الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رؤية الهلال وفانوس رمضان.. حكايات من أيام المماليك رواها ابن بطوطة والمقريزي

فانوس رمضان
فانوس رمضان

عاشت مصر في ظل حكم المماليك منذ عام 1250 إلى عام 1517، وشهدت هذه الفترة عادات وتقاليد تحولت إلى ثقافة شعبية، مازلنا حتى اللحظة نرى استمرارا لها. وفي مقال بقلم: د. الطاهر أحمد مكي في مجلة الهلال بتاريخ 1 مايو 1988، اقتبس فيه كيفية احتفالات المصريين برؤية هلال شهر رمضان المبارك في مصر المملوكية. 

 

نص المقال: 

 

كان احتفاء المصريين برمضان يبدأ شعبيا وحكوميا في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، ففي المساء من هذا  اليوم يترقب الناس الهلال، فيعتلون مع غروب الشمس أسطح المساجد والمآذن والبيوت العالية، في احتفال رسمي يضم كبار العلماء ورجال الدين والصوفية والدولة، إلى جانب ما تقوم به جماعات متفرقة في مختلف أنحاء المدينة وفي القرى، فإذا رآه اثنان أخبرا القاضى، وشهدا على ذلك عنده، وأعلن بدء الصيام. 

 

ابن بطوطة يروى وصفا دقيقا للاحتفال برؤية هلال رمضان 

 

وترك الرحالة المغربي ابن بطوطة، وزار مصر عام 726هـ - 1325م، وصفا دقيقا للاحتفال برؤية هلال رمضان، في مدينة الأبيار قرب المحلة الكبرى، يمكن أن نعتبره صورة مصغرة لما كان يجرى في المدن الكبرى، يقول: "ولقيت بابيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة، ويسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان، وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجهائها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه النقيب ومشى بين يديه قائلا: بسم الله سيدنا فلان الدين، فيسمع القاضي ومن معه، فيقومون له، ويجلسه النقيب في موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك لاطب القاضي وركب مرة من معه أجمعين، وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان، وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرض الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصب الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون، وهكذا فعلهم في كل سنة. 

 

حكاية الفوانيس والشموع خلال الاحتفالات برمضان في مصر المملوكية 

 

وما إن تتقرر بداية الشهر حتى تنشط المدينة ليلا، فتشعل الشموع والفوانيس في الشوارع والأسواق والطرقات وبإيدي الناس، وتنتعش الحياة في سوق الشماعين انتعاشا كبيرا، فتظل حوانيته مفتوحة حتى منتصف الليل، ولا تنقطع فيه الحركة أبدا، بين راغبين في الشراء أو للنزهة أو لأشياء أخرى. وهذه السوق قديمة بدأت في عصر الدولة الفاطمية، وفيها تباع الشموع بأنواعها المختلفة، موكبية وطوافات وفوانيس، وكانت الواحدة من الشموع الموكبية يصل يصل وزنها إلى عشرة أرطال والضخمة منها قد يصل وزنها ما يزيد على قنطار، وكانت تؤجر لتستخدم في صلاة التراويح، في موكب يقول عنه المقريزي: "يعجز البليغ عن حكاية وصفه، وفيه يتجمع الموكب حلو إحدى الشموع الضخمة التي بجرها الأولاد على عجلات، وقد أمسك كل واحد منهم بفانوسه، وهم يرددون الأغنيات الدينية، ويطوفون دروب المدينة وأزقتها من بعد المغرب حتى صلاة العشاء والتراويح.