الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد رسالة شيخ الأزهر عن الاحتكار.. جهود المؤسسة الدينية في محاربة الممارسات التجارية غير المشروعة

احتكار السلع
احتكار السلع

حاربت المؤسسات الدينية في مصر ، كل أشكال الاحتكار والتصرفات الشاذة التي يقوم بها بعض التجار استغلالا لحاجات الناس وقت الأزمات، حيث حرم وجرم الشرع الشريف مثل هذه التصرفات المنحرفة.

 

 

وفي هذا الإطار نسلط الضوء على جهود المؤسسات الدينية لمواجهة الاحتكار.

في البداية، قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الإسلام قد حرم الاحتكار؛ لما فيه من تضييق على عباد الله، ولما يسببه من ظلم وعنت وغلاء وبلاء، ولما فيه من إهدار لحرية التجارة والصناعة، وسد لمنافذ العمل وأبواب الرزق أمام الآخرين.

وأوضح شيخ الأزهر، خلال حلقة سابقة من برنامج "الإمام الطيب والذي تم عرضه رمضان الماض العام الماضي، أن الاحتكار هو الامتناع عن بيع سلعة أو منفعة حتى يرتفع سعرها ارتفاعا غير معتاد، مع شدة الحاجة إليه، مشددا على أنه محرم شرعا؛ لأنه نوع من أكل أموال الناس بالباطل، كما أنه مخل بمقتضيات الإيمان بالله؛ لقوله ﷺ: "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه" وقوله : "وأيما أهل عرصة بات فيهم امرئ جائع فقد برئت منهم ذمة الله".

ووصف شيخ الأزهر الاحتكار بأنه مجموعة من الرذائل الخلقية والمخالفات الشرعية، ففيه رذيلة الظلم، وفيه رذيلة أكل أموال الناس بالباطل، وفيه رذيلة السحت، وفيه رذيلة الباطل بكل شعبه، وغيرها من المآسي الأخلاقية والمخالفات الشرعية.

ولفت شيخ الأزهر إلى أنه إذا كانت العلة في حرمة الاحتكار هي الإضرار بالناس، فإن كل ما يترتب على احتكاره إضرار بهم محرم، سواء كان الاحتكار لطعام أو غيره؛ لإن حاجة الناس لا تتعلق بالطعام فقط، وقد تشتد حاجتهم إلى كساء ودواء ومأوى ونحو ذلك.

وأكد الإمام الأكبر أن الإسلام قد أعطى للدولة الحق في التدخل المباشر لمواجهة أزمة الاحتكار المضرة بالمجتمع، ولإجبار التجار على البيع بثمن المثل؛ لأن مصلحة الناس لا تتم إلا بذلك.

من جانبه، قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن قضية التكافل والتراحم الاجتماعي متفرعة من قاعدة عليا جليلة في الإسلام وقيمة ورمزية عالية في الإنسانية ألا وهي قيمة الرحمة؛ فهي مفردة متغلغلة في السلوك الإنساني، وأصل من الأصول العامة الضابطة لحركة الناس؛ لكونها منبعًا كريمًا ينتج لدى الإنسان اللِّين والعطاء والعطف بما يثمر في إشاعة السعادة وحب الخير للغير؛ فروح الإنسانية ونقاء شخصية الإنسان وصدق تدينه لن يعود إلا بالتمسك بمنظومة القيم وعلى رأسها قيمة "الرحمة"، فبها تنبعث سمات الحب والعدل والمساواة والتعاون والتكامل والسلم والاستقرار والصدق والتآخي.


جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن هناك نصوصًا كثيرة تحث على التراحم والتكافل، وهي من الكثرة بحيث يصعب حصرها، حيث يصف ربنا نفسه بالرحمة ابتداءً، وعليه يبتدئ المسلم عمله صغيرًا كان أو كبيرًا بـ "باسم الله الرحمن الرحيم"، وكل عمل الإنسان يجب أن يكون مشتقًّا من الرحمة ليثمر التراحم، حيث: «الراحمون يرحمهم الرحمن»، وهذا التعبير الرائع يصلح عنوانًا لكل إنسان مسلم، بحيث يجب أن تكون حياته رحمة وتراحمًا مع غيره، والرحمة تشمل عدم ظلم الإنسان لغيره من الناس كما يفعل بعض التجار وقت الأزمات من احتكار السلع من أجل تحقيق زيادات سعرية غير مشروعة أو غير قانونية.


ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أنه عندما غابت مظاهر هذه القيمة الجليلة عن الشخصية الإنسانية وعن تعاملاتها وعلاقاتها بالآخرين، وجدنا انتشار القطيعة، واتساع المنازعات وقسوة القلوب، وظلم الآخرين، واحتقارهم وهضم حقوقهم، واستلاب أموالهم دون حق مشروع، وهو طريق متعدد الصور فقد يكون بالسرقة، أو بالاحتيال، أو بالاحتكار، أو بالمخادعة والغش، ومن المعلوم أن الإنسان الرحيم لا يمارس مثل هذه الممارسات السيئة التي فيها انحراف عن الحق نتيجة فَقْد الرحمة، مما أدى إلى قسوة قلب فاعل ذلك فلا يبالي بفعلته بآلام غيره.


وشدد المفتي على أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الاحتكار حرامٌ في الأقوات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة، فالمحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها؛ وبهذا يحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، وهو من أشدِّ أبواب التضييق والضرر، والسلع التي يجري فيها الاحتكار هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ولا مانع من اتِّخاذ الدولة لإجراءات تمنع الاحتكار.

وعن حكم التسعير وتعارض أدلة التسعير وعدم التسعير قال فضيلته: كل دليل تكلم عن موطن مختلف، ولكن إذا لم تتم مصلحة الناس إلا بالتسعير: سعَّر عليهم ولي الأمر تسعيرًا لا ظلم فيه كما فعل عمر بن الخطاب في زمانه، أمَّا إذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه فإنه حينئذٍ لا يفعله؛ لأنه خلاف الأصل. أما امتناعه صلى الله عليه وسلم من التسعير فهو من تصرفاته بمقتضى الإمامة والسياسة الشرعية؛ حيث راعى النبي عليه الصلاة والسلام المصلحةَ التي كانت تدعو إليها تلك الظروف حينئذٍ، حيث كانت المنافسة وقتها منافسة شريفة.


وناشد مفتي الجمهورية المصريين بالاستمرار على أعمال الخير والتوسع في هذا العمل الخيري العظيم، وألا نقتصر على معرفة الملزم والواجب فقط فيما يخص الصدقات والزكاة، وخاصة تجاه ذوي القربى، بل نقدم الفضل والإيثار، وكذلك ناشد التجار بضرورة الكسب الحلال وتحري الصدق والأمانة وتفعيل وترسيخ قيمة المراقبة، وهي قيمة عظيمة في الشريعة الإسلامية؛ حيث إنها أساس تربية الضمير، وإرساء قواعد التعامل مع النفس ومع الآخر ومع الله، وذلك من خلال المكاشفة التي تحافظ على اتساق الإنسان مع نفسه؛ فإذا ما التزم كل واحد منا بهذه القيمة العظيمة في نفسه أولًا ومع غيره ثانيًا فضلًا عن علاقته بربه يصبح عامل بناء في مجتمع يحاول أن تكون نفوس أبنائه سوية، وعلاقاتهم صحيحة، بعدها يبدأ بناء الحضارة والرقي والازدهار وإفشاء السلام والأمان في المجتمعات.


كما أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن إطلاق حملة توعية جماهيرية موسعة في جميع محافظات الجمهورية بعنوان: «الاحتكار يدمّر الأوطان»، لمواجهة السلوكيات السلبية التي يعاني منها المجتمع والمتعلقة باحتكار السلع لتحقيق مكاسب شخصية على حساب أقوات الناس، وذلك في إطار توجيهات الإمام الأكبر د. أحمد الطيب – شيخ الأزهر بضرورة التعامل المباشر مع القضايا الملحة التي تؤرق أفراد المجتمع وتمثل تحديًا لجهود الدولة التنموية خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي يعاني منها العالم أجمع.

وقال  الدكتور نظير عيّاد الأمين الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن هذه الحملة تأتي استجابة للواجب الديني والوطني تجاه المجتمع الذي نعيش فيه والذي يحتاج منّا جميعًا أن نكون على يقظة تامة لكل ما يُحاك له أو ينال من استقراره، فاستشعار المسئولية المجتمعية فريضة على كل إنسان يعيش في هذا الكون، ولا يدرك قيمة وأهيمة هذه المسئولية إلا أصحاب الضمائر الحية.

أضاف الأمين العام أن هذه الحملة التي يشارك فيها وعاظ وواعظات الأزهر الشريف تستهدف تنفيذ مجموعة من المحاور المهمة، أولها: عقد 185 ندوة جماهيرية بواقع ندوة في كل مركز من مراكز الجمهورية، وثانيها: بث نحو 200 فيديو يوجه رسائل مباشرة تتعلق بهذه الحملة، وثالثها: نشر فتاوى كبار العلماء والمفتين بالأزهر التي تحرم الاحتكار والجشع، ورابعها: استكتاب علماء الأزهر لمقالات صحفية تنشر في مجموعة من الصحف المصرية لتحذير التجار من جريمة الاحتكار وما يترتب عليها من أزمات أخلاقية وإنسانية.

ومن المقرر أن توجّه الحملة -أيضًا- مجموعة من الرسائل الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعية لتوعية الجمهور بأضرار هذه السلوكيات السلبية وكيفية التعامل مع من يقومون بمثل هذه الأفعال.


وعن سؤال "لماذا الاحتكار ضارّ جدًا بالمجتمع؟ أجاب مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

وقال البحوث الإسلامية إن الاحتكار يدمر الأوطان، كما أن له جملة من الأضرار منها: 
1ـ سبب رئيسي لرفع الأسعار في السوق. 
2ـ  يقتل روح المنافسة التجارية الشريفة. 
3ـ يتسبب في عدم تكافؤ الفرص بين التجار والمستثمرين.
4ـ  يسهم في انتشار الأسواق السوداء، واستغلال حاجات الناس. 
5ـ يساعد على انتشار الكثير من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية مثل: البطالة، والتضخم، والكساد، والرشوة.

ونظم مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ممثلا في الإدارة المركزية للثقافة الإسلامية الندوة الشهرية لمجلة الأزهر بعنوان «الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون»، في ثلاثة محاور رئيسية، تناول المحور الأول: فلسفة الشريعة الإسلامية في منع الاحتكار، والمحور الثاني: الاحتكارات المعاصرة وآثارها الاقتصادية، في حين ناقش المحور الثالث: الاحتكار والأمن المجتمعي.. الآثار والمواجهة.

وأكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، أن معالجة الممارسات الاحتكارية المعاصرة سواء كانت في الشريعة وأحكامها أو كانت في القانون بالتزاماته ومبادئه وما يجيزه وما لا يجيزه- تحتاج أولًا أن نفرق ما بين المبادئ التي يقوم عليها السوق وما بين أحكام التعامل.

وأوضح خلال الندوة الشهرية لمجلة الأزهر «الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون» بمركز الأزهر للمؤتمرات، أنَّ المبادئ التي يقوم عليها السوق تتجه في الشريعة إلى الحرية، فالنبي ﷺ لما طلبوا من تسعير الاسعار قال ﷺ: «إن المسعر هو الله»، وهذا الحديث يؤكده حديث آخر لرسولنا الكريم ﷺ: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض»، هذا الأحاديث النبوية الشريفة يسيء استخدامها المحتكرون فيقولون ما دام أمر السوق مبني على الحرية فهو حر حرية لا قيد عليها أن يفعل ما يشاء وهذا خطأ؛ إنما هذه الحرية منسوبة إلى المبادئ التي أقرها الشرع لجريان السوق عامة وليست من قبيل الأحكام التي تحكم التعامل.

وأضاف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن السوق تحكمه مبادئ الحرية ولذلك استثناه الله سبحانه وتعالى في توثيق الديون التجارية، والأدلة كثيرة أنَّ السوق يقوم على مبدأ الحرية؛ لكنه أيضا تحيط هذه الحرية منظومة أخلاقية تبدأ من تعاليم ديننا الحنيف ومن قول النبي ﷺ  تعالى في ما جعله الشراح والمحدثون في أوائل كتبهم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، فالنية أساس في التعامل وفي التصرفات وفيما يقبله الله وما لا يقبله الله، والنظام الأخلاقي الضابط للسوق لاحظه كثير من المفكرين حتى أهل الغرب، وقد كتب آدم سميث كتابا سماه «ثروة الأمم»، لكنه ألف كتابا آخر سماه « أخلاق الأمم» وهو كتاب أصغر من ثروة الأمم، لكنه ألفه بعد ذلك من أجل ضبط هذه المسألة في التفريق بين الحرية والتفت، الحرية بلا قيود وبلا مسؤولية هي تفلت، ولذلك تحتاج إلى المنظومة الأخلاقية في نيات المتعاملين، تحتاج إلى ضبطها وربطها بالله سبحانه وتعالى.

وبَيَّنَ رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب أنَّ الحرية تحتاج إلى المنظومة الأخلاقية وما أسماه الفقهاء بالمآلات والغايات، لمعرفة ما الذي يترتب على هذا الفعل حتى لو كان صحيحا في القانون أو حتى لو كان صحيحا في الظاهر أو في بداية الأمر، ما الذي يترتب عليه فيما بعد من خير أو من ضرر، وأن مبادئ السوق لابد أن نقدم بها هذا الموضوع لأنها ستفيد في فك إشكالات كثيرة في تحديد معنى الاحتكار وفي تحديد المنع منه والزجر منه، فقد ذكر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر أن «الاحتكار من الكبائر»، وقد فرق العلماء بين الكبيرة والصغيرة، فقالوا إن الكبير هي التي ورد فيها وعد بالنار أو ورد فيها لعن أو نص على أنها كبيرة، وقد ورد اللعن في قضية الاحتكار، وقد أخرج مسلم «لا يحتكر إلا خاطئ» وكلمة خاطئ غير كلمة مخطئ، خاطئ من الخطيئة، والخطيئة ما كانت عن قصد وما يترتب عليها عقاب، أما كلمة مخطئ فهي من الخطأ وهي ما كان عن غير قصد ولا يترتب عليه عقاب.


وأشار إلى أن الأحكام المتعلقة بالاحتكار تنطبق على الطعام وعلي غير الطعام من السلع وفي كل ما يصيب الناس بالضيق والضرر ويضيق عليهم في حياتهم، محذرًا فضيلته من خطورة الاحتكار على المجتمع كله، والاحتكار لا يتعلق فقط بوقت الغلاء كما كان يفهم عنه قديما، فقد خرجنا من قاعدة التعامل بالذهب حين قطع نكسون في سنة 1970 العلاقة بين الورق وبين الذهب، وأصبح الورق لا علاقة له بالمعادن أصلا ولا بغيرها.