس ويوصيهم بسؤال العافية، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالعافية في الصلاة وغير الصلاة، ففي الصلاة كان يدعو في الجلسة بين السجدتين فيقول: «اللهم اغفر لي وارحمني، وعافني واهدني وارزقني».

يسنّ الدعاء بالعافية للأموات
وأوضح أن من أدعية قنوت الوتر التي علمها النبي صلى الله عليه وسلَّم للحسن رضي اللهُ عنه: «اللهم اهدني في من هديت، وعافني في من عافيت»، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنةٌ ثابتة كل يوم وليلة في طلب العافية من الله وعندما يستيقظ المسلم من نومه يقول: "الحمد لله الذي رد عليّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره"، ويسنّ الدعاء بالعافية للأموات كذلك، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الميت: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه».

وتابع: وعند زيارته صلى الله عليه وسلم القبورَ كان يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله اللاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية»، ومما تعوذ منه صلى الله عليه وسلم تبدل العافية فكان يقول «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».

لولا منة الله بالعافية
ولفت إلى أنه لولا منة الله بالعافية لتنغص على العبد عيشه وتكدرت حياته، ولما استقامت ولفسدت، والمؤمن مع العافية يستشعر ما هو فيه من النعم ولا يزدري شيئًا منها، فيلهج لسانه دائمًا بحمد الله أن عافاه حتى لو فاته من الدنيا ما فاته ، مشيرًا إلى أن المرء قد يسلب العافية ويُحْرَمُها، أو يُكَدِّرُها تنغيص ونقصان وهذا يكون في أمرين: الأول: في الدين بالشبهات أو الشهوات.

ودلل بما قال ابن القيم رحمه الله: «القلب يعترضه مرضان يتواردان عليه، إذا استحكما فيه؛ كان هلاكُه وموته، وهما مرض الشهوات ومرض الشبهات، هذا أصل داء الخلق إلا من عافاه الله»، أما الأمر الثاني مما يكون فيه سلب العافية أو نقصانها فهو الدنيا، بمرض جسد؛ كما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".

سؤال الله العافية في الدِّين والدُّنيا والآخرة
ونبه إلى أنه قد يكون ذلك بعدوان عدو من جن وإنس، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أَيُّهَا النَّاسُ، لاَتَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا الله العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» , وقد يكون سلب العافية أو نقصانها في الأهل والمال فمن دعائه صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي».

وأكمل: فما أشد حاجتنا إلى التِزام سؤال الله العافية في الدِّين والدُّنيا والآخرة! أما العافية في الدين فهي أن يقيك من كل أمر يَشين دينك أو يُخل به أو يَخدِش فيه، من المصائب والفتن والشبهات والشهوات، وغيرِها مما يؤثر على العبد في دينه، ويتسبب في رقته، وإضعاف الإيمان في قلبه، فما أعظم أن يعافيك الله ويسلمّك من هذه الأمراض، ويدفعها عنك حتى تستقيم على الصراط المستقيم، وتثبت على الدين القويم.

واستطرد: أمَّا العافية في الدنيا، فهي أن يعافيك ويسلمك من كل ما يكدر العيش الدنيوي مِن هُموم وأكدار وأحزان وآفاتِ وأدواء وأسقام، وأمَّا سؤال العافية في الآخرة، فهو أن يعافيك مِن فِتنَتِها وعذابها وسَعيرها وينجيك من أهوالها وشدائدها، ومن رزقه الله العافية فقد نجا وأفلح وسعد وأنجح، ومن أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل فإن من اتقى الله لبس العافية، وحمد العاقبة.

وألمح أن من الناس من غابت رقابة الله عنده وضعفت خشيته في نفسه فلم يكُفَّ جوارحه عن معصية ربه والوقوع في مخالفة أمره, وقد يغتر بستر الله وإمهاله له، وتُعجبه معصيته؛ فيتباهى بها أمام الناس ويجهر بالموبقات ويعلن بها كأنه يدعو إليها غيره فيعاقبه الله بأن يهتك ستره وينزع عنه عافيته قال: صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».

كم من إنسان يسخّر نعم العافية الدنيوية في سخط رب البرية
وحذر: وكم من إنسان يسخّر نعم العافية الدنيوية في سخط رب البرية بأن يترك ما أمر الله به ويتعدى حدوده ويرتكبَ معاصيَه، فإذا نودي إلى الصلاة استهان بشأنها ولم يكن من أهلها، وإذا دُعي إلى التزام ما أوجب الله عليه، امتنع واستكبر وأنكر على من أسدى النصح إليه, وكم من إنسان تحفه العافية وتغمره فلا تخطر بباله الآلام والبلايا، ويبلغ به الأمر مداه في اتباع هواه بأن يَسخَر من أهل البلاء، ولا يحمدَ الله أن سلمه وعافاه، والناس رجلان معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء في بليتهم، واحمدوا الله على العافية" .

وأضاف: فما أحوجنا ونحن مطمئنون في حصن العافية إلى اليقظة والإفاقة والتوبة والإنابةِ والدعاء وقت الرخاء قبل نزول البلاء، قال عبد الأعلى التيمي رحمه الله: "أكثروا سؤال العافية؛ فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء، وما المبتلَون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم.

وشدد: فما يأمن من أطال المُقام على معصية الله أن يكون قد بقي له في بقية عمره من البلاء ما يَجْهَده في الدنيا، ويفضحه في الآخرة"، وينبغي للإنسان أن يعلم أنه لا سبيل إلى محبوباته خالصة، ففي كل جرعة غصص، وفي كل لقمة شجًا، وعلى الحقيقة ما الصبر إلا على الأقدار، وقل أن تجري الأقدار إلا على خلاف مراد النفس، فالعاقل من دارى نفسه في الصبر بوعد الأجر، وتسهيل الأمر، ليذهب زمان البلاء سالمًا من شكوى، ثم يستغيث بالله تعالى سائلًا العافية" .

وأوضح شهر شعبان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر فيه الصيام، معللًا ذلك بأن الناس تغفل عنه, وفي هذا توجيه بعدم الغفلة عن الله حينَ يغفُل الناسُ؛ فكم ممن أضاع حياته وخسر زمانه ففرط في اغتنام عمره فيما يقربه من ربه؛ مع أن الله أكرمه ونعمه ومتعه بحواسه وقُواه ورزقه العافية في جسده وسلمه مما ابتلى به غيره.

شهر شعبان من الشهور الفاضلة
ومن المدينة المنورة ، قال الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ،  إمام وخطيب المسجد النبوي، إن شهر شعبان من الشهور الفاضلة وهو كغيره من شهور السنة التي وظيفة المسلم فيها عبادة الله وطاعته والاستقامة على شرعه.

وأضاف «آل الشيخ» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة : اغتنموا أوقاتكم وسارعوا فيها إلى مرضاة الله سبحانه وأعلموا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان ، قالت عائشة رضي الله عنها عنه: « ما رأيته صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان » متفق عليه ولمسلم « كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا ».

سلف الأمة يسمون شعبان شهر القرّاء 
وأوضح أنه كان سلف هذه الأمة يسمون شعبان شهر القرّاء لكثرة قراءتهم للقرآن فيه ، موصيًا: فأكثروا رحمكم الله في هذه الشهور من الطاعات والقربات بأنواعها ، وسارعوا فيه إلى سبيل الخيرات التي حث عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من صلوات وصيام واعتمار بيت الله الحرام وصدقة وإحسان ، وكثرة ذكر وتلاوة قرآن ، ومن الأفعال التي فيها النفع للمسلمين ، والتقرب لرب العالمين .

وتابع: واستكمالًا لفضل صوم شعبان فقال: روى أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال : « ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم » حسنه سنده العلماء .

بدع منتشرة في شعبان
وأشار إلى تحريم البدع فقال : فإن من الأصول الكبرى والقواعد العظمى تحريم البدع ، والأمر بعبادة الله جل وعلا وفق
الهدي الرباني والمنهج النبوي، وأعلموا وفقكم الله أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة قيام وتخصيص يومها بصيام، فذلك أمر لم يقم عليه دليل معتبر من الشرع بل نص محققوا علماء المذاهب الفقهية على بدعية ذلك .

وحذر من بعض البدع المنتشرة فقال : وإنه قد انتشر عند البعض القيام باحتفالات في بعض ليالي هذا الشهر والاجتماع على موائد أكل يسمونها الشعبنه فهذه إن قصد بها التعبد والتقرب فهي بدعة منكرة وعمل غير جائز ، فأتقوا الله عباد الله واحذروا البدع فهي شر وضلال ، وزيغ عن السنة التي هي المدار الأقوم والركن الذي لا تصلح عبادة إلا به .