الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أرباح هائلة قد تقضي على الفقر.. هل تحل أفريقيا محل الصين في صدارة إنتاج المعادن النادرة؟

الطلب العالمي على المعادن النادرة قد يصل إلى 315 ألف طن متري بحلول 2030
الصين تسيطر على 60% من إنتاج المعادن النادرة في عالم و85% من قدرات معالجتها
دول أفريقيا تعاني من ضعف القدرة على استغلال الثروات الكامنة في أراضيها

تزداد أهمية موارد كوكب الأرض المحدودة لكل من الأمن البشري والوطني اليوم أكثر من أي وقت مضى، ومنها سبعة عشر معدنًا يدخلون في صناعة الإلكترونيات من أجهزة حاسب آلي وتلفاز وهواتف ذكية.

وتستخدم بعض هذه المعادن أيضا في صناعات تكنولوجيا الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، وفي مهمات الدفاع الوطني مثل تشغيل محركات الطائرات وتوجيه الصواريخ والأنظمة الدفاعية والأقمار الصناعية ومعدات تحديد المواقع والخرائط الرقمية وغيرها.

وفي عام 2021 بلغ الطلب العالمي على موارد الأرض المحدودة 125 ألف طن متري، ومن المتوقع أن يصل إلى 315 ألف طن متري بحلول عام 2030، وما يثير القلق بهذا الشأن هو غياب التوزيع العادل لتلك المعادن على جميع أنحاء الأرض، فعلى سبيل المثال تسيطر الصين على أسواقها وتحتكر 60% من الإنتاج العالمي لها و85% من إمكانيات معالجتها، وفي ظل التوترات الجيوسياسية التي تسود العلاقات بين الصين وتايوان مؤخرا، تسعى الولايات المتحدة وأستراليا ودول أخرى لإنهاء اعتمادها على الصين كمصدر لإنتاج ومعالجة الموارد غير المتجددة.

ولعل هذا المسعى يتيح الكثير من الفرص للبلدان الأفريقية التي تمتلك ثروة من الموارد النادرة، ويمكّنها من استغلال الاحتياج العالمي الملح لها لجني المزيد من الأرباح وتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر، والاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية لتعزيز القيمة المضافة والشراكات التجارية الدولية.

وتعاني الدول الأفريقية من ضعف القدرة على استغلال الثروات الكامنة في أراضيها بسبب تدني إمكانيات الاستكشاف والتنقيب عنها، ففي عام 2021 صنفت ميزانية التعدين في أفريقيا جنوب الصحراء كثاني أدنى ميزانية في العالم بما يقرب من نصف ميزانية  كل من أمريكا اللاتينية وأستراليا وكندا، رغم أن مساحتها تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة كندا وأستراليا.

وفي نفس العام ارتفعت الميزانية السنوية للتنقيب عن المعادن في كندا بنسبة 62% تليها أستراليا بنسبة 39% ثم الولايات المتحدة بنسبة 37% وأخيرا أمريكا اللاتينية بنسبة 29%، بينما زادت ميزانية أفريقيا بنسبة 12% فقط، مع استحواذ الذهب على النصيب الأكبر من أعمال التنقب، على حساب استكشاف العناصر النادرة والمعادن الخضراء اللازمة للتحول للاعتماد على الطاقة النظيفة، لذا يعد توسيع نطاق الاستكشاف في أفريقيا أمرا بالغ الأهمية، خاصة وقد عثر بالفعل على على العديد من الرواسب الغنية بشوائب المعادن.

وكانت شركة التنقيب الكندية " مكانجو ريسورسز" قد أعلنت في وقت سابق من هذا العام أنه من المتوقع أن يبدأ منجم "سونجوي هيل" في مالاوي والذي يحتوى على عناصر نادرة الإنتاج بحلول عام 2025، كما أعلنت شركة "بانرمان إينرجي" الأسترالية استحواذها على حصة 41.8% من أسهم شركة " نامبيا كريتيكال ميتالز"، التي تقوم بـ 95% من عمليات التنقيب عن المعادن الثقيلة النادرة في منجم لوفدال الذي ينتج 2000 طن سنويا من العناصر المؤكسدة ويحتوي على رواسب غنية لاثنين من أثمن معادن الأرض النادرة وهما الديسبروسيوم والتيربيوم.

ويحتوي منجم ستينكامبسكرال في جنوب أفريقيا على أحد أهم وأندر العناصر في العالم، بالإضافة إلى 15 عنصرًا آخر و86.900 ألف طن من إجمالي العناصر المؤكسدة، ورواسب كثيفة من النيودميوم والبراسيوديميوم، وفي عام 2020 حصلت شركة أنجولية تابعة لشركة بريطانية على حقوق التعدين الحصرية لمنجم "لونجوجو" لمدة 35 عاما، ولا تعد هذه العمليات محدودة بالنظر إلى حصة أفريقيا الصغيرة من أعمال التنقيب عالميا.

وهناك ثلاثة طرق يمكن للبلدان الأفريقية تعظيم مكاسبها من العناصر النادرة بجانب زيادة الاستكشاف وهي:

أولا، إقرار الحكومات لسياسات ضريبية تزيد من الإيرادات مع الحفاظ على سياسات مالية مستقرة للحد من التقلبات التي يمكن أن تضر بالاستثمارات، خاصة مع التحول من التعدين كثيف العمالة للتعدين كثيف رأس المال، الذي يساعد على خلق المزيد من فرص العمل.

وعلى سبيل المثال ففي عام 2017 حصل قطاع التعدين في جنوب أفريقيا على 1.3% فقط من إجمالي الإيرادات في حين ساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.3%، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحوافز الضريبية وتوفير المدفوعات، وتعد الحوكمة الرشيدة هي الضمانة الأهم لاستغلال العوائد والضرائب على الإنتاج في تقليل حجم الديون وتمويل الأهداف التنموية الأساسية، لاسيما في أفريقيا حيث سيتركز فيها معظم فقراء العالم بنسبة 90% بحلول عام 2030، وتفتقر لسياسات العدالة الاجتماعية.

ثانيا، التخطيط للاستفادة من منطقة التجارة القارية الحرة بين بلدان القارة لتعظيم القيمة المضافة مع القيام بعمليات الاستخراج رغم صعوبة ذلك بسبب ارتفاع تكلفة مرافق فصل المعادن النادرة، وقد خصصت الولايات المتحدة 156 مليون دولار لمنشأة واحدة تعمل في استخراجها وفصلها، لكن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال في أفريقيا حتى الآن.

ثالثا، استغلال الموارد في بناء شراكات تجارية واستراتيجية قوية وتعزيز مساهمة أفريقيا ككل في سلاسل التوريد العالمية للمعادن النادرة، لاسيما الشراكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا التي  سترحب بدعم دول القارة والتخفيف من الاضطرابات السياسية فيها، على غرار ما فعلته كندا من استثمار 162 مليون دولار لجعل مدينة كيبيك مركزا عالميا لمعالجة المعادن الهامة بهدف تعزيز التعاون التجاري مع حلفائها.

وتحتاج حكومات البلدان الأفريقية أيضا إلى تبني سياسات تضمن للشركات تغطية تكاليف عمليات استكشاف المناجم واستخراج ومعالجة المعادن، والعمل على تقليل الآثار السلبية للتعدين كالمخاطر البيئية والصحية وتضرر البنية التحتية، وفي حال نجحت في تحقيق تلك التوصيات ستتمكن من الاستفادة المثلى من ثرواتها ومضاعفة الإيرادات ورفع معدلات نموها الاقتصادي.