الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حمدى رزق يكتب عن عادل إمام : معارك الزعيم فى مواجهة أمراء الدم الحرام

عادل إمام
عادل إمام

احتفى الكاتب الصحفى الكبير حمدى رزق بعيد ميلاد “الزعيم” عادل إمام فى عدد اليوم من جريدة القاهرة .

وقال الكاتب حمدى رزق فى مقاله :"لا أحتفى عادة بأعياد الميلاد، وبينى وبين الفن مسافة كافية للمشاهدة من بعيد، ولكن عيد ميلاد الزعيم «عادل إمام» خليق بالاحتفاء وبالاحتفال والبهجة والغبطة والسرور.

تكر السنون صاخبة والكبير« عادل إمام » ينسج تاريخه الفنى الخاص، أفلامه عناوين لمراحل من حياة المصريين، وشخوصه حاضرة فى كل حارة وزقاق، وسخريته نابعة من معين لا ينضب، لقط إشارة المواطن المصرى باكرًا، وضبط موجته على موجة الناس، فصار فى قلب الناس..
لست مؤرخًا سينمائيا، ولا ناقدًا لأعمال فنية، ولكن محب على البعد لـ « أبو رامى »، تستلفتنى ظاهرة زعيم الكوميديا، عابرة للأجيال، لفتت جيلى وأجيالًا سبقت، نحن أجيال الأبيض والأسود التى فغرت فاها على الألوان المبهرة فى صالات العرض، ولا يزال الزعيم قادرًا على لفت أجيال الثورة الرقمية عبر « محفوظات يوتيوب».

كوميديان عابر للأجيال والثورات والحروب والانتصارات والانكسارات، الأستاذ حاضر بفنه عبر عقود عبرت بمصر، عنوان رئيس لمدة نصف قرن من الزمان.. أطال الله فى عمره".

وأضاف حمدى رزق :"لا أزعم اقترابًا، ولكن كل من اقترب عاد يروى جانبًا من حياة الزعيم، وهى جديرة بالتسجيل الأمين، فإذا كان عادل إمام نال محبة الجماهير العربية وفى القلب منها المصرية، وتربع على قمة الكوميديا فى بلد الكوميديانات الكبار، معضلة، كيف ترسم نفسك كوميديانًا فى بلد مفطور على الكوميديا، وشعب إذا لم يجد ما يسخر منه، ضحك من نفسه، كيف تكون عادل إمام فى شعب من الساخرين العظام؟..
**
فى فيلم «الأقمر» مأخوذ من اسم، ثانى جامع بنى فى مصر، بطولة طيب الذكر الفنان نور الشريف، يجسد شخصية سائق تاكسى يعيش بجملة مفتاحية تفتح له الأبواب المغلقة، «عيش ندل تموت مستور»، مثل هذه الأمثال مرفوضة فى قاموس الزعيم، يأنفها، كما يأنف جملة أمثال شعبية كئيبة، يتجنبها، يسخر منها ويتسامى عليها، فليس فى قاموسه الحياتى والفنى» امشِ جنب الحيطة «، ولا يخشى من «الحيطان لها ودان»، وأخلاقه ترفض «الجبن سيد الأخلاق»، و«من خاف سلم»، وغيرها كثير من أمثال التوقى من المخاطر.


تاريخيًا، لم تعرف مصر زعيم سوى خالد الذكر «جمال عبد الناصر»، وحزبيًا زعيم حزب التجمع الوطنى الوحدوى، طيب الذكر «خالد محيى الدين»، وفنيا الزعيم «عادل إمام»، أطال الله فى عمره، والزعامة لا تأتى مصادفة، أو منحة، أو عطية، ولكنها منحة الجماهير، اختاروه زعيمًا، وعُرِفَ بِالزَّعامَةِ، والزُّعامَةُ: أَفضلُ المال وأكثره من ميراث، مفطور على الزعامة، وعنوانه «أنا الزعيم» من أيام «بهجت الأباصيري» فى «مدرسة المشاغبين»، وتشكلت زعامته من جملة مواقف وطنية، والمواقف رجال، وتجلى معادن الرجال".

وأوضح حمدى رزق :"مقولة شائعة، «من السهل أن تكون شجاعًا وأنت على مسافة آمنة» على طريقة «خد لك ساتر»، ويقول «نابليون بونابرت»: «ما أسهل أن تتحدث عن الشجاعة وأنت بعيد عن أرض المعركة»، والشُجاع فى المعجم، هو الجريء، رابط الجأش وثابت القلب، لا يستخفُّه الفَزَع، ذو قُوَّة وعَزْم، يُواجِه الأُمور بثَبات.


ويوم بعيد، استولى على البعض الفزع، ومكثوا فى قعور بيوتهم حذر الإرهاب، يفتح عادل إمام بابه، ويخرج على الناس معلنا سفرته إلى أسيوط، معقل تنظيم «الجماعة الإسلامية» الإرهابى، وكانت الجماعة قد بغت، وغلت غلوا شديدا، وتمكنت وسيطرت، وخشيت منها النفوس، وفرضت قانون الغاب، وأشاعت الجلد فى الناس، وكادت تعلنها «إمارة إسلامية قبل إمارة داعش» بزمان."


وتابع حمدى رزق :"عادل إمام يروى الحكاية، خبر نشر فى جريدة «الوفد» يقول: إن بعض الممثلين الهواة من قرية «كودية الإسلام» بمحافظة أسيوط ذهبوا لتمثيل مسرحية تحض الناس على التمسك بالأرض وعدم الهجرة، فكانت النتيجة أن قتل أحدهم وتعرض الباقون للضرب بالجنازير والمطاوى، ومنعهم المتطرفون من ممارسة التمثيل بالقوة..


يقول الزعيم، فشعرت بضيق شديد. وفى اليوم التالى كتب الأستاذ «أحمد بهاء الدين» عموده فى الأهرام يطالب بحماية هؤلاء الفنانين الهواة، ولو اقتضى الأمر نزول الجيش بدباباته.. لحمايتهم».
ساعتها «شعرت بالحزن والغضب ربما لأننى تبينت أن هؤلاء الفنانين الهواة على مسافة بعيدة جدًا من العاصمة ونجومها، ونحن هنا نتعارك على «القانون ١٠٣» ومشغولون به، بينما هم يتحملون القتل والضرب بالجنازير دفاعًا عن الفن، لهذا قررت أننى يجب أن أذهب إلى أسيوط للوقوف إلى جوار هؤلاء الفنانين وللدفاع أيضًا عن نفسى وأسرتى ووطنى.. ذهبت لأدافع عن الفن الذى أحبه، لأدافع عن صورتى أمام أولادى لكى يعرفوا جيدًا أن مهنتى ليست حرامًا وأن الطعام الذى يأكلونه والتعليم الذى يتعلمونه وحياتهم كلها ليست حرامًا فى حرام.. ولكى يدركوا أننى أكسب أموالى من عرق جبينى ومن خلال أشرف مهنة وهى الفن.. 
قررت الذهاب لإحساسى بوطنى، لأننى عندما تأملت ما يمكن أن يحدث فى المستقبل إذا استمر هذا الإرهاب الأسود انتابنى الفزع."


وأسترسل حمدى رزق :"وقلت فى حديث صحفى مع السيدة «عائشة صالح» فى مجلة «المصور» إننى أريد الذهاب إلى أسيوط لعرض مسرحية «الواد سيد الشغال»، وأريد أن يقتنع الناس بأن الفن ليس حرامًا، وأن مصر بلد يعرف الفن والفنانين منذ أيام المصريين القدماء.. 
والتقط الخيط الأستاذ «مكرم محمد أحمد» وسألنى: هل تريد يا عادل أن تذهب إلى أسيوط حقًا، ومَنْ الذى تقترح أن يذهب معك؟».قلت له: «أنا وفرقتى جاهزين ويا ريت أتسلم دعوة من هيئة ثقافية كبيرة، واقترحت أن تكون جامعة أسيوط حتى تكون للزيارة واجهة ثقافية، لكن رئيس الجامعة وقتها تردد وتهرب وتمت اتصالات بالمحافظة التى وافقت على استضافتى.
وعندما عرفت بدعوة المحافظة وافقت على الفور إلى درجة أننى قلت: أنا موافق على الذهاب إلى هناك حتى وإن كان صاحب الدعوة بائع خضار». وكان المحافظ وقتها، هو «عبدالحليم موسى»، وكذلك اتصل بى وزير الداخلية آنذاك وسألنى: يا عادل أنت عندك استعداد فعلًا تروح أسيوط؟.. قلت: طبعًا، وكانت العناصر المتطرفة تحتل شوارع وأحياء المحافظة. وأبلغت فرقتى بأننى سأتوجه إلى أسيوط، وأعطيت لكل واحد منهم الحرية الكاملة للاعتذار، لكن جميع أفراد الفرقة أعلنوا أنهم سيسافرون معى وأخذت فرقتى وسافرنا.


وفى أسيوط طلبت أن يحضر الحفلات الجميع، حتى المتطرفين وتحولت أيام الحفلات فى المدينة إلى أعياد وسعدت بالتجربة إلى أقصى مدى، وبأننى أسهمت مع فرقتى فى إعادة بناء المسرح، ورد الاعتبار لفرقة «كودية الإسلام»..


هناك شعرت بأن الناس فى أسيوط يقولون لى: كنت فين.. ليه ما جتش عندنا من زمان؟، وبدأت محلات العصير تستقبل زبائنها، أعيد فتح محلات بيع الكاسيتات وعادت حركة البيع فى الشارع، كأن هناك عرسًا فى أسيوط، وكنت سعيدًا بهذه المظاهرة الفنية.. لقد ذهبت إلى أسيوط بمبادرة شخصية وكمواطن مصري»..


هذا ما قاله عادل إمام عن رحلته إلى معقل الإرهابيين. وفوق خشبة المسرح، أمسك عادل الميكرفون وقال: «الفن هو ضمير الأمة، ومصر بلاد فن ومسرح وضمير، ثم دعا الفنانين الشباب الهواة إلى الصعود بجانبه ليحييهم هو والجمهور.


وسط الحشود الكثيفة فى أسيوط، كانت عيون رجال الأمن تترقب الموقف خوفا على حياته، كان هو يصر على البقاء لأطول مدة لرد تحية المواطنين.


قبل وأثناء الرحلة الخطيرة كانت هناك تحذيرات أمنية كثيرة من اغتيال الفنان، فهل كان عادل إمام يخشى على حياته فى تلك اللحظة؟
الإجابة كما يقولها بوضوح: «كنت على ثقة تامة فى الجماهير التى أحبتنى وأحببتها، لذا لم أتردد لحظة فى السفر إلى أسيوط والالتحام بالجماهير هناك والخروج لتحيتهم. وأنا متأكد أن لا أحد فى الدنيا يستطيع أن يطلق على رصاصة واحدة وأنا فى حماية الجماهير.

 

معركة عادل إمام فى مواجهة الإرهاب

 
معركة الزعيم فى مواجهة الإرهاب تجسدت بعد رحلة أسيوط فى ثلاثة أفلام تاريخية، أجمعت عليها المراجع السينمائية المعتبرة، واجه فيها ظاهرة الإرهاب بالكوميديا، ولا يفل الإرهاب سوى السخرية التى كانت سلاح إمام الكوميديا، وأميرها، سخر من أمراء الدم، وأهدروا دمه، ولم يخش، ولم يخف، ولم تلن عريكته، ولم تهن عزيمته.
وقدم له طيب الذكر «وحيد حامد» رصاصة خارقة للدروع، سيناريو فيلم «الإرهاب والكباب» وتحمس عادل إمام، وتم إنتاجه عام ١٩٩٢، وتدور أحداث الفيلم عن موظف بسيط الحال يدعى «أحمد» ولكن نتيجة عقبات إدارية وروتينية واجهته دخل فى مشادة انتهت بقنص سلاح أحد الجنود ويحتجز الرهائن، وانتهت باقتحام قوات الامن مجمع التحرير وعدم العثور على الإرهابى الذى قام بتلك الواقعة، والرسالة بعلم الوصول، كيف تصبح إرهابيًا رغم عن أنفك، كيف يتم تصنيع الإرهابيين فى أقبية المؤسسات الحكومية..


وبعدها بعامين ١٩٩٤ يطرح عادل إمام، فيلم «الإرهابي» فى مواجهة صريحة مع الإرهاب، ويرتدى ملابس الإرهابى ويرسم على وجهه مسوح الإرهابى «على عبد الظاهر» المنضم لإحدى الجماعات التكفيرية، ويتعرض لحادث سير عقب اغتياله أحد الضباط، وخلال معايشته للأسرة أثناء علاجه وتفاعله مع عدة مواقف، تتغير وجهة نظره وطريقة تفكيره ويكتشف مدى المغالطات التى تعلمها خلال انضمامه لتلك الجماعة، ونتيجة لرفضه أفكاره جماعته يتم قتله على أيديها.
ويعد هذا الفيلم من أكثر الأفلام أهمية فى مسيرة الزعيم، لأنه تناول طريقة تعامل الجماعات التكفيرية من الداخل والخارج مع المنضمين إليها، وكذلك نظرتهم للمجتمع وقضاياه، كما قدم رصدًا لظاهرة العنف التى روعت مصر بذلك التوقيت، مثال مهاجمة أوتوبيسات السياح واغتيال المفكر الكبير «فرج فودة» يرحمه الله.
وتم تصوير الفيلم بشكل سرى خوفًا من انتقام الجماعات الإرهابية، وعند عرضه كانت قوات الأمن تقوم بحراسة دور العرض خوفًا من تنفيذ أي عمليات إرهابية انتقامية، كما تعرض القائمون على العمل لتهديدات الإرهابيين وتم تعيين حراسات أمنية لحمايتهم.


المعركة متواصلة، وقبل أن تلملم الجماعات الإرهابية ثيابها الملطخة بالدماء، يفجر الزعيم وقبل مرور عام «١٩٩٥» قنبلته الكوميدية الثالثة فى وجه الإرهاب، فيلم «طيور الظلام» الذى شرح طيب الذكر «وحيد حامد» المجتمع المصرى من خلال قصة ثلاثة محامين أصدقاء، تفرقهم الظروف ومصالحهم، وهم «فتحى نوفل» الذى يستغل قدراته القانونية فى الوصول لمركز مدير مكتب أحد الوزراء، و«على الزناتي» الذى ينضم إلى الجماعات المتطرفة ليحقق مكاسب مالية بالدفاع عنهم، و«محسن» ذو الميول الاشتراكية، الذى يعيش كموظف عادي، ويقبل وظيفة بسيطة ويكتفى براتبه فقط دون أى طمع فى الحياة، والنهاية خرافية..
** 
أعلاه ما تيسر من سيرة الزعيم عادل إمام فى مواجهة الإرهاب.. والمعنى فى بطن القائِل «ليست الشجاعة أن تقول ما تعتقد، إنّما الشجاعة أن تعتقد كل ما تقول».