الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما حكم الحلف بغير الله .. وهل الترجي بالنبي محرم ؟ علي جمعة يجيب

النبي محمد صلى الله
النبي محمد صلى الله عليه وسلم

ما حكم الحلف بغير الله .. وهل الترجي بالنبي محرم؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

حكم الحلف بغير الله 

 وقال علي جمعة في بيان: ما حكم الحلف بغير الله، وهل الترجي بسيدنا محمد ﷺ وآل البيت والكعبة والمصحف ؟ كأن يقول الإنسان مثلاً : «والنبي تعمل كــــذا»، «وسيـــدنا الحسين وغلاوتــــه عندك» ، والمقصـود الترجي وليس القسم، وهـل يُعَدُّ ذلك شركًا ؟ حيث يفاجأ الإنسان إذا قال ذلك بمن يقــــــول له : هذا حــــرام، هذا شــــرك، قل لا إله إلا الله ؟، جاء الإسلام وأهل الجاهلية يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها مضاهاة لله سبحانه وتعالى عما يشركون، كما قال عز وجل واصفًا لحالهم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165] ، فنهى النبي ﷺ عن ذلك حماية لجناب التوحيد فقال : « مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ [وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى] فَلْيَقُلْ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»، وقال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ » أي : قال قولاً شابه به المشركين لا أنه خرج بذلك من الملة – والعياذ بالله – فإن العلماء متفقون على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به كتعظيم الله تعالى ، وكُفْرُه حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه .

وتابع: كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم؛ افتخارًا بهم، وتقديسًا لهم، وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك – فقال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ» وعلة هذا النهي قد بَيِّنها صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الآخر : « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ » وكما قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] قال المفسرون : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، فيقول الرجل منهم : كان أبي يُطْعِم ويحمل الحَمَالات، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم.

وأوضح: أما الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه، وإنما مَنَعَه مَنْ مَنَعَه مِنَ العلماء أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، وأجازه من أجازه – كالإمام أحمد في أحد قوليه رضى الله عنه وتعليله ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به – ؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى بل تعظيمه بتعظيم الله له، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله تعالى غير مراد قطعًا لإجماعهم على جواز الحلف بصفات الله تعالى، فهو عموم أريد به الخصوص .

قال ابن المنذر :«اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله، فقالت طائفة : هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيمًا لغير الله تعالى كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها، وأمّا ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله : وحق النبي، والإسلام، والحج، والعمرة، والهدي، والصدقة، والعتق، ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلاً في النهي، وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق، والهدي، والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه ؛ إذ لو كان عامًّا لنَهَوْا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئًا »ا هـ .

أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه حيث ورد في كلام النبى صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة الكرام، فمن ذلك : - ما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم : « أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ»، وحديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام. وفي آخره : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ » أَوْ « دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَبِّئْنِى بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّى بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ، فَقَالَ : « نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ ؛ أُمُّكَ » وعَنْ أَبِى الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ ؟ قَالَ : « وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ»

وروي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ : « نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ » فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ : « نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ » ، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ : « نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ » ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ».

وجاء في قصة الأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قال له : « وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ »

وثبت في الصحاح أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له : « لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ » تعني طعام أضيافه.

قال الإمـام النووي :«ليس هذا حلفًا ، وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقـة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقـة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته بالله سبحانه وتعالى ، فهذا هو الجواب المرضي».

ونقل الحافظ ابن حجر قول الإمام البيضاوي في هذا الشأن حيث قال : وقال الإمام البيضاوي : «هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم، كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء».

وشدد بناءً على ذلك فإن الترجي أو تأكيد الكلام بسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم أو آل البيت أو غير ذلك كما جاء بالسؤال مما لا يُقصد به حقيقة الحلف هو أمر مشروع لا حرج على فاعله لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة، وجريان عادة الناس عليه بما لا يخالف الشرع الشريف، وليس هو حرامًا ولا شركًا، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم حيث يقول تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } [النحل: 116] ، ولا يجوز للعاقل أن يتهم إخوانه بالكفر والشرك فيدخل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: « إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا».