الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: المسلمون بذلوا جهداً مبدعًا وغير مكرر في توثيق كلام النبي

الكتاب والسنة
الكتاب والسنة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن المجتهدين العظام رسموا طريقاً واضحاً لتأصيل التشريع الإسلامي تأصيلاً حضارياً يعكس النسق المفتوح لدين الإسلام ويؤكد عالميته وشموليته لكل الأزمان والأماكن ليكون بحق دين الله الخاتم للعالمين، وكانت الخطوة الأولى لهذا الطريق هي تحديد الحجة وهي بإجماع جمهور العلماء القرآن والسنة معاً فلا يكفي أحدهما دون الآخر، ثم يأتي بعد ذلك السؤال الثاني وهو كيفية توثيق هذه الحجة، فإذا كان الكتاب والسنة المصدرين للتشريع الإسلامي، فكيف وصلا إلينا؟

وأضاف علي جمعة: أما الكتاب فقد وصل إلينا بالتواتر لم يختل فيه حرف واحد، بل قد حُفِظ حتى على مستوى الأداء الصوتي للحروف ومخارجها، وكذلك الكلمات وطريقة نطقها، ونشأت عدة علوم للحفاظ على هذا الكتاب الكريم كما هو، منها: علوم النحو والصرف، والقراءات، والتفسير، بل علوم اللغة كلها، حتى إن المعاجم العربية إنما وُضعت للحفاظ على هذه البيئة التي منها ذلك الكتاب العظيم.

وأشار علي جمعة إلى أنه لم يحدث في العالم أن حفظ الأطفال كتاباً مقدساً أو غير مقدس كما فعل ذلك أطفال المسلمين في الكتاتيب والمنارات، ولم يحدث أبداً أن حفظ غير الناطقين بلغة ما نصاً مقدساً بطول القرآن، وهم لا يعرفون لغته، ولا يفهمونها، ولا يزال أحدهم مع صغر سنه وعجمة لسانه يقوم بقومه بالقرآن في الصلاة، ولا يخطئ منه حرفاً.. إنها معجزة ربانية واضحة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وتابع علي جمعة: أما عن السنة فقد بذل المسلمون جهداً مبدعاً وغير مكرر في توثيق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشأوا علوماً كثيرة، ولم يحدث مثل ذلك أبداً لأي نبي أو مفكر أو عالم أو شاعر أو أديب في تاريخ البشرية، فهو أمر فريد اختص به كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويحسن بنا أن نفصل كيفية التوثيق في عهد الصحابة والتابعين دلالة على ما حدث بعد ذلك في العصور التالية وإلى يومنا هذا، حتى يعلم الناس بعض الذي حدث، ودقته، وكيف اتبع المسلمون المنهج العلمي بما لا مزيد بعده من الدقة.

واستطرد علي جمعة: كان للصحابة، رضوان الله عليهم، عناية شديدة في رواية الحديث ونقله، فقد وضعوا بعض الضوابط لقبول الأخبار عنه، صلى الله عليه وسلم، وإن لم تدوَّن في عصرهم، ومن تلك الضوابط: الاحتياط في قبول الأحاديث بالتحري، وكان أول من احتاط في قبول الأخبار أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: «جاءت الجدة إلى أبى بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق رضي الله عنه» (رواه أحمد في مسنده والنسائي في سننه)، فكانت رؤية أبى بكر، رضي الله عنه، هي التثبت في الأخبار والتحري، لا سد باب الرواية مطلقاً.