الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإنسان الهجين .. ما بعد الإنسان العاقل!

أميز ما يميز العلم أنه متواضع، فلا يزعم امتلاكه لإجابات على كل الأسئلة، ولا يقدم إجابات مطلقة، عكس الدين الذي يعطي مثل تلك الإجابات، في ذات الوقت الذي يسير فيه العلم بخطى ثابتة وعمل دؤوب للوصول إلى إجابات عن الأسئلة التي لم يتمكن من الإجابة عليها، والولوج إلى مجالات غير مطروقة من البحث بهدف فتح آفاق جديدة، فعلى الرغم من تواضع العلم إلا أنه لا يعترف بالمستحيل، وإن تواضع في عدم المعرفة الكلية فإنه معتز بقدراته الهائلة، وبأنه يستطيع أن يحقق ضعف ما حققه ملايين بل مليارات المرات. حيث، كما قلنا آنفا، لا يعترف العلم بالمستحيل.

ومع هذا التواضع فلا يعرف العلم حدودا، بل ليس لديه محرمات، فلم يترك مجالا من المجالات إلا واقتحمه، وها هو يبحث عن مجالات جديدة يثبت فيها قدراته، ويقدم للبشرية من خلالها خدماته، بعدما استطاع أن ينقل الإنسان من حالته البدائية التي كان عليها منذ عشرات الألوف من السنوات منذ أن ظهر الإنسان العاقل على كوكب الأرض.

والإنسان العاقل (باللاتينية: Homo Sapiens) هو الاسم العلمي للنوع الوحيد غير المنقرض من جنس الأناسي والمعروف بهومو (باللاتينية: Homo)، الذي يحتوي أيضاً على نياندرتال وأنواع أخرى من القردة العليا.

الانسان العاقل الحديث وهو النوع الفرعي من الإنسان العاقل والذي يختلف عن سلفه المباشر الإنسان العاقل الأول، ولقد أدى إبداع وقدرة الإنسان العاقل على التكيف في أن يصبح أكثر الأنواع نفوذاً على الأرض.

هذا الإنسان الذي قطع شوطا هائلا إلى أن استطاع بالعقل أن يتوصل للعلم الذي نقله من العصور البدائية والفكر الخرافي الأسطوري إلى عالم اليوم، هذا الذي لم يكن يحدث لولا أن توفرت القارة الأوروبية على عقول نابهة وضعت خطا فاصلا بين التفكير الأسطوري والتفكير العلمي، ذلك الذي يمكن أن نؤرخ له بالثورة الكوبرنيكوسية حينما تم الإعلان عن مركزية الشمس بواسطة نيكولاس كوبرنيكوس "وهو راهب وعالم رياضيات وفيلسوف وفلكي وقانوني وطبيب وإداري ودبلوماسي وجندي بولندي كان أحد أعظم علماء عصره. يعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها في كتابه "حول دوران الأجرام السماوية". وهو مطور نظرية دوران الأرض، ويعد مؤسس علم الفلك الحديث. وينتمي لعصر النهضة الأوروبية - 1400 إلى 1600 ميلادية.

إن الإنسان العاقل، الذي كان قد تطور من غيره، مر بعدة مراحل استفاد بها استفادة هائلة من هذا العقل، حينما أخضع، في طوره الأخير، كل شيء للعقل وحينما استخدم العلم.
وهذا الإنسان في طريقه لأن يغادر تلك الحال التي هو عليها، إلى ما بعد الإنسانية، أو لو استعرنا تعبير الفيلسوف فريدريش نيتشه (بالألمانية: Friedrich Nietzsche) ‏ (15 أكتوبر 1844 - 25 أغسطس 1900) فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث، فإن الإنسان في طريقه ليصبح الإنسان الأعلى أو "سوبر مان"، هذا الذي لن يكون عن طريق التطور البيولوجي الطبيعي فقط، الذي هو حالة مستمرة ودائمة، ولعل الخبر الذي تم نشره خلال الأيام القليلة الماضية والذي جاء تحت عنوان: ظهور شريان جديد في ذراع الإنسان يؤكد استمرار تطور البشرية يؤكد ذلك
حيث كشفت مجلة علمية في مقال مطول عن وجود تطور جديد حدث في ذراع الإنسان خلال الحقبة الأخيرة، في مؤشر قوي على استمرار تطور البشرية من الناحية الفيزيائية والبدنية، بما يتناسب مع متطلبات حياته.
وأشار العلماء إلى وجود تعديل بسيط ظهر في أيدي جزء كبير من البشر في الحقبة الأخيرة، أي قبل بضعة أجيال فقط، معتبرين أنه علامة قوية على استمرار تطور الإنسان.
وبحسب مجلة “sciencealert” العلمية، فإن ظهور وعاء دموي إضافي جديد في أذرعنا، والذي قد يكون شائعًا وفقًا للاتجاهات الحالية في غضون بضعة أجيال فقط.
واشار علماء وباحثين من جامعة “فليندرز” وجامعة “أديلايد” في أستراليا، إلى أن الشريان الذي يمتد بشكل مؤقت أسفل مركز الساعدين أثناء وجودنا في الرحم تطور وبقي لدى الكثيرين بعكس الحالات السابقة.
وبحسب المصادر، يتواجد الآن عدد أكبر بكثير من الأشخاص البالغين الذين ظهر لديهم قناة دموية إضافية من الأنسجة الوعائية تتدفق تحت معصمهم.

وكما هو معروف فإن التطور الطبيعي يحتاج عشرات الألوف إن لم يكن مئات الألوف من السنين، هذا الذي يعد عقبة كأداء في سبيل الوصول إلى الإنسان ما بعد العاقل، ومن هنا فإنه يمكن للعلم أن يعمل جاهدا على اختصار هذه السنوات عن طريقين: الأول التطور الموجه والثاني الذكاء الاصطناعي.
أما التطور الموجه Directed evolution، والذي هو عملية تستخدم في هندسة البروتينات وتغييرها بشكلٍ يحاكي عملية الانتقاء الطبيعي لتوجيهها نحو هدف محدَّد ومرسوم مسبقاً، يشمل التطوُّر الموجَّه عدة خطوات تتمثَّل في إخضاع الجين لعدة جولات مُتكرِّرة من الطفرات والانتقاء والتضخيم، ويمكن القيام بهذه العمليَّة في الكائن الحي أو في المختبر، يستخدم التطوُّر الموجَّه لدراسة مبادئ التطور الأساسيَّة ضمن بيئة مختبريَّة محكومة أو مُسيطر عليها. ومن خلالها يستطيع الإنسان الوصول إلى قدرات أفضل مما هو عليها الآن.
أما الخطوة الأهم، على ما نظن، والحاسمة في خلق إنسان ما بعد الإنسان العاقل فهي دمج الذكاء الاصطناعي في جسم الإنسان من خلال إضافة شرائح للحصول على ما يسمى الإنسان المهجن، وذلك بهدف إلغاء ما يعتبر غير مرغوب في معظم الأحيان مثل: الغباء، المعاناة، المرض، الشيخوخة وأخيرًا التخلص من الموت.

إن الهدف الذي يسعى له المؤمنون بضرورة مغادرة حالة الإنسان العاقل هو الوصول إلى الإنسان الجديد المعدل تكنولوجيًّا وذلك لأن الإنسان الحالي كما يرى أنصار هذه المدرسة قد وصل إلى حدود تطوره ولم يعد قادرًا على مواكبة العصر الجديد الذي أصبح يقوم على التداخل بين الواقع الطبيعي والواقع الافتراضي لدرجة لم يعد بالإمكان التمييز بينهما. ذلك أن الإنسانية بدأت تنتقل تدريجيّا نحو الحياة الثانية التي تقوم على العيش في العالم الافتراضي، حيث من المتوقع أن تعاش الحياة الإنسانية بشكلها الجديد، بحيث يصبح الحديث عن الواقع الحقيقي ضرب من الخيال العلمي في عصر الحياة المعززة بالواقع المعزز.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط