الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

متى يندرج الأمر تحت مفهوم البدعة .. أقسامها وحكم من يقع فيها؟

الدعاء
الدعاء

ما المقصود بالبدعة وما أنواعها؟.. وهل الدعاء بعد الإقامة للصلاة هل يعد منها؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية. 

ما المقصود بالبدعة وما أنواعها؟ 

وقالت الإفتاء لا مانع شرعًا من الدعاء بعد الإقامة للصلاة قبل الشروع فيها ، بل هو من الدعاء المستحب المستفاد من السنة النبوية ونصوص الفقهاء، والقول بتبديع ذلك هو قولٌ مبتدَعٌ باطلٌ لا تعويل عليه ولا التفات إليه.

ولفتت إلى أن البدعة هي ما حَدَثَ مِمَّا لا أصل له في الشرع يَدُلُّ عليه، وأما ما كان له أصلٌ في الشرع يَدُلُّ عليه فليس ببدعةٍ شرعًا وإن كان يُسَمَّى بدعةً لغة؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" (10/ 147، ط. دار الكتب العلمية): [ليس المحدث والبدعة مذمومًا للفظ مُحدَثٍ وبدعةٍ ولا لمعناها؛ فقد قال الله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: 2]، وقال عمر: نِعْمَت البدعةُ هذه. وإنما يُذَمُّ مِن البدعة ما خالف السُّنة، ويُذَمُّ مِن المحدثات ما دعا إلى ضلالة] اهـ.

ولقد قسَّم علماء الإسلام البدعة إلى: بدعةٍ حسنة، وبدعة سيئة، أو إلى: بدعة ضلالة، وبدعة هدى.

فبِدعة الهدى: هي التي توافق تعاليم الإسلام وأصول الشريعة، وهي المرادة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ».

وأما بِدعة الضلالة: فهي التي لا تتفق مع مقاصد الشريعة وأصولها، وهي التي عناها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في حديث مسلم: «وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»، وبقولـه صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ.

وبهذا الفَهم للحديثيْن والتوفيق بينهما سار السلفُ الصالح؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 206، ط. دار الخلفاء) من طريق الربيع بن سليمان عنه: [المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث يخالف كتابًا أو سُنةً أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه لَبِدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ فهذه محدثةٌ غير مذمومة] اهـ.

وأخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (9/ 113، ط. دار السعادة) من طريق حرملة بن يحيى عن الإمام الشافعي أنه قال: [البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة؛ فما وافق السنَّة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 22، ط. دار الكتب العلمية) ما نصه: [البدعة (بكسر الباء) في الشرع هي: إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب "القواعد": البدعة منقسمة إلى: واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تُعرَض البدعة على قواعد الشريعة؛ فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 560، ط. دار الفكر) ما نصه: [فقد تكون واجبةً؛ كنصب الأدلة للردِّ على أهل الفرق الضالة، وتعلُّم النحو المُفهم للكتاب والسنة. ومندوبة؛ كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول. ومكروهة؛ كزخرفة المساجد. ومباحة؛ كالتوسع بلذيذ المأكل والمشارب والثياب] اهـ.
وعلى ذلك: فإن قول الدعاء المأثور: "اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض" بعد الإقامة ليس هو من السنن السيئة التي لا تتفق مع أحكام الشريعة وأصولها حتى توصف بأنها بدعة مذمومة، كما أن لها أصلًا من السنة ومن كتب الفقهاء.

وقد ورد استحباب قول هذا الدعاء في السنة النبوية الشريفة بعد سماع الأذان على وجه الإطلاق؛ فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ»، والإقامة هي في الحقيقة نوعٌ من الأذان لغةً؛ لأن الأذان في اللغة هو الإعلام، والإقامة شرعت للإعلام بالشروع في أداء الصلاة، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسمية الإقامة بالأذان؛ فأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ -ثَلَاثًا-؛ لِمَنْ شَاءَ»، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 107، ط. دار المعرفة): [قوله: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ» أيْ: أذانٍ وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره؛ لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر ناطقٌ بالتخيير؛ لقوله: «لِمَنْ شَاءَ»] اهـ.