الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منتجات ألبان بدون حيوان.. أنظف حليب في العالم يثير الجدل| تحقيق خاص

منتجات ألبان بدون
منتجات ألبان بدون حيوان.. أنظف حليب في العالم يثير الجدل

خلال الأيام القليلة الماضية أثار محتوى فيديو جدلاً كبيراً على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» حيث يروج صاحبه لنوع من الحليب قائم على إعادة نسخ جينات البقرة، وتحويلها لميكروبات تخضع لتخمير، ثم يفضي إلى إنتاج بروتين الحليب، مؤكداً أنه «أنظف حليب في العالم».

وفي هذا التحقيق يستعرض لكم موقع «صدى البلد» كل ما تريدونه معرفته عن منتج الحليب المصنع بدون مصدر حيواني وإنما هو في الأصل «ميكروب».

حليب مصنوع بدون بقرة

ادعي مدون الفيديو «نصير ياسين» في مقطع حقق حتى الآن ما يزيد عن 2 مليون مشاهدة أن الحليب الذي على وشك أن يشربه في الفيديو، هو أنظف حليب في العالم!، فلا يحتوى على اللاكتورز، ولا الكوليسترول، ولا يأتي حتي من حيوان، منوهاً: «هذا هو أول حليب في العالم مصنوع بدون بقرة».

وأضاف «ياسين» في إشارة إلى من صنعوه: «أفيف وأوري من صنعوه» ليعلقان بدورهما: « وجدنا طريقة لإصلاح الحليب، نعم وجدنا أن أنضف الحليب يحتاج إلى إصلاح، لأن حليب البقر التقليدي ليس جيدا كما يبدو على شاشة التلفزيون».

«الحليب ليس صحي».. بهذا الكلمات تابع مدون الفيديو حديثه بأن الحليب القادم من الأبقار مليء بالاكتورز، وهو الشيء الذي يسبب انتفاخ لدي 65% من البشر مما لا يتحملون اللاكتروز كما أنه مليء بالكلسترول والدهون المشبعة.

رصد عيوب حليب الأبقار

وواصل نصير ياسين في الفيديو الذي أثار جدلاً عبر «فيسبوك» أنه لصناعة لتر من حليب البقر يتم إهدار 1000 لتر من الماء، كما أن إنتاج الألبان هو المساهم الرئيس في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث تستهلك الكثير من الماء وتنتج الكثير من النفايات، فيما يأتي الحليب من الحيوانات، ويحتاج إلى الكثير من المساحة والمال والمياه والطاقة لتعطينا الحليب.

وأكمل مدون الفيديو أنه في المصانع الحيوانية يلزم إنتاج الحليب إساءة معاملة الحيوانات؛ لذا نحتاج إلى ابتكار نوع مختلف من الحليب يكون بأسعار معقولة وأخلاقية، لافتًا إلى أن أبيب واوري تخلوا عن وظائفهم لتحمل أكبر مخاطرة في حياتهم لجعل شيء ما شربناه لآلاف السنين أفضل، بعد بحث مكثف وجدوا طريقة للقيام بذلك.

ونوه: «قاموا بنسخ الجينات من بقرة حول كيفية صنع الحليب ثم قاموا بتحويلها إلى ميكروب، وحتي الآن لسنا بحاجة إلى بقرة لصنع الحليب، فقط الميكروب، واستخدام التخمير يمكن أن يصنع هذا الميكروب، ومن خلال البروتين صنعوا الحليب، تبدو متطابقة تماما وطعمها متماثل تماما كالذي تحصل عليه من البقرة».

واستطرد: «باستثناء هذا الحليب صحي أكثر، ولن تتعرض الأبقار للأذي، هذا الحليب جيد جداً لدرجة أن الأبقار يمكن أن تشعر بالغيرة من عميلة التخمر الميكروبي، صنعنا الآلية الكاملة لإنتاج الحليب في ميكروب خلية واحدة، ولسنا بحاجة إلى إنفاق الموارد في عملية إنشاء من حيوان يبلغ وزنه 900 كيلو جرام».

واختتم: «في هذه العملية تحتاج فقط إلى 10٪ ماء و1٪ من الأرض و0٪ من الأبقار لانشاء حليب كبير ضمن صفقة كبيرة  بطعام أفضل وأكثر صحة واستدامة بدون جوانب سلبية وتجده قريبا في السوبر ماركت، وقسم الألبان بأكمله سيكون أكثر صحة ونصنع جميع منتجات الألبان، وتكلفة بنفس القدر بدون أي انتاج مصنعي».

فوائد وأضرار حليب الميكروب

وللوقوف على مميزات وعيوب تصنيع لبن من ميكروب باستخدام تقنية التخمير الدقيق و المعروفة بـ «Percision fermentation» أوضح الدكتور نبيل محمد مهنا، أستاذ علوم الألبان، والعميد الأسبق لكلية الزراعة بجامعة كفر الشيخ، في حديثه لموقع «صدى البلد» أن اللبن مادة غذائية شبه كاملة تحتوى على العديد من المكونات المعقدة، أبرزها: «البروتينات  والدهن و الكربوهيدرات و الفيتامينات والأملاح والمعادن والصبغات إلخ».

وأضاف «مهنا» أن اللبن البقري، الأكثر تداولاً في العالم، يحتوي في مكوناته على 78% ماء، وعليه ما يزيد عن 13 مكون آخر، لافتًا إلى تعدد صور المواد بداخل المنتج الطبيعي، فدهن اللبن على سبيل المثال يوجد في صورة مستحلب، وهي صورة واحدة من صور تواجده في الطبيعة، والكربوهيدرات توجد في صورة ذائبة، وهي احدي صورها في الطبيعة أيضًا.

وتابع: «كذلك البروتين موجود في اللبن الطبيعي بصورتين، الأولى: كازين وتشمل 2.50 % منه، وهو بروتين اللبن الرئيسي، ولا يوجد إلا به بهذه الخواص المعينة كالصورة الرغوية، و0.7 منه بروتين الشرش أو السيروم ويأتي في صورة ذائبة، إذا هذا دليل بسيط على تعدد صور المادة داخل مركب اللبن، فكيف يمكن لهذا اللبن المصنع أن يكون مثل الطبيعي».

ما خلقه الله هو الأفضل بالأدلة 

وواصل: «اللبن يشتمل على 120 جرام لكل 100 مللي، وحوالي ثلثين منه يأتي في صورة رغوية، ونفس النسبة تأتي في صورة ذائبة، وكذلك معدن الفسفور في اللبن، وجزء كبير من هذه الفيتامينات ذائب في الذهن، مثل: «a b d k» وهذا يعني أنه لو استخلصنا الدهن، فنحن نقضي على الفيتامينات».

ونبه: «في المصنع اللي ربنا خلقه، وهو درع الحيوان، فيه أشياء تمر من الدم إلى درع الحيوان، وتخلق بداخله، مثل بروتين السيرم، الجلوكوز الذي يتحول داخله إلى الجالكتوز واللذان يتحولان في النهاية إلى لاكتوز، وهو سكر الحليب، واللبن من غير لاكتوز يكون ناقص في مكوناته وما ينفعش».

وأكمل «اللاكتوزر يعبر المكون الأساسي في تصنيع الزبادي والجبن، وبالتالي هذا يعد بديلاً لمن لديهم حساسية من اللبن، منوهاً: نحن  لسنا ضد العلم، لكن ما خلقه الله هو الأمثل، نقدر نقلد منه جزء، لا أكثر من ذلك، وأبسط دليل على هذا أن أي ماكينة  تشتريها للمصنع سعرها يساوي صفر بعد 10 سنوات من عملها بالورقة والقلم، فاللبن المصنع أكثر تعرضاً للتأثيرات السلبية».

وعن فكرة استنساخ جينات البقرة، يلفت: «قام معهد أبحاث اسكتلندي بنسخ النعجة دولي، لكن كانت حساسيتها للفيروسات والميكروبات أعلى بكثير، كما حاولوا استنساخ إنسان من الخلايا الجذعية، وللأسف كل هذا يعد مسخ، لكنه لا يمكن أن يتحمل الظروف الطبيعية التي يحملها إنسان أو حيوان من صنع الله - عز وجل- كالمناخ والغذاء».

وأشار إلى أن اللبن يتعرض للعديد من الميكروبات بعد حلبه بمدة، ولمحاربة ذلك توجد العديد من المزراع التي توفر كل سبل النقاء له، لحمايته من كل أشكال التلوث، دون حتي اللجواء إلى معالجته حراريا، لذا تم ابتكار البسترة للتخلص من أي ميكروب لبني، وبالتالي امكانية شربه بأمن وسلاسة، وهي تعني الصدمة التبريدية بعد الحرارة العالية للقضاء على أي ميكروب».

وأكد أنه إذا أمكن الاستغناء عن أي دهون في اللبن، خوفاً من السمنة، وإن كانت دهون اللبن بشكل عام وبحدود صحية ومفيدة جداً، فلا يمكن الاستغناء عن اللاكتوز، ومن يعاني من حساسية منه فلديه بديل هو الزبادي، حيث أن كل كيلو لبن يعادله 8 أكواب زبادي بنفس القيمة والفائدة، وعملية تصنيع تقلل من نسب اللاكتوز فعلياً، لكن لهم بدائل طبيعية.

واختتم: «صنع الله لا ضرر فيه مطلقاً، وإنما الضرر يأتي من سوء استخدام البشر مثل الإفراط في استعال الأدوية بدون داعي وبدون اشراف طبيب، علم الوراثة يفيد في الجزئيات لا يصح أن نستعين به ليخلق لنا أشياء طبيعياً من الصفر، مختتماً أنه لا توجد أي اساءة للبقر أثناء عميلة حلب اللبن، فهي مثل أم ترضع أطفالها فلا تؤذيها هذه العميلة، وأن الحليب المصنوع من ميكروب لا يمكن أن يكون مذاقه كالحليب الأصلي.

أبرز صانعي حليب الميكروب 

وبالبحث عن المنتج الغريب تبين أن أبرز مصنعيه شركة متعددة الجنسيات تدعى «Remilk» للحليب ومشتقاته دون الحاجة إلى بقرة وبطريقة رخيصة، حسب إعلان صفحة «إسرائيل بالعربية» الناطقة بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية، في الـ 17 من ديسمبر  2020.

وأضافت الصفحة في تغريدة عبر حسابها الرسمي على موقع «تويتر» أن إنتاج الحليب سيكون عن طريق إعادة نسخ جينات البقرة وتحويلها لميكروبات تخضع لتخمير، ويفضي الى إنتاج بروتين الحليب، منوهةً أن الحليب الجديد يشبه في قوامه ومذاقه الحليب الأصلي.

ومن أبرز ما أعلنت عنه شركة المذكورة عبر صفحتها الرسيمة على موقع «تويتر» أنها تمكنت من جمع 11 مليون دولار لصنع منتجات الألبان الخالية من الحيوانات من خلال «التخمير الميكروبي»، لافتةً: « تسعى الشركة للتغلب على أوجه القصور في بدائل الألبان النباتية».

كيف صنع أنظف حليب؟

وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة العبرية «ذا تايمز أوف إسرائيل» في الـ 27 من نوفمبر 2020 إلى قول أفيف وولف، الذي شارك في تأسيس الشركة الناشئة عام 2019 إلى أن  الاعتماد على الحيوانات في الطعام لم يعد مستدامًا حيث أن الآثار المترتبة على تربية الحيوانات مدمرة لكوكبنا.

ولفتت إلى أن وولف نوه في مقابلة هاتفية أن التكنولوجيا التي طورها وشريكه العالم أوري كوهافي تنتج بروتينات حليب متطابقة كيميائيًا مع تلك الموجودة في الحليب ومنتجات الألبان التي تنتجها الأبقار مما يعني في الأساس أنها منتجات ألبان تحتوي على بروتينات الألبان، باستثناء الأبقار.

وقام رائدا الأعمال بتحديد التركيب الكيميائي للحليب، وتقييم الدهون واللاكتوز والسكر في السائل، وتحديد أن المكون الرئيسي لصنع الحليب هو البروتينات، وبهذا بدوأ في إعادة تكوين البروتينات عن طريق أخذ الجينات التي تكودها وإدخالها في ميكروب وحيد الخلية، والذي تلاعبوا به جينيًا للتعبيرعن البروتين بطريقة فعالة وقابلة للتطوي باستخدام عملية التخمير الميكروبي حيث قاموا بزيادة عدد البروتينات، ثم قاموا بعد ذلك بتجفيفها إلى مسحوق.

شركات متتعدة تستخدم نفس التقنية

ووفقًا للصحيفة العبرية  لا تعتبر «Remilk» الشركة التقنية الوحيدة التي تعمل على منتجات الألبان البديلة حيث تستخدم شركة «Change Foods» الأسترالية الأمريكية تقنية الهندسة الحيوية لإنتاج جبن ومنتجات ألبان خالية من الحيوانات، كما يقول موقعها على الإنترنت.

وتبين شركة «New Culture» ومقرها سان فرانسيسكو أنها تصنع جبن البقر بدون البقرة، كما تستخدم«Legendairy Foods» الألمانية أيضًا التخمير الميكروبي لإنتاج نفس البروتينات الموجودة في حليب الأبقار، وتنوه «Those are Vegan Cowboys» البلجيكية أنها تصنع منتجات بنفس حليب الأبقار، لكن بدون استخدام الحيوانات، كما يقر ملاك «Remilk» بأن لديهم شركاء تجاريون استراتيجيون للغاية يعملون معاً وسيكونوا في منتهي السرعة في الوصول إلى السوق.

وانضمت إلى الشركات التي تستخدم نفس التقنية «Perfect Day» وهي شركة أميركية ناشئة تصنع منتجات ألبان بدون أبقار من خلال بروتين ألبان مطابق جزيئيا للبروتين الموجود في حليب البقر، مما يمكنها من صنع منتجات مثل الجبن والزبادي، حسب ما نشرته موقع «سي إن إن بيزنس» في 13 أغسطس 2021.

وأوضح الشريك المؤسس للشركة، رايان بانديا، أن شركتهم تجمع الجين الخاص ببروتين مصل اللبن، وهو نفسه الموجود في حليب البقر، وتدخله إلى الفطريات،  وعندما ينمو الفطر في خزانات التخمير، فإنه ينتج بروتين مصل اللبن، والذي يتم تصفيته وتجفيفه بعد ذلك ليصبح مسحوق يستخدم في منتجات مثل الجبن والبوظة، وهذه المنتجات متوفرة للبيع في متاجر بالولايات المتحدة وهونج كونج.

وعلى الرغم من أن منتجات الشركة لا تحتوي على اللاكتوز أو الهرمونات أو الكوليسترول، إلا أنها غير مناسبة للأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه منتجات الألبان، لكن نظراً لعدم وجود حيوانات في العملية، يصف «بانديا» منتجات الشركة بأنها «صديقة للنباتيين».

استثمارات ضخمة للبروتينات البديلة

ووفقًا لأرقام معهد «Good Food»  وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تعزيز الابتكار في البروتينات البديلة، تم استثمار 590 مليون دولار في بروتينات بديلة مخمرة في عام 2020، و 300 مليون دولار منها ذهبت إلى «برفكت داي». 

التخمر تقنية فعالة في المستقبل

تهدف الكثير من الأبحاث في علم النبات  إلى زيادة إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل والفواكه والخضروات عالية الإنتاجية والتي تتكيف بشكل أفضل مع الظروف المناخية المتغيرة من خلال تقليل فقد الأغذية، وإعادة تدوير النفايات، وتقييم المنتجات الثانوية، وتحسين القيمة الغذائية وزيادة وقت التخزين.

وفقًا لتقرير نشرته المنظمة الأوروبية للبيولوجيا الجزيئية في الـ 27 من إبريل 2021  يمثل التخمير تقنية فعالة من حيث التكلفة ومتعددة الاستخدامات ومثبتة تطيل العمر الافتراضي للمنتجات الغذائية وتعزز محتواها الغذائي، وعلاوة على ذلك هناك إمكانات هائلة في التخمير لزيادة الكفاءة ومجموعة المنتجات وحتى إنشاء منتجات غذائية جديدة من الكتلة الحيوية غير الغذائية.

وعرف البحث التخمير بأنه زراعة الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والخمائر والفطريات لتحطيم الجزيئات المعقدة إلى جزيئات أبسط، ولا سيما الأحماض العضوية أو الكحولات أو الإسترات-  صنف من المركبات الكيميائية العضوية-.

مخاطر كامنة في استخدام التخمر

وأشار البحث إلى أن التخمير يعد من الناحية العملية واحد من أقدم تقنيات معالجة الأغذية لزيادة عمر التخزين إلى جانب الطهي أو التدخين أو التجفيف بالهواء، وتم تصنيع التخمير بالفعل بالكامل لإنتاج البيرة والخبز منذ آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين القديمة ومصر.

ولفت إلى أن التخمير يستخدم الآن على نطاق واسع لإنتاج المشروبات الكحولية والخبز والمعجنات ومنتجات الألبان والخضروات المخللة وصلصة الصويا وما إلى ذلك.

ونوه البحث أنه على الرغم من أن التخمير يطبق في الأصل للحفاظ على الطعام إلا أنه لا تزال هناك مخاطر كامنة متضمنة عند استخدام التخمير التقليدي أو التلقائي، كالكائنات الدقيقة المسببة للأمراض أو المستقلبات الضارة التي يمكن أن تفسد المنتج النهائي وتشكل مخاطر صحية للمستهلكين.