الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسين حمودة في حوار لـ"صدى البلد" : دفع المؤلفين أموالا لدور النشر أضر بالأدب .. قراءات النص الإبداعي الحقيقي لا تنتهي

الناقد الأدبي الدكتور
الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة

يعد الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، واحدًا من أهم الأصوات النقدية العربية في العقدين الأخيرين، عُرف كأحد أبرز النقاد المصريين والعرب وأكثرهم نشاطاً وحيوية وهو يمارس بكفاءة ودأب مهامه النقدية والأكاديمية منذ ما يزيد على ثلاثة عقود في مصر وخارجها، وقال في حواره لـ "صدى البلد"، إن النقد العربي لم يمت أبدا، ولا يمكن أن يموت، قد تنحسر موجاته في بعض الفترات، أو يتحدد في دوائر بعينها، في فترات أخرى، ومنها هذه الفترة التي نعيشها.

وأضاف حسين حمودة، أن هناك أسماء تحظى في بعض الفترات بانتشار أكبر من أسماء أخرى أكثر استحقاقا للاهتمام والانتشار، وإلى نص الحوار:

 

  • إن دور النقد عموماً والنقد الأدبي خصوصاً لا يتوقف عند الكشف عن مواطن الجمال والابداع في قصة أو قصيدة أو فيلم سينمائي، بالتأكيد إنه يتجاوز ذلك بكثير وليس بخاف على أحد حتى النقاد أنفسهم إذن أين يكمن موطن الخلل؟

نعم.. هذا صحيح تماما.. دور النقد يمكن أو يجب أن يتجاوز هذا كله، وأن يقوم بواجبات متعددة: أن يستكشف المواهب، وأن يساعد أصحابها، وأن يتابع حركة الإبداع، وأن يقيّم ما فيها، وأن يستشرف مسيرتها المقبلة.. ولكن ما تشير إليه من "خلل" يرتبط بعدم تحقق كل هذه "الواجبات" أو بعدم تحقق بعضها على الأقل.. وهذا له أسباب كثيرة، منها عدم إمكان وجود "الناقد المتفرغ"، فمعظم النقاد يقومون بأعمالهم النقدية على هامش أعمال أخرى، ومنها عدم كفاية المنابر النقدية، في وسائل الإعلام المختلفة، ومنها قيود النقد الأكاديمي وعزلته وربما سجنه، داخل أسوار الجامعات، واستخدام لغة ومصطلحات غير قادرة على مخاطبة القارئ العام.. إلخ.. هذه كلها مظاهر لعدم حضور النقد بشكل عام، أو لعدم نشاط الحركة النقدية بقدر كاف، على الرغم من وجود نقاد ممتازين يقومون بمهامهم على نحو رائع.. وهم آحاد في الوطن العربي كله.

  • وحقاً هل مات النقد الأدبي العربي؟ بل هل هناك مشروع نقدي عربي حقيقي؟

النقد الأدبي العربي، والنقد عموما، لم يمت أبدا، ولا يمكن أن يموت.. قد تنحسر موجاته في بعض الفترات، أو يتحدد في دوائر بعينها، في فترات أخرى، ومنها هذه الفترة التي نعيشها، والتي شهدت مشاركات نقدية من غير المتخصصين على وسائط الاتصال المتعددة... كذلك يمكن للنقد أن يتأثر بغياب الروح النقدية في المجتمع بوجه عام، في بعض الظروف أو السياقات.. لكن هذا كله لا يعني موت النقد.. النقد لا يموت لأن الإبداع لا يموت.. وما دام هناك متلقين للأعمال الإبداعية فسوف يظل النقد حاضرا، بأي شكل من أشكال الحضور.. أما عن قضية وجود أو عدم وجود "مشروع نقدي عربي حقيقي"، حسب تحديدك، فهناك إشكالات عدة تحيط بهذا الوجود، منها ما يتصل بالأساس الفكري والفلسفي والثقافي الذي يمكن أن يتأسس عليه هذا المشروع.. وطبعا هناك إشكالات أخرى تحيط بالسؤال نفسه؛ فالنقد العربي، وأي نقد آخر، هو جزء من النقد الإنساني.. وهذا النقد ليس إقليميا.. هو نشاط مشترك لأن وجهه الأساسي، أي الإبداع، هو نشاط إنساني مشترك.. وإن كان هذا لا يعني أهمية أن يرتبط النقد العربي بخصوصية التجارب الإبداعية العربية، وأهمية أن ينطلق من أولوياتها ومتطلباتها وظواهرها التي تميزها.

 

  • لماذا تطفو على السطح وتنال شهرة كبيرة تلك الأسماء من المبدعين التي يجري تبجيلها أكثر من أسماء اخرى أرفع موهبة؟ أيضاً، لماذا تحنط النقد الأدبي عند جيل الستينات من الشعراء والروائيين والقاصين؟

هذه الظاهرة التي تشير إليها قائمة في تاريخ الأدب والإبداع الطويل كله، في كل الثقافات تقريبا.. هناك أسماء تحظى في بعض الفترات بانتشار أكبر من أسماء أخرى أكثر استحقاقا للاهتمام والانتشار.. وذلك لأسباب كثيرة تتصل بالقدرات المتفاوتة على الوصول لوسائل الترويج المتعددة، أو بمغازلة قضايا وموضوعات بعينها تستدعي الكتابة عنها بعض الرواج، أو بأسباب سياسية أحيانا، أو لبعض "التربيطات" مع مجموعات ما تسهم في انتشار أعمال بعينها.. إلخ.. أسباب هذه الظاهرة كثيرة جدا.. لكن هذا لا يعني أن هذه الظاهرة قادرة على الاستمرار.. القيمة الإبداعية تفرض نفسها مع الزمن.. وهذا الزمن، الذي يقترن بالتلقي وإعادة التلقي، يقوم بنوع من عملية تشبه "الانتخاب الطبيعي"، ومع هذا العملية تتوارى أعمال حظيت بشهرة واسعة لفترة ما، وتظهرعلى السطح أعمال أخرى، ذات قيمة، كانت مغمورة أو مطمورة في بعض الفترات..  وملاحظة حضرتك حول "تحنط" النقد عند جيل بعينه، هو جيل الستينيات، تلتقط ملمحا مهما، لعل من أسبابه أن فترة الستينيات، وما أحاط بها، شهدت حراكا أدبيا ونقديا كبيرا، متصلا بحراك أوسع في المجتمع العربي كله، كان من معالمه حضور لأحلام كبيرة.. ما أعقب ذلك كان نوعا من الفتور على مستوى من المستويات.. ولكن هذا كله لا يعني اختفاء الاهتمام النقدي بأجيال أخرى بعد جيل الستينيات.

 

  • إذا كان النص لا يكشف عن نفسه بسهولة فإلى كم قراءة يحتاج الناقد؟ ولماذا؟

قراءات النص الإبداعي الحقيقي لا يمكن أن تنتهي أبدا.. سواء من القراء غير المحترفين للنقد أو من النقاد.. النص الحقيقي في كل قراءة له يتكشف عن أسرار جديدة.. لكني أتصور أن سؤالك ينصرف إلى عدد مرات قراءة الناقد عن عمل ما قبل أن يكتب عنه.. وهذا يختلف من ناقد لآخر، ويرتبط بالقدرة على اكتشاف ما هو جوهري في النص خلال قراءة قائمة على تركيز وخبرة وحساسية.. كما يتوقف هذا أيضا على المداخل المناسبة التي يمكن أن يدخل منها الناقد إلى النص، ومدى استجابته لما يقترحه أو يمليه عليه النص نفسه من أولويات... وهذا يعني أن الناقد لا يجب أن يفرض على النص شيئا من خارجه.. بل يجب عليه أن يلتقط وأن يستكشف وأن يقتنص في النص المعالم الأساسية فيه..وكلما نجح الناقد في هذا استطاع أن يقارب النص خلال مرات قراءة محدودة العدد.

 

  • كيف ترى الساحة الأدبية في الوقت الحالي؟

الساحة الأدبية مزدهرة جدا، سواء في مصر أو في أغلب البلدان العربية.. هناك وفرة في الإنتاج الأدبي، السردي خصوصا، وهناك مغامرات متجددة باتجاه استكشاف مساحات وأشكال جديدة للتعبير.. وهناك ظواهر غير مسبوقة في الكتابات الأدبية نفسها التي باتت جزءا من سياقات حديثة تتيح إمكانات كبيرة للحصول على المعرفة، وللتواصل، وللنشر الحرّ.. طبعا ليس كل النتاج الذي تشهده هذه الساحة الآن مما سوف يبقى مع الزمن.. ولكن على الأقل سوف يبقى منه الكثير.

 

  • هل ترى من وجهة نظرك دفع المؤلفين الشباب أموال لإصدار أعمالهم في دور النشر أضر بالساحة الأدبية؟، وكيف يتم معالجة ذلك؟

هذه ظاهرة مؤسفة جدا.. وأتصور أن الإجابة هي: نعم.. هذا أضر بالساحة الأدبية لأن المعيار في النشر أصبح أحيانا مرتبطا بالقدرة المالية لمن ينشر أعماله.. ولأن الدور الذي يفترض أن يقوم به الناشر قد تراجع على مستوى اختيار نشر ما يستحق النشر.. وكيفية تدارك هذا الوضع تحتاج إلى المزيد من الاهتمام بالنشر العام، الحكومي، وتخصيص ميزانيات أكبر له، وتطويره بحيث يستطيع الوصول إلى المواهب من كل مكان، في العاصمة والأقاليم.. كما يحتاج الأمر أيضا إلى قيام المسؤولين عن دور النشر الخاص بدور أكبر، يوازن بين النشر باعتباره سلعة والنشر باعتباره رسالة... ولو قاموا بهذا لكان الوضع في صالحهم على المدى البعيد..

 

  • يعاني الشعر في الفترة الحالية العديد من الأزمات.. أبرزها رفض دور النشر طباعة الدواوين.. ما سبب ذلك من وجهة نظرك؟ وهل يضر بمستقبل الشعر؟

السبب في هذا تراجع الإقبال على تلقي الشعر من القراء بوجه عام.. وهو أمر يصعب إنكاره لأنه واضح للجميع خلال أرقام التوزيع المعروفة.. ويتصل الأمر بأن الكثير مما يكتب في الشعر أصبح متقوقعا في تجارب ذاتية لا تلقى تجاوبا مع التلقي الجماعي، وربما أيضا منغمسا ومستغرقا في قضايا جمالية مغلقة على ذاتها..وهناك تفاصيل كثيرة في هذه الوجهة، منها أن عددا كبيرا جدا من القصائد يتوقف عند ما يمكن تسميته "الكتابة في الكتابة"، أي حديث الشاعر في قصيدته عن عوالم القصيدة.. مما يقلص المساحات المشتركة بين الشاعر وعموم القراء.. كذلك هناك أسباب أخرى تتصل بعدم البحث بقدر كاف عن إمكانات جديدة للتعبير الشعري عن عالم تتغير ملامحه كل يوم.. مع هذا كله، فمستقبل الشعر ليس مهددا بسبب عدم النشر الواسع أو التلقي الواسع له الآن.. الشعر أصبح يلتمس لنفسه حضورا آخر في الأنواع الأدبية والإبداعية الأخرى.. والشعر سوف يظل باقيا لأن الحاجة الإنسانية إليه متجددة دوما.. فقط عليه أن يبحث لنفسه عن بدائل جمالية وتوصيلية تناسب هذا العالم الذي نعيشه والعالم الذي نمضي إليه..

 

  • في ظل الخطوات التي تتخذها الدولة المصرية لتطوير الريف والمناطق العشوائية.. كيف يكون للأدب والثقافة عمومًا دور في ذلك؟

دور الأدب كان ولا يزال دائما يرتبط بالتعبير عن العالم الذي نعيشه، بما في ذلك الكشف عن إمكانات تقدمه واكشاف معوقات هذا التقدم.. وبما في ذلك استكشاف أعماقه التي لا يستطيع أن يستكشفها من يقاربه من زوايا أخرى غير الزوايا التي يقاربه الأدب من خلالها.. وأتصور أنه من المهم، في المجتمعات الجديدة التي تحل محل العشوائيات، وطبعا في الريف كله، أن يكون هناك اهتمام بإشاعة روح الثقافة، وتوفير سبل الحصول عليها.. أي أنه من الضروري أن يرتبط تطوير مظاهر الحياة الاجتماعية بتطوير الثقافة والوعي بوجه عام.

 

  • ما رأيك في الجوائز الأدبية المصرية والعربية.. وهل تحكمها المجاملات والمحسوبية؟

المجاملات والمحسوبية للأسف تحكم بعض هذه الجوائز.. ولكن من حسن الحظ أنها لا تحكمها كلها.. وهذا الأمر لا يقتصر على الجوائز المصرية والعربية فحسب.. بل هو قائم في كثير من الجوائز العالمية أيضا.. وأحيانا تتصل هذه المجاملات بحسابات سياسية أو جغرافية أو ثقافية.. وأتصور مع كثيرين أن الانتباه لهذا أصبح قاسما مشتركا بين كثيرين من القراء القادرين على الحكم: هل هذا العمل الذي حصل على هذه الجائز أو تلك يستحق الحصول عليها أم لا؟ وأيضا التمييز بين الجوائز وتقدير مدى نزاهة كل منها.. لكن الجوائز، كما نعرف جميعا، تظل ظاهرة صحية، لأنها تلفت الانتباهإلى أعمال بعضها يستحق الالتفات إليها والاهتمام بها.