الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا عشقنا نجيب الريحاني؟

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

وقعت في غرام فن نجيب الريحاني منذ سنوات طويلة،  وشاهدت أفلامه المعدودة على أصابع اليدين مرات بعد مرات. وكما يضحك عليها الكبار والصغار ويبكون من بعض مواقفها وفرط مأساويتها، حدث هذا ومع مئات الملايين الذين شاهدوا الريحاني وأعمال الريحاني.

وكانت صدفة غريبة خلال الأسبوع الماضي، عندما شاهدت "أستاذ حمام" في فيلم غزل البنات آخر أعمال الفنان العظيم نجيب الريحاني، بصحبة عمالقة الزمن الجميل يوسف وهبي وأنور وجدي وليلى مراد. فجرني غزل البنات إلى باقي مجموعة أفلامه الموجودة على "يوتيوب"، فشاهدت سي عمر وأحمر شفايف وأبو حلموس وسلامة في خير.

فعشت ساعات وساعات مع المتعة الفنية الجميلة بين يدي نجيب الريحاني وأفلامه القليلة للأسف، لأنه كان فارس المسرح المصري والعربي لعقود طويلة خلال عشرينيات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي. 

أما السينما فلم يكن له منها نصيب كبير. وكل رصيده بها 9 افلام. لكنها حفظت للتاريخ وللأبد، قيمة هذا الفنان المصري الأصيل الذي خرجت أعماله تنطق بمآسي وآمال وأحلام الشعب المصري، ففى فيلم "سلامة في خير"، هو سلامة الساعي الذي يعمل في أحد المحلات التجارية، ويعاني الأمرين حتى نهاية الفيلم، لأنه حرص على الأمانة التي كانت معه في ذلك الزمان وقدرها 4 آلاف جنيه، عندما وجد البنك مغلقا لانتهاء ساعات العمل، ورغم فقره وبؤسه إلا إنه كان نزيها لأبعد الحدود.

وفي فيلم "سي عمر" سنة 1941، يقوم بدور جابر الموظف في عزبة عمر الألفي والذي يتم طره من وظيفته بعد أن يكتشف الكثير من التلاعب والتزوير في إيرادات ومصروفات العزبة ويصل إلى القاهرة بحثا عن عمل إلا أن تقوده الصدفة البحتة ليصل إلى منزل عائلة عمر الألفي والذي يعتقدون، انه ابنهم عمر الغائب من منذ فترة طويلة نظرا للتشابه الكبير بينهما، فيواجه الفساد والاستغلال ويزيد من إيرادات العزبة. 

أو دور الأستاذ حمام مدرس اللغة العربية الفقير، والذي كان يعمل في مدرسة خاصة إلا انه ولسوء حظه يتم طرده منها، ليصبح بعدها المدرس الخصوصي لابنة الباشا سليمان نجيب، ليلى مراد، وتدور الأحداث لنكتشف عبر مشاهد وأحداث الفيلم شريحة فقيرة وغنية من المصريين في الفيلم، وسلوكيات ذلك الزمان.

واذا تأملنا في تفاصيل الحوار والجمل والقضايا التي كان يناقشها نجيب الريحاني في أفلامه قبل 70 و80 عامًا لعرفنا مدى قيمة هذا الفنان الذي مرعلى رحيلة 73 عاما لكن فنه يتجدد ويشع في القلوب كلما رأينا أحد أعماله.
واذا كانت أفلام الريحاني قليلة، فإن تراثه في المسرح المصري تراث خالد وعبقري ومعاصروه وما بعدهم، ظلوا ينهلون وإلى عقود طويلة من أعماله، التي غيرت الوجدان المصري، وكشفت عن مواطن خلل وفساد ومعاناة الإنسان المصري البسيط وحاحته الدائمة للإحساس بالستر وتدبير قوت أولاده، فمسرحياته الجنيه المصري، والدنيا لم تضحك وحكم قراقوش، والدنيا بتلف، وقمستي وإلا خمسة ومسرحيته ذائعة الصيت أنذاك "حمار وحلاوة"، ولو كنت ملك، والحظوظ،  واتبحبح، وياما كان في نفسي، والعشرة الطيبة وغيرها من المسرحيات خلدت قيمة نجيب الريحاني في زمنه وبعد زمنه.

وبالطبع فلم تظهر هذه الأعمال، ولم تأت هذه الشعبية الضخمة، لنجيب الريحاني من فراغ. فالرجل كان واعيًا تماما لفنه ولما يريد تقديمه للناس.

ومن حسن الحظ، أن نجيب الريحاني سجل بقلمه الكثير مما مر في حياته من مأسٍ ونكبات ونجاحات في مذكرات نجيب الريحاني، التي قرأت فصولا كثيرة منها في حضرة نجيب الريحاني الذي تملكني مؤخرا، فاكتشفت كما كان واعيا وهو يقدم فنه، وكان يقصد ويتعمد الوقوف أمام المظاهر الاجتماعية الفاسدة ليحارب عبر كوميديا بسيطة غير متكلفة ودون زعيق أو ابتذال أو حركات أو إيماءات جنسية أو تفاصيل منحطة في المشهد الذي يقدم للناس. بل مشاهد سينمائية شاعرية، وقبلها فصولا مسرحية غاية في الروعة.

واليوم فنحن في أمس الحاجة، لإعادة تراث ومسرحيات الريحاني وأرى ضررة قيام وزارة الثقافة، بالاستعداد بالاحتفال بمرور 75 عامًا على رحيل أيقونة الفن المصري نجيب الريحاني،حتى يتعرف النشء وتعرف الأجيال الجديدة هذه القامات الفنية الرائدة ويتعلقون بها، لأنه لا يعقل ان تترك شاشات مصر ذات التاريخ الفني المجيد، لمجموعة "صيع وبلطجية"، يقدمون ألوانا من الجرائم على الشاشة ولايعرف الجيل الجديد أن هناك فنانين عظام وقفوا لينتقدوا في زمانهم السفه والفساد والاستعمار والاحتلال والسرقة بمسرحيات وأفلام رائدة.

رحم الله الريحاني.. الفنان الصادق في حب الوطن وفي التأثر بهمومه والنطق بأحلامه.