الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد بركات يكتب: التناول الدرامي أولى خطوات تطبيع الشذوذ عربيًا

الدكتور أحمد بركات
الدكتور أحمد بركات .. مدير المركز الإعلامي للأزهر

الشذوذ الجنسي هو أحد الأمور غير المقبولة لا دينيا ولا شرقيا ولا حتى لدى الكثير من الغربيين، وبدأ الإعلام الغربي/ الأمريكي تطبيعه وتغيير النظرة العامة له باعتباره حقا من الحقوق يجب احترامه وكفالة كل ما من شأنه أن يحمي هؤلاء الشواذ منذ بداية التسعينيات بالتركيز على تناول مشكلاتهم بشكل درامي وتشجيعهم لإعلان هويتهم ومطالبة الآخرين بتقبلهم، وظهر ذلك من خلال عدة أعمال درامية وبرامج تلفزيونية ما يدل على أن الأمر لم يكن محض صدفة، وإنما جاء وفق استراتيجية عمل ممنهجة وأجندة واضحة تتفق مع مبادئ وقيم المجتمعات الغربية التي تدعو للانفتاح والتحرر، والانسلاخ من التعاليم الدينية وتنحيتها جانبا.

 

وما أعتقده وأؤمن به أنك إن أردت تمرير فكرة وخلق قبول لها خاصة إذا تعلقت هذه الفكرة بأقلية من الأقليات، فهناك عدد من الوسائل والأساليب والأدوات التي يمكنك استخدامها لتمرير الفكرة وجعلها أكثر قبولا لدى الجمهور، ويأتي الإعلام والدراما بأشكالهما المختلفة على رأس هذه الأدوات، فضلا عن استخدام أساليب الصراع وإطلاق مسميات إيجابية لها قبول لدى الرأي العالم العالمي، وهو ما يمكن تطبيقه عمليا على الشذوذ الجنسي، فتخيل مثلا لو استقر الجميع على تسميته "شذوذا" بدلا عن "المثلية"، والشذوذ بمعناه الشائع وهو الانحراف عن الصواب، هل يمكن أن يقبله عاقل أو منصف!

 

وبعد اختيار تسمية ذات طابع إيجابي، اقتضت الاستراتيجية الغربية تصوير الشواذ في صورة الضحايا والتهويل مما يتعرضون له من تحرش ومضايقات، والتي تصل من وجهة نظرهم إلى حد ممارسة العنصرية والإرهاب ضدهم، وهو ما يقتضي إطلاق أيام دولية لتذكير العالم بما يتعرض له هؤلاء الشواذ من اضطهاد وإرهاب، كاليوم العالمي لمناهضة إرهاب المثلية، والإعلان عن تنظيم مسيرات تحمل لافتات إيجابية كمسيرة الفخر، والتي تدعو لها المنظمات المؤيدة للشذوذ والمتحولين جنسيا للافتخار بميولهم والتصدي لكره وعنصرية إرهاب الشذوذ الجنسي، وإنشاء جمعيات حقوقية للمطالبة بحقوقهم وتقنين أوضاعهم في أمور قبولهم مجتمعيا والزواج من بعضهم البعض، والمساواة في الحقوق المجتمعية، وإضفاء الصبغة القانونية على هذا النوع من الحريات، وتضمينها في بنود ومواد القانون والدساتير والبروتوكولات الدولية، كل هذا بهدف خلق رأي عام عالمي متعاطف مع ما أسموه بحقوق المثليين.

 

لم يكن لحقوق الشواذ قبول جماهيري عالمي في بادئ الأمر، بحكم أن ما يمارسونه يأتي مضادا للفطرة السليمة، ومنافيا للأخلاق، ولكن بتبني استراتيجية إعلامية عالمية للدفاع عنهم، وترويجها بالشكل الذي تحدثنا عنه سابقا، سرعان ما تحول الرفض إلى قبول، والفطرة السليمة إلى إرهاب وعنصرية، وأصبح مجرد تعبيرك عن رفضك لهذا السلوك اللا إنساني "الشذوذ"؛ رجعية وعنصرية وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وحرياته.

 

نأتي هنا للحديث عن الفيلم الذي أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الأخيرين "أصحاب ولا أعز"، والمعروض على منصة نيتفليكس، المعروفة بأجندتها المروجة للشذوذ وإنتاج محتوى لتطبيع قبولهم في المجتمعات لاسيما العربية، وظهور تيار مؤيد من الفنانين العرب لدعم أبطال الفيلم والدفاع عنهم، ولست هنا في معرض الحديث عن الأزمة الأخلاقية الممثلة في استخدام ألفاظ خادشة للحياء وتصوير الأسر العربية في نمط حياة غربي، ولكن حديثي مقتصر على تناول تعرض الفيلم لقضية "الشذوذ الجنسي"، وما أعيه وأفهمه جيدا أنه بمجرد اطّلاع صناع الفيلم والفنانين المشاركين على السيناريو، يتم تحديد الرسالة الإعلامية المراد نقلها من المرسل إلى المستقبل عبر وسيط النيتفليكس، هذه الرسالة إن لم تكن واضحة ومرسومة بعناية في أذهان القائمين على العمل، لن تنجح محاولات نقلها إلى الجمهور المستقبل، وبالفعل وصلت الرسالة إلى الجمهور بنجاح وتلقاها الجمهور وتفاعل معها وفقا لاستيعابه لها.

 

ظهور أحد أبطال الفيلم كشخص شاذ جنسي، يخفي هويته حتى عن أقرب أصدقائه، محبوب من الجميع ومفضل لدى بطلات الفيلم طوال سرد تفاصيل الرواية، خلق نوعا من التعاطف معه من خلال استخدام الجمل والعبارات التي تصدر على لسانه، وتصويره في صورة الضحية الممنوعة من الإعلان عن هويته، وجعل إعلانه عن هويته بمثابة الماستر سين والمشهد الأهم في الفيلم، يمكنني القول، أن هذه الشواهد والمؤشرات من المحتوى المقدم تدلنا على أن صناع الفيلم يبعثون برسالة مفادها أننا لسنا ضد الدفاع عن حقوق الشواذ، وإلا ما أقدمنا على صناعة هذا المحتوى، لأنه من غير المقبول منطقيا أن يشارك الفنان في أحد الأعمال المروجة للشذوذ بشكل واضح ثم ينفي تعاطفه مع حقوق الشواذ لاحقا.

 

في الحقيقة قبل كتابتي لهذا المدونة، حاولت البحث عن بعض الأعمال الفنية العربية ومشاركات الفنانين العرب في أعمال أجنبية تتناول رفض الشذوذ من وجهة نظر الثقافة الغربية التي تقدر الدين وتحترمه وتعتبره مصدرا أصيلا للقيم المجتمعية، لكني لم أجد ثمة عمل واحد يجعلني أقيم البرهان على وجود استراتيجة إعلامية عربية لمناهضة تطبيع الشذوذ في مجتمعاتنا العربية، وهو ما يؤكد لي غياب الفن العربي عن القيام بجزء أصيل من دوره وهو الحفاظ على الهوية العربية والقيم الأخلاقية الشرقية المستمدة من الدين سواء كان إسلاما أو مسيحية.

 

شعرت بالاستياء من تبرير بعض الفنانين والفنانات العرب دعمهم للفيلم بدعوى أن مشاركة الفنان في عمل درامي لا يعني موافقته عن محتوى الفيلم، وأن دوره يقتصر على إتقانه للشخصية التي يقدمها ولا يمكن إلقاء اللوم عليه في محتوى العمل الدرامي، وهو ما لا أقبله شكلا أو مضمونا، فالفنان الذي يقبل أن يكون مجرد أداة لتمرير أفكار غيره لا يمكن أن يكون بطلا أو شخصا مسئولا، كما أن دعوى ضرورة قبول الفيلم لكونه أحد الأفلام الغربية الناجحة وأنه مجرد محاكاة واقتباس لفيلم perfect strangers؛ هو كلام يخلو من أية وجاهة منطقية، لأن ما يمكن قبوله غربيا ليس بالضرورة أن يكون مناسبا عربيا، كما أن التناسي أو التغاضي عن أجندة صناع الفيلم الغربيين هو خطأ لابد وأن يكون مقصودا خاصة حينما نعلم أن الشركة المنتجة للفيلم هي منصة نيتفليكس، أما دعوى إنتاج الفيلم بلبنان وليس بمصر هو تملص من المسئولية الملقاة على عاتق النقابات المهنية، فكان من اللائق بجانب توجيه رسالة دعم للفنانين المشاركين في العمل؛ توجيه رسالة عامة للفنانين العرب بضرورة وضع القيم المجتمعية نصب أعينهم والتفكير في إنتاج محتوى يتناسب وطبيعة المجتمعات العربية.

 

أتمنى أن يأتي اليوم الذي يعلن فيه صناع الدراما العربية عن استراتيجة واضحة للتصدي لمحاولات الغزو الثقافي الغربي لمجتمعاتنا العربية، وتكوين جبهة مضادة وأجندة عربية خالصة تعكس رفض العرب للشذوذ الجنسي، ورؤيتهم للتعامل مع هذا المرض الذي يتعارض مع كيان الأسرة ويتنافى مع الفطرة والأخلاق وطبيعة الإنسان.