الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العواري: الأزهر وجامعته لا ينحسران في التراث بعيداً عن واقع المجتمع

الدكتور عبدالفتاح
الدكتور عبدالفتاح العواري

أشاد الدكتور عبد الفتاح عبد الغني العواري عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة الأسبق ورئيس المركز الأشعري وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بمؤتمر كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بأسيوط، والذي ترفع لواءه منارة العلم في صعيد مصر كلية الشريعة والقانون بأسيوط، بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية، وبرعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر – حفظه الله – لبيان دور الأزهر الشريف جامعاً وجامعة بمؤسساته التعليمية والإرشادية  في ترسيخ ونشر  قيم الاعتدال والوسطية والأخلاق الحميدة التي يحث عليها الإسلام.

الأزهر وجامعته لا ينحسران في التراث بعيداً عن واقع المجتمع 

 كما يدعونا إلى الالتزام بها واتباعها للوصول إلى مجتمع سامى ملئ بقيم حميدة راقية من أجل نهضة مصر ورفعتها وللتأكيد على أن الأزهر وجامعته لا ينحسران في التراث بعيداً عن واقع المجتمع وقضاياه وحاجاته ، بل إن علوم الشريعة تتجدد بتجدد حاجة المجتمع وتنمو بنموه لإيجاد الحلول المثلى لمشكلاته ، وتعالج قضاياه بما يسهم في وحدته وقوته ، وبما يعود بالخير على جميع أبنائه.
ويهدف المؤتمر إلى :
1. التعريف بالقيم المجتمعية وأهميتها.
2. تذكير المؤسسات المعنية بواجبها في حفظ وحماية القيم المجتمعية.
3. التذكير بتردي القيم المجتمعية وخطورة ذلك.
4. تقوية شعور الأفراد بالانتماء للوطن.
5. دفع المجتمعات إلى التمسك بهويتها وقيمها المجتمعية.
6. إبراز جهود بعض المؤسسات في الحفاظ على القيم.
7. دعم دور الدولة ومساندتها في الحفاظ على القيم المجتمعية.
8. توضيح الدور الذي تمارسه بعض المؤسسات الدولية للنيل من القيم.
ومما لا شك فيه أن المجتمعات تعاني من كثير من الآفات والأمراض المزمنة التي أضحت ظاهرةً بشكل واضح، ومنتشرة إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، وإذا ما نظرنا إلى جُلِّ ما يعاني منه المجتمع في العصر الحديث سنجدُه نتيجةً حتمية لآفة كبرى أخرى، وهي الانفلات الأخلاقي، والابتعاد عن الاقتداء بخُلق الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال في حديثه الكريم: " إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق "؛ ليحثَّنا على التحلّي بالخُلق الكريم الذي هو طريقُ الفلاح في الدنيا والآخرة، ولعل ما أجمع عليه الجميعُ حول أسباب انتشار هذه الآفة من تفشي الانفلات الأخلاقي هو الابتعاد عن كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم.
وتابع العواري: كم يتملكنا العجب حين تمر علينا قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يمشي ليلاً في شوارع المدينة، ومعه خادمه؛ ليتفقد أحوال الرعية، فأعياه التعب، فاتكأ إلى جدار بيت، وإذ بامرأةٍ تقول لابنتها: قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء، حتى يكثر، فقالت الفتاة: يا أماه أو ما سمعت منادي الخليفة ينادي: لا يُخلط اللبن بالماء، فقالت الأم: إن عمر لا يرانا، قالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، فلما سمع الخليفة كلامها؛ دمعت عيناه، وقال لخادمه: اعرف مكان البيت, ثم مضى عمر رضي الله عنه في جولاته، فلما أصبح، قال للخادم: امض إلى ذلك البيت فانظر من الفتاة؟ وهل لها زوج؟ قال الخادم: أتيت البيت فعلمت أنه ليس لها زوج، فعدت إلى الخليفة فأخبرته الخبر، فجمع أولاده، وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى الزواج، فزوجها لابنه عاصم، فأنجبت له بنتاً تزوجت فيما بعد من عبد العزيز بن مروان، فأنجبت عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل.
وأكمل: كم تمر علينا هذه القصة؟ فهل وقف أحدنا يسأل نفسه: ما الذي دفع هذه الفتاة إلى الالتزام بهذا الخلق وهذا السلوك الرائع؟ وما الذي جعلها ترفض السلوك الخطأ وهو الغش رغم الفاقة وشدة الحاجة  وغياب رقابة البشر؟ وكم سيسعد المجتمع عندما يجد أفراده في مثل هذا الوعي والانضباط الأخلاقي والسلوكي؟
وقال إن مرد ذلك إلى القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية التي يحملها الفرد في نفسه، ويتعامل بها مع من حوله، ويشعر أنها سببٌ لراحته وسعادته في الدنيا والآخرة،  موضحا أن هذه القيم غرسها الله في فطرة الإنسان، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ لتربية الناس عليها، وتثبيتها في قلوبهم ووعظهم وتذكيرهم بها عند انحرافهم عنها، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء:66].
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2].
وأوضح أن التزكية تعني بناء قيم الخير في النفوس، وتربية الناس عليها. فالإيمان بالله ومراقبته وتعظيمه، والخوف منه، والالتزام بشرعه؛ قيمٌ عظيمة يجب أن تتربى عليها النفوس. والأمانة والصدق والحياء والعفاف، وصون اللسان، وحفظ الجوارح والتسامح، واحترام الآخرين، وحفظ حقوقهم والتعاون، وبذل المعروف والجود والكرم وحسن الخلق، والترفع عن سفاسف الأمور، وبغض الشر وكراهيته، وصون الدماء، وحفظ الأعراض قيمٌ تسعد بها الأفراد والمجتمعات والدول.
وأكد أن الالتزام بالقوانين التي تسير حياة الناس، وتكفل لهم الراحة وتطبيقها، وتربية المجتمع عليها قيمٌ تجعل الإنسان في قمة الحضارة والرقي، وتساهم في تطور المجتمعات وتقدمها.
كما قال : ركيزة من ركائز البناء الإنساني، وركن ركين في بنيان السلوك البشري، يمس جميع مظاهر السلوك في الفرد والمجتمع، ركيزة ركينة توجه السلوك إلى الخير، وتحفز إلى التلقي في مراتب الجمال والسير نحو مراقي السمو، وبها يكون السعي الصحيح إلى معالي الأمور ومحاسن الأعمال؛ إنها خصلة، بل خصال إذا سادت في الناس عاشوا في أمن واستقرار، وتكاتُف وتعاوُن، خصال تبني الشخصية وتقوِّي الإرادة وتحفظ الأمن، وتقِي الشرورَ وتصحِّح الأخطاءَ؛ تلكم هي القيم والأخلاق، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، وفي سورة الإسراء : قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الْإِسْرَاءِ: 53]، أيضاً قوله تعالى : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الْإِسْرَاءِ: 16].
وبين أن من أدق التعريفات للقِيَم وأجملها وأصدقها أنها هي الصفات التي يحملها المرءُ ويعامل بها غيرَه، يقول عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "كاد الأدب أن يكون ثلثَيِ الدِّين"، ويقول الحافظ ابن رجب: "يظن كثير من الناس أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده، بل قال -رحمه الله-: والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدًّا، لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصدِّيقين" ، ويقول يحيى بن معاذ - رحمه الله - : "سوء الخُلُق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحُسْن الخُلُق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات".
وقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي الْجَنَّةِ"(رواه المنذري في الترغيب والترهيب، وإسناده صحيح).
وشدد: لهذه القيم الأخلاقية والمجتمعية أهمية بالغة في حياطة وحماية وصيانة حياة البشر، وأيضًا تنظيمها وتحسينها وجعلها أسعد وأيسر وأجمل، فإن تلك القيم تحكم كل مجالات الحياة : فتدخل المجال العقدي الإيماني فترسخ معنى التوحيد ومبدأ إفراد الله بالعبادة، ثم ترقى بالقلوب وتطمئنها بالإيمانيات وتحييها على الروحانيات قبل الماديات...
وتنظم المجال الاقتصادي فتحرِّم الربا واستغلال حاجة الفقير والغش والتدليس... وتغرس مكان ذلك الأمانة والشفافية والحرص على الحلال والتطهر من الحرام. وتدخل المجال الاجتماعي فتنقيه من كل ما يفسده من اختلاط مستهتر وخلوة محرمة وعقوق الوالدين وقطيعة أرحام وإيذاء جار والخيانة... ثم تنشر فيه المحبة والود والشفقة والإخاء والنقاء والفضيلة ورد الجميل... ثم لا تدع مجالًا إلا دخلته فتزرع فيه الفضيلة وتنزع منه الرذيلة.