الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم مَنْ يُدنِّس أو يزدري المصحف الشريف.. على جمعة يجيب

علي جمعة
علي جمعة

ما حكم مَنْ يُدنِّس أو يزدري المصحف الشريف.. سؤال ورد للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

قال جمعة في فتوى له إن المصحف الشريف بما فيه من قرآن الله تعالى هو أحد مقدسات المسلمين ، والذي وفقهم الله تعالى للاعتناء به نقلا وتفسيرا ، وحفظا وفهما ، ودعوة وجهادا ، ورسما وطباعة ، واحتراما وتوقيرا ، كيف لا وهو كلمة الله تعالى الأخيرةُ إلى العالمين : آمن مَن آمن وكفر مَن كفر ، قال تعالى : { قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[المائدة :15  -  16] .

وقال تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }[الزمر :23] .

وقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [يونس :57] .  
فرط الآخرون في كتبهم ، وحرفوا في وصايا أنبيائهم قال تعالى :{ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ }[الأنعام :89] .

أضاف: اختار الله تعالى لأعظم كتبه أشرفَ رسله وأعانه بخِيرة خلقه من ملائكة وبشر ؛ لتبقى كلمة الله تعالى في الأرض حجةً قائمة ومعجزة متحدية قال تعالى :{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }[الإسراء :88]  .  
والمسلمون يعظمون ويقدسون كتب الله تعالى كلَّها التي نزلت على جميع أنبيائه ورسله صلوات الله عليهم وسلامه : إجمالا لغير المعلوم منها وتفصيلا للمعلوم منها كصحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل ، قال تعالى :{ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } (البقرة 256 ) ، ويخرج من الملة مَن احتقر نبيًّا من أنبياء الله تعالى أو رسولا من رسله أو كتابا من كتبه الصحيحة المنزلة على أنبيائه ورسله ، وإهانةُ المصحف الشريف – عياذًا بالله تعالى – من الأعمال التي يكفر صاحبها بمجرد صدورها منه  .  
والمصحف الشريف يتسابق في احترامه المسلمون ، وفي ذلك يتنافسون ، فيضعونه فوق كل شيء ولا يُجيزون وضع شيء فوقه من كتب وغيرها ، ولا يمسونه إلا على طهارة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ » أخرجه مالك والدارمي والدارقطني ، وهذا ما فسر به جمهور العلماء قوله تعالى : { لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ } (الواقعة :79] .

وتابع: ومما هو مشهور في كتب السيرة رفض فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها أن تدفع صحائف المصحف الشريف لأخيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يغتسل  وغير ذلك مما يدل على احترام وتعظيم وتوقير وتقديس المسلمين لكتاب ربهم الذي شرفهم به وأخرجهم به من الظلمات إلى النور  .

والتقديس فيه معنى النزاهة والطهارة والبراءة من الدنايا المادية والمعنوية : طهارة معانيه ونَظمه وتراكيبه وألفاظه ومناهجه ومبادئه وقضاياه  .  
هذا الكتاب العظيم لم يملك أمامه المنصفون إلا الفرحَ به والإيمان بما جاء فيه ققال تعالى : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ }[المائدة :83  -  85] ، وبعض من لم يصل الإيمان إلى قلبه ممن يحترم عقله سلّم لخصوصية هذا الكلام وأذعن لتفرده ، وبعضٌ غلبته شهوته وشدَّته الدنيا وأبى لفطرته إلا الانتكاس ، قال تعالى :  { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِمِينَ } (الأحقاف :10]  .  
ومن يتعرض للمصحف الشريف بما لا يليق به عند العقلاء فضلا عن المؤمنين به : من ازدراء أو إهانة أو احتقار فهذا شخص بعيد عن الموضوعية في الخصومة ، ناءٍ عن الشرف في الجدال ، يُعَرض نفسه لسخط الله تعالى وغضبه وانتقامه قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم :42  -  43] .

وهو مُتَخَطٍّ للحدود الحمراء لأهل الإسلام ، فالمسلمون بُناة حضارة ، مُشِيدو عمران ، يُقَدرون معنى الحوار والمجادلة ، مأمورون بالتعايش مع الآخر ومناكحته ومؤاكلته وتهنئته وتعزيته ومساعدته في تعريف المعروف وإنكار المنكر ، وهم لا يقبلون لأنفسهم أن يقابلوا السفهاء بسفههم سفها ، ولا الحمقى بحماقتهم حمقًا { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا } [الفرقان :63] ، ولكنهم أبدا لن يسكتوا على الاعتداء على مقدساتهم وخطوطهم الحمراء .