الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ختم القرآن!

في شهر رمضان يزداد الحرص على قراءة وحفظ القرآن الكريم، إلا أن هذا الحرص لا يصاحبه عادة اهتمام بالتدبر والفهم، حيث يتم الاكتفاء بما فهمه السابقون، مع أنه تعالى قال: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) المؤمنون 68.
فقد تم فهم معنى تلاوة القرآن على أن التلاوة تعني القراءة فقط، وليس بمعنى التتالي والتتابع في وصل الآيات، وأن الترتيل يعني طريقة من طرق الأداء الصوتي لقراءة القرآن، وليس بمعنى وضع الآيات في أرتال أو صفوف كالمصفوفات، فالتلاوة والترتيل هدفهما الربط الموضوعي للآيات من أجل فهم متكامل لموضوع الآيات.
كما تغلب مفهوم التفسير على مفهوم التدبر، فالآيات لا يتم فهمها إلا من خلال كتب التفاسير وعلوم القرآن وعلوم اللغة والمعاجم وقصائد الشعر، والنتيجة أن المسلمين هجروا الصلة الحقيقية بالقرآن وهى التدبر.
وفهم آيات القرآن له ضوابط منهجية منها فهم السياق، وتحديد موضوع الآيات التي تتم قراءتها، وربط الحدث بتفاصيله التي تحدثت عنها الآيات في نفس السورة أو في سور أخرى، ومعرفة انواع الخطاب والذي يأتي حسب المخاطب، مثل الخطاب الدعوي، والخطاب التشريعي، والخطاب التوجيهي، والهدف من الخطاب، ومعرفة المخاطب الذي تخاطبه الآيات، ومعرفة من تتحدث عنه.
مثلاً في قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ..) البقرة 190، سياق الموضوع عن القتال، والخطاب تشريع ملزم في كل زمان ومكان، والمخاطب هم المسلمون، والحديث عن كفار قريش الذين اضطهدوا المسلمين في مكة، ولما هاجروا للمدينة لاحقهم الكفار ليقاتلوهم، وسورة البقرة نزلت قبل معركة بدر ووضعت ضوابط للقتال لكي يتقيد بها المسلمون.
وفهم القرآن يكون بتدبره من خلال معرفة المفاهيم والمصطلحات من داخل القرآن، خاصة وأن الله تعالى لم يوجهنا للاستعانة بأي مصادر تساعد على الفهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة 159.
فالقرآن هو الكتاب المبين بذاته، وتم وصف آياته بالبينات وهى التي تحتاج في تبيينها للقراءة والتلاوة والتفكر والتدبر فيها، والذى جعل الكتاب مبيناً وجعل آياته بينات هو الله تعالى القائل عن كتابه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 22. 
والآيات التي تتحدث عن بيان القرآن ووصفه بالكتاب المبين والبينات كثيرة، ومع ذلك يعتقد البعض أن القرآن كتاب غامض يحتاج إلى تفسير، مع أن الله تعالى يقول عن القرآن: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) الفرقان 33، فأحسن تفسير للقرآن هو القرآن. 
قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) النحل 89، والتبيان هو التوضيح، والشيء الواضح بذاته لا يحتاج لغيره ليوضحه، والله تعالى أنزل كتابه محكماً ولذلك فكل شيء يحتاج البيان والتوضيح جاء في القرآن بيانه وتوضيحه. 
كما ترتبط تفصيلات القرآن بالهدى والرحمة، قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف 52، فالتفصيلات القرآنية التي شملت كل شيء جاءت هدى ورحمة للذين يحتاجون إلى هذه التفصيلات.
والبشر قد تتحول التفصيلات في كلامهم إلى لغو وثرثرة فيما لا حاجة إليه ولا طائل من ورائه، وهذا ما تنزهت عنه تفصيلات القرآن التي ارتبطت بالعلم المحكم، قال تعالى: (الر ۚكِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود 1.
ولذلك فإن المؤمنين بتمام القرآن هم فقط الذين يتفكرون ويعلمون تفصيلات القرآن، قال تعالى: (..كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأعراف 32، وقال تعالى: (..كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يونس 24.
إن الله تعالي لم ينزل القرآن لنتسابق على قراءته وختمه ولكن لنتدبره ونفهمه ونعمل به، ومع ذلك يتركز اهتمامنا بالقرآن على قراءته فقط، ونتسابق في ختم أجزائه في شهر رمضان فقط.
لم نسأل أنفسنا كيف نقرأ القرآن قراءة نخرج منها بفائدة؟، وفي كم آية تدبرنا؟، وكم آية أثرت فينا فغيرت فكرنا وبدلت من سلوكنا؟، أسئلة لا يهتم الكثيرون بطرحها ولا بالإجابة عنها، ولن نهتم بالفهم إلا إذا أردنا أن نتغير للأحسن وأن يتغير حالنا للأفضل.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط