الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنور إبراهيم : دوستويفسكي اعتبر أوروبا "منحلة"..ومحاولة منعه ليست محض صدفة |خاص

صدى البلد

كشف باولو نوري أستاذ الأدب الروسي في جامعة بيكوكا الإيطالية بمدينة ميلانو، عن تلقيه رسالة من إدارة الجامعة، تطلب إلغاء سلسلة محاضرات كانت مجدولة عن أعمال الكاتب والروائي الروسي الكبير، فيودور دوستويفسكي، وهي خطوة ندد بها الجميع إلى أن لجأت الجامعة في نهاية الأمر للتراجع عن قرارها. 

لذلك تحدثنا مع المترجم الدكتور أنور إبراهيم أستاذ الأدب الروسي والذي يرى أن اختيار دوستويفسكي تحديدًا لم يكن محض صدفة، إذ يعتبر أن الكاتب الروسي الشهير يمثل روسيا الأرثوذوكسية، وهي الرؤية التي يتبناها أيضًا الرئيس الروسي بوتن.

روسيا الأرثوذكسية

في بداية حديثه قال الدكتور أنور إبراهيم: "أتصور أن فكرة إلغاء محاضرة لدوستويفسكي لم يكن عن طريق "عفو الخاطر" أو الصدفة، بل أعتقد أن الأمر كان مقصودا، وذلك لأن دوستويفسكي في كتاباته كان  يمثل روسيا الأرثوذكسية في مواجهة الغرب، فقد كان ضد الرأسمالية والغرب بشكل عام، إذ اعتبر أوروبا "منحلة" لذلك بوتن أيضا يتبنى نفس الموقف وهو يعتبر أن روسيا هي صاحبة الرسالة الأرثوذكسية، وقد اتفق معه في الرأي الكثير من الرؤساء الذين حكموا روسيا ، فالرئيس الروسي بوتين تحدث منذ يومين عن الأمر نفسه، ونحن إذا ما رجعنا للتاريخ والأدب وكذلك الكتابات الصحفية لدوستويفسكي فسنجد مقالا كتبه بعنوان: "إن أجلا أم عاجلا.. القسطنطينية لنا" فقد كان يعتبر أن بيزنطة وكنيستهم في القسطنطينية هي لروسيا، نظرا لمركزها بالنسبة للعالم المسيحي وخاصة "الأرثوذكسية" الروسية، لذلك فالروس يعتبرون أن العالم مقسم لروما الكاثوليكية، وبيزنطة، ثم تأتي في النهاية روما الثالثة والمقصود بها "موسكو" المسيحية الأرثوذكسية، ولو نظرنا إلى قسطنطينية إسطنبول، سنجد أن الإمبراطورية العثمانية دخلت في حروب مع روسيا لمدة 500 سنة، وقد كانت تمثل العدو الأكبر لروسيا طوال فترات التاريخ، فإسطنبول على الخريطة تبعد عن ميناء القرم "سيفاستوبول" حوالي 650 كم، لذلك فاحتلال القرم بالنسبة لروسيا كان له أهمية قصوى واستعادته أيضا لم تكن "عفو خاطر"، لأن من خلالها يمكن بعد فترة أن ينزلوا للمياه الدافئة وهي الخطوة الأولى باتجاه أوروبا، لذلك فالحرب الأخيرة رغم أن العنصر الـ"جيوبوليتيكي" فيها هو العنصر الأكبر نتيجة امتداد حلف الناتو حول روسيا وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ووضع قواعد عسكرية بالقرب منها؛ فقد أدى الأمر لغضب روسيا والتي رفضت بدورها وضع قواعد عسكرية بالقرب منها عن طريق أوكرانيا التي اعتبرتها موالية للغرب، وتمثل خطورة عليهم، وهذا أعتقد كان خطأ كبيرا من جانب القيادات الأوكرانية التي لا تقرأ "التاريخ" فلو قرأوه لعلموا أن المجال الحيوي لروسيا (أوكرانيا) لا يمكن التفاوض حوله أو محاولة تبعيته للغرب. لذلك فدوستوفيسكي هو الوجه الأدبي والفلسفي "الآخر" لمسألة روسيا الأرثوذوكسية، ولهذا حاولوا منع تدريسه أو إقامة محاضرات عنه.

محاكمة الأدب

أما بخصوص محاكمة الأدب من خلال ردود أفعال سياسية فهذا نوع من "الخبل"، وأعتقد أن منع الأدب الروسي فكرة بالتأكيد وراءها شخص متطرف فكريا، فتشيرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق، تحدث من قبل وقال: "نحن مستعدون أن نتنازل عن أي شيء إلا تراث شكسبير"، فالأدب له قيمة كبيرة جدا عند الشعوب، وأظن أن تلك  الموجة لا يمكن أبدا أن تنجح، لذلك أؤكد مرة أخرى أن منع دوستويفسكي ربما كان مقصودا بسبب ما اعتبروه أنها "ِشيفونية روسية" وبالتالي فأدب دوستويفسكي يجب أن يقرأ دائما لأنه يحمل مواجهة أدبية بين روسيا وبين أوروبا نفسها، فالروس أنفسهم كانوا دائما ما يطرحون سؤالا مفاده "هل نحن ننتمي لأوروبا أم ننتمي لآسيا؟" إذ إن لهم جزءًا كبيرًا ممتدًا داخل آسيا، وأيضا فعواصم المدن الكبرى داخل روسيا موجودة بالقرب من الحدود الأوروبية، وداخل سان بطرسبرج هناك تمثال لبطرس الأكبر صاحب الفكر الإمبراطوري، فوجه هذا التمثال متجه نحو الغرب، وقد انتقده الكثير من الشعراء إذ قالوا إن وجهه كان لابد أن يكون نحو روسيا ليعبر عن الإصلاحات وليس الغرب، لكني أعتقد أنه كان ينظر للغرب بنظرة توسعية لزيادة رقة الإمبراطورية الروسية، وهذا رأيي الشخصي.

معاناة الغرب

يضيف أنور إبراهيم في حديثه لـ"صدى البلد" ويقول: أرى أن الأدب الروسي قدم الكثير بالنسبة للأدب العالمي، فخصوصية دوستويفسكي نابعة من أنه تكلم عن مشاكل الغرب في رواياته وعن معاناتهم، ومثل هذه المشكلات التي أوضحها في كتاباته أنشئت فيما بعد مدارس مختلفة للتحليل النفسي منها الوجودية وما كتبه فرويد، فجميع تلك الأمور كانت نابعة من أفكار دوستويفسكي التي تلقفوها فيما بعد، ولذلك دائما ما يقال إن دوستويفسكي كان كاتبا غربيًا أكثر منه كاتبًا روسيًا، لأنه ناقش جميع المشكلات ومنها الرأسمالية تحديدا، فله رواية اسمها "ذكريات صيف عن مشاعر شتاء" فقد كتبها بعد زيارة لعدد من الدول الأوروبية وهناك رأى الوضع الاقتصادي والوضع الروحاني، فوجد أن روسيا هي "أجدر" من أوروبا، وقد انتقد أوروبا في كتابه هذا، وكذلك كتابه "الشياطين" والذي انتقد فيه الاشتراكية، وكان نبوءة لقيام الثورة هناك، فالجانب السياسي عنده كان واعيا جدا، وهذا يتضح أكثر من خلال مقالاته الصحفية التي كان يكتبها.